إن الحرية الاقتصادية هي حرية مسبوقة بنظام، وليست مطلقة تتحرَّك بالمصالح والرغبات وحدها، ثم هي حرية مُراقَبَة لاحقًا، ومع ذلك يظل الأصل الأول هو الحرية المتاحة للأفراد في ممارسة حياتهم الاقتصادية في السوق، والأصل الثاني هو تدخُّل الدولة في النشاط الاقتصادي في الأحوال التي يَعْجز فيها الفرد.
وتكمن أهمية “مؤشر الحرية الاقتصادية” في قُدرته على توفير معيار للبلدان لتقييم سياساتها الاقتصادية، وتحديد مجالات التحسين. وتُحلِّل تقارير الحرية الاقتصادية مجموعة من المؤشرات المتعلقة بالحرية الاقتصادية، وتُوفِّر تصنيفًا للبلدان بناءً على درجة الحرية الاقتصادية الشاملة، ويُعدّ المؤشر أداةً مفيدةً للبلدان لتقييم سياساتها الاقتصادية، وتحديد مجالات التحسين، وهو مورد مُهمّ للمستثمرين الذين يُفكِّرون في ممارسة الأعمال التجارية في مختلف البلدان؛ لكونه يُوفِّر معلومات موضوعية عن البيئة التنظيمية والمناخ الاقتصادي العام.
إنَّ الحرية الاقتصادية في دول إفريقيا جنوب الصحراء تأتي دائمًا في المرتبة الدنيا في مؤشر الحرية الاقتصادية، وهو ما يُؤثِّر على الأداء الاقتصادي، وتدفُّقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ودرجة التكامل الإقليمي والقارّي والأحوال الاجتماعية. ودائمًا ما يؤدي ذلك إلى ضعف سيادة القانون، والحماية غير الكافية لحقوق الملكية، وتفشّي المحسوبية والفساد، وتراجُع الفعالية القضائية، ونزاهة الحكومة، وحرية الأعمال، وضخامة القطاع غير الرسمي، وارتفاع معدل التضخم، وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في تراجُع مؤشر الحرية الاقتصادية لدول المنطقة، وهو ما سنتعرف عليه من خلال:
المبحث الأول: الحرية الاقتصادية.. النشأة والمفهوم والقياس والروابط المختلفة.
المبحث الثاني: تحليل تطوُّر مؤشر الحرية الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة 2019-2022م.
المبحث الثالث: تحليل مؤشر الحرية الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2023م.
مبحث ختامي: العلاقة بين الحرية الاقتصادية وبعض المؤشرات الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
المبحث الأول:
الحرية الاقتصادية.. النشأة والمفهوم والقياس والروابط المختلفة
نتناول في هذا المبحث نشأة الحرية الاقتصادية، ومفهومها، ورؤية المدارس الفكرية المختلفة لها، وقياسها وتصنيفاتها وعلاقاتها المختلفة، من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: نشأة الحرية الاقتصادية ومفهومها وفلسفتها.
المطلب الثاني: قياس الحرية الاقتصادية وتصنيفاتها.
المطلب الثالث: العلاقة النظرية بين الحرية الاقتصادية وبعض المؤشرات الاقتصادية.
المطلب الأول: نشأة الحرية الاقتصادية ومفهومها وفلسفتها
أولًا: نشأة الحرية الاقتصادية
يُعدّ مصطلح الحريات الاقتصادية من المصطلحات الحديثة التي ترتبط بالأنظمة الاقتصادية الحرة لا سيما الرأسمالية، وإن لم يصرح به في النصوص القانونية، فإنه يتم تجسيد تطبيقاته في القانون من خلال مفاهيم أخرى مشتقة منه؛ كتجسيد لفكر السوق الحر. ويعتبر آدم سميث من أوائل الاقتصاديين الذين طالبوا بفكرة الحرية الاقتصادية، تلاه جون ستيورات ميل، ولودفيج فون ميسيس، وفردريش إيه هايك، وميلتون فريدمان وآخرين.
وهناك آخرون معادون لهذا الفكر دعوا إلى التخطيط الاقتصادي المركزي، وسيطرة الدولة على وسائل الإنتاج، أمثال جون جاك روسو، وكارل ماركس، ودعاة القرن العشرين مثل ليرنر، وجون كينيث غالبيرث، وغيرهم؛ حيث يرون أن الأسواق الحرة تؤدي إلى الاحتكارات والأزمات الاقتصادية المزمنة، وأن الحياة الاقتصادية مهمة لدرجة لا يكن تركها لقرارات الأفراد. وظل هذا النقاش لأكثر من قرن حتى وجد هذا الفكر طريقه في أوروبا، لا سيما في أعقاب الثورة الصناعية([i]).
أما نشأة الحرية الاقتصادية في النظم القانونية كنص قانوني فتعود إلى مرسوم “أللارد Allard” بداية من الثورة الصناعية، من خلال الاعتراف بمبدأ حرية التجارة والصناعة المُكرّس في هذا بمرسوم صدر بتاريخ 2 و17 مارس 1791م.
تطور هذا المبدأ في ظل تدخُّل الدولة في النشاط الاقتصادي بشكل مغاير عما كانت عليه، وتوسعت مفاهيمه من خلال إبرام الاتفاقيات الدولية واتساع التجارة الخارجية والمبادلات، وكان للعولمة دور جوهري عندما فُتحت الأسواق، فتكرست الحرية الاقتصادية، مما أدى إلى انعقاد مؤتمرات دولية للتوصل إلى العديد من المبادئ؛ منها: ميثاق التجارة الدولية الذي كان بداية لتكريس حريات الاقتصاد العالمي من خلال([ii]):
- الانفتاح على العالم الخارجي؛ من خلال التأكيد على الحماية الجمركية.
- توسيع وإتاحة وتشجيع المنافسة، وصنع مناخ ملائم لذلك.
- تحسين الإنتاج من خلال المبادلات التجارية وتبادل الثروات.
ثانيًا: مفهوم الحرية الاقتصادية
يشير المفهوم المبسَّط للحرية الاقتصادية Economic Freedom إلى تمكين الأفراد والمؤسسات والشركات، وجعلهم يتحملون مسؤولياتهم واتخاذ قراراتهم الاقتصادية بأنفسهم في المجالات المختلفة، والتي تصبّ في النهاية في الصالح العام، وتحقيق النمو الاقتصادي، كما أنها تعمل على تحسين حياة البشرية، وتُحرّرهم من التبعية، وترسيخ السوق الحرة، وتدعم مبدأ تكافؤ الفرص وانطلاق الحركية والإبداع، ومِن ثَم تحقيق الرفاهية وخفض مستويات الفقر، ومقاومة الفساد وخلق فرص العمل([iii]).
وهي تشمل كل الحريات وحقوق الإنتاج والتوزيع، واستهلاك السلع والخدمات؛ فالشكل الأوسع لمدلول الحرية الاقتصادية يجب أن يُقدّم الحق المطلق للملكية والحريات التامة وتحركات العمل ورأس المال والسلع والغياب المطلق للإكراه والقيود. وحماية حقوق الملكية الفكرية، وتوفير مجالات لحرية الاختيار الاقتصادي، وهو ما يُعزِّز تمكين الأفراد والمؤسسات والشركات للوصول إلى مستويات مرتفعة من النمو والتطور والاستقرار، دون قيود من الدولة، باستثناء مستلزمات حماية الأمن القومي والمصلحة العامة([iv]).
وعرّفت مؤسسة (Heritage) الحرية الاقتصادية على أنها “غياب السلطة أو القيود الحكومية في إنتاج واستهلاك وتوزيع السلع والخدمات، واقتصار دور الدولة على ضمان حريات الأفراد”. وتعرّفها مؤسسة (Friedrich Naumann Foundation For Freedom) على أنها “تعبر عن مدى قدرة الفرد على ممارسة النشاط الاقتصادي بدون تدخُّل من الحكومة، وتقوم الحرية الاقتصادية على أساس الاختيار الشخصي والتبادل الطوعي وحق المرء في الاحتفاظ بما يكتسبه، والشعور بالأمن وحماية حقه في ممتلكاته”.
ويراها معهد كايتو ((CATO Institute بأنها “الاختيار الشخصي والتبادل الطوعي الذي تنظمه الأسواق عن طريق حرية الدخول والتنافس فيها، فضلاً عن حماية الأشخاص وممتلكاتهم من اعتداء الآخرين([v]).
ثالثًا: فلسفة الحرية الاقتصادية ورؤية المدارس المختلفة لها
ارتبطت الدعوة إلى الحرية الاقتصادية بالدعوة إلى الحرية السياسية، لذلك ظهرت في القرن السابع عشر صبغة فلسفية سياسية تدعو إلى الدفاع عن حقوق الفرد في مواجهة سلطة الملوك. ويُعدّ جون لوك John Lockمن أوائل حملة لوائها، وقد كانت فكرة القانون الطبيعي من الأفكار التي أخذت تشق طريقها في القرن الثامن عشر؛ لذلك نشأ الاعتقاد بأن الظواهر الاقتصادية على غرار الظواهر الطبيعية تخضع لقوانين حتمية وثابتة، ومن هنا جاءت الدعوة إلى الحرية الاقتصادية التي تعني عدم الوقوف في وجه تلك القوانين الطبيعية أو التعرُّض لها.
فالحرية الاقتصادية عند الفيزيوقراط (الطبيعيين) -التي كان المفكّر François Quesnay من أهم روادها- جاءت من الاعتراض على سياسة كولبيرت (السياسة الصناعية)، وكانت أركان المدرسة الطبيعية هي المنفعة الشخصية وفقًا لمبدأ الحرية ومبدأ المنافسة، ولكل مواطن طريقته في كسب العيش، ولكن عليه في سعيه لتحقيق شأنه الخاص أن يراعي القواعد العامة.
بينما قامت آراء الكلاسيك على فكرة إطلاق الحريات الفردية وفقًا لمبدأ “دعه يعمل دعه يمر”، وبالتالي تعتمد هذه المدرسة الاقتصاد الحر القائم على رفض تدخل الدولة في التأثير على آلية السوق والامتناع عن التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للأفراد، وأن تقوم بدور الدولة الحارسة.
أما النيوكلاسيك فاعتقدوا بأن اقتصاد السوق يعاني من بعض الإخفاقات التي تتطلب ضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي لعلاجها. ومع حدوث الأزمة الهيكلية مع بداية السبعينيات من القرن العشرين، ظهرت أفكار الكلاسيك الجدد التي قاد لواءها زعيم المدرسة النقدية ميلتون فريدمان وزعيم مدرسة جانب العرض لافرLaffer ؛ حيث أرجعت هاتان المدرستان الأزمات في الاقتصاديات الرأسمالية إلى تدخُّل الدولة في النشاط الاقتصادي، ولذلك يرون أن الدولة لا تكون أكثر من دولة حارسة، ولا تتدخل في النشاط الاقتصادي إلا في أضيق الحدود؛ على أساس أن جهاز السوق والمبادرة الفردية قادران على مواجهة الإخفاقات التي تحدث في الاقتصاد([vi]).
وقد تعرَّض مذهب الحرية الاقتصادية للانتقاد من المفكرين الاشتراكيين، الذين دعوا إلى أفكار جديدة منافية له. وتتلخص أفكارهم في الدعوة إلى الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وإحلال التنظيم الاقتصادي محل الآلية العفوية لقوى السوق. كان كارل ماركس يعتقد أن أسلوب الإنتاج الرأسمالي يتضمَّن أسباب زواله؛ بسبب التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والشكل الخاص لتملك المنتجات بسبب ملكية الرأسماليين الفردية لوسائل الإنتاج. ويظهر هذا التناقض في أزمات إنتاج تعرقل نمو الاقتصاد الرأسمالي([vii]).
أما الحرية الاقتصادية في النظام الاقتصادي الإسلامي فهي مذهب اقتصاديّ يقوم على دعامتين: افتراض أن الفرد يزداد إنتاجه عندما تُتاح له فرصة تحقيق مصالحه الخاصة دون أي قيود أو تدخل في شؤونه. والإيمان بأن هناك قوانين طبيعية تكفل سعادة الأفراد وحرياتهم.
والنظام الاقتصادي الإسلامي يحترم هذه الحرية الاقتصادية ويعتبرها من الحقوق الأساسية للإنسان، وإن كان يضعها في إطار جَلْب المصالح ودرء المفاسد؛ حيث يسمح للإنسان بحرية في النشاط الاقتصادي مقيَّدة بحدود من القيم الأخلاقية. كما أن حرية التملك التي أقرَّها للأفراد لا تهيئ لهم البذل والعطاء للانعتاق من ذُلّ القيود الأرضية فحسب، بل تهيئ لهم الإنفاق في المباحات وتوفير المال وتثميره، ولهذه الحرية منافع جمَّة؛ فالإسلام يعطي الفرد الحق بالشراء والاستهلاك والإنفاق والاستثمار والادخار، فيضع أعماله جميعها في ميزان الاعتدال والقصد. والفرد لا يرضى لنفسه أن يتنعم بالمال ولا يتذكر إخوانه من حوله فيبادر إلى المساهمة في بناء المجتمع([viii]).
المطلب الثاني: قياس الحرية الاقتصادية وتصنيفاتها
أولًا: قياس الحرية الاقتصادية
يصدر مؤشر الحرية الاقتصادية منذ سنة 1995م عن معهد هيرتاج Heritage Foundation، وهو مؤسسة بحثية أمريكية تعمل في مجال الدراسات والبحوث الاقتصادية، وتتمثل مهمتها في وضع وتعزيز السياسات العامة المحافظة على أُسُس مبادئ التجارة الحرة والحرية الفردية، وبالتعاون مع صحيفة (وول ستريت جورنال)([ix]).
ويعتمد مؤشر الحرية الاقتصادية على فحص 12 معيارًا أساسيًّا للحرية الاقتصادية([x])، و(52) مؤشرًا، لكل منها مقياس يتكون من 100 درجة، واعتبرت أقل درجة (صفر) وأعلى درجة (100). وبعد ذلك يتم استخراج المعدل([xi]).
وتعبر تلك المعايير عن درجة الانفتاح الاقتصادي، ومدى تدخل الدولة في الاقتصاد، مع قياس مستوى المعوقات الإدارية والبيروقراطية، ووجود عوائق للتجارة ومستوى سيادة القانون. تقسم تلك المعايير إلى أربعة مؤشرات فرعية؛ هي([xii]):
- سيادة القانون بمتغيرات (حقوق الملكية، ونزاهة الحكومة، والفعالية القضائية).
- حجم الحكومة بمتغيرات (الإنفاق الحكومي، العبء الضريبي، الصحة المالية).
- الكفاءة التنظيمية بمتغيرات (الأعمال والعمالة والحرية النقدية).
- الأسواق المفتوحة بمتغيرات (التجارة والاستثمار والحرية المالية).
ويتم تقييم كل جانب منها على مقياس من 0-100؛ حيث تشير الدرجات الأقرب إلى 100 إلى مزيد من الحرية، بينما تشير الدرجات الأقرب إلى 0 إلى درجة أقل، ويتم بنفس الطريقة ترجيح الدرجات على مؤشرات الحرية الاقتصادية لتوليد درجة الحرية الاقتصادية الإجمالية لكل اقتصاد([xiii]).
ثانيًا: تصنيف الحريات الاقتصادية:
الجدول التالي يصنف مستويات الحرية الاقتصادية وفقًا لمؤشر الحرية الاقتصادية([xiv]).
جدول رقم (1) مستويات الحرية الاقتصادية وفقا لمؤشر الحرية الاقتصادية
حكيمة حليمي، وليلى حليمي، دراسة تحليلية إحصائية لمؤشر الحرية الاقتصادية ودوره في تقييم المناخ الاستثماري في الجزائر سنة 2018م باستخدام طريقة ACP، مجلة الباحث الاقتصادي (الجزائر: مجلة الباحث الاقتصادي، المجلد 17، العدد 12، 2019م). ص ص.250-251.
أو يمكن تصنيف الحرية الاقتصادية على أساس الدرجات التي تتراوح بين (1-5)، وكلما كانت الدرجة مرتفعة؛ دل ذلك على تحقيق التقدم في الحرية الاقتصادية، والعكس صحيح.
المطلب الثالث: العلاقة النظرية بين الحرية الاقتصادية وبعض المؤشرات الاقتصادية
قدم الباحثون العديد من الدراسات لتحليل العلاقة بين مؤشرات الحرية الاقتصادية ومتغيرات سياسية واقتصادية منها النمو وخلق فرص العمل والرفاهية، وتوصلت جميعها إلى أن الدول التي حققت مؤشرات جيدة للحرية الاقتصادية سجَّلت معدلات نمو أسرع وأكثر استقرارًا. وتبين أن الدول التي تكون في الربع الأول في مستوى الحرية الاقتصادية يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي فيها 36601 دولار سنويًّا، بينما كان في دول الربع الرابع، وهي الدول التي تتسم بمستوى أقل من الحرية الاقتصادية بحوالي 6986 دولارًا سنويًّا، وذلك في عينة من 157 دولة تم تقسيمها إلى أربع مجموعات؛ من حيث متوسط مؤشر الحرية الاقتصادية خلال الفترة 2000م -2013م. وفي دراسة لمنظمة فريدوم هاوس التي تقيس مستوى الحرية الاقتصادية وفق مقياس (1-7) درجة؛ حيث يشير الرقم (1) إلى مستوًى عالٍ من الحرية والرقم (7) إلى مستوًى متدنٍّ من الحرية، وخلصت نتائجها إلى أن الدول التي ينخفض فيها مستوى الحرية الاقتصادية تعجز عن التقدم في إنجاز حريات مدنية وسياسية([xv]).
كما تناولت دراسات في عقد التسعينيات وبداية الألفية الثالثة مثل Gwartney وLawson وHall وBlock العلاقة بين الحرية الاقتصادية، والنمو الاقتصادي، إحداها عام 2000م على عينة من 80 دولة. وخلصت إلى أن التغيرات الإيجابية بمؤشر الحرية تؤدي إلى نفس التغيرات في معدلات النمو الاقتصادي، بينما خلصت دراسة في عام 2004م، إلى أن الحرية تدعم الاستثمار بقوة. واستطاعت الدول التي حصلت على درجة (7) من مؤشر الحرية على 10871 دولارًا من الاستثمارات لكل عامل خلال الفترة 1980-2000م، منها 3117 دولارًا من الاستثمارات الأجنبية. في حين حصلت الدول التي درجتها (5) في المؤشر على 845 دولارًا لكل عامل، منها 68 دولارًا لكل عامل من الاستثمارات الأجنبية. وفي دراسة لـ(تورتون وجوارتينيحول) حول العلاقة بين الحرية الاقتصادية ومستويات الفقر عام 2008م تبين أن الدول التي تقل بها درجة الحرية عن (5) بلغ عندها مستوى الفقر 29,7% عام 2004م، بينما بلغ 7,7% في الدول التي حصلت على درجات ما بين (6) و(7). كما انخفض فيها معدل الفقر للأفراد الذين يبلغ دخلهم اليومي 2 دولار من 51,5% عام 2000م إلى 45,2% عام 2004م، ثم إلى 37,2% عام 2006م. كما توصلت في محور العلاقة بين درجة الحرية الاقتصادية والرفاهية إلى أن الدول التي تقل فيها درجة الحرية الاقتصادية فإن 70% من سكانها يحصلون على المياه النظيفة وغيرها من الخدمات، بينما تقترب تلك النسبة من 100% في الدول التي تنعدم فيها تلك الحرية، وأخيرًا فإن متوسط العمر المتوقع في الدول التي ذات الحرية الجيدة يفوق 20 عامًا عن الدول التي تنعدم فيها الحرية، ويزداد عدد الأطباء إلى ضِعْفَين في الأولى عن الثانية([xvi]).
كما بينت دارسات أخرى أن الدول التي حققت درجات حرية اقتصادية وسياسية كاملة أو شبه كاملة ارتفع فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي، كما يظهر ذلك في الشكل التالي([xvii]):
شكل رقم (1) الحرية الاقتصادية ومتوسط نصيب الفرد من الدخل
معهد فريزر، الحرية الاقتصادية على مستوى العالم، التقرير السنوي، 2017م البنك الدولي: مؤشرات التنمية على مستوى العالم، 2017م.
المبحث الثاني
تحليل تطور مؤشر الحرية الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة 2019-2022م
سوف نحاول في هذا المبحث الوقوف على تطور مؤشر الحرية الاقتصادية وأسبابه، في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالمتوسط العالمي خلال الفترة 2019-2022م.
أولًا: تحليل مؤشر الحرية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2019م
بلغ متوسط مؤشر الحرية الاقتصادية العالمي لعام 2019م (60,8)، وهو ثالث أعلى مستوى في تاريخ المؤشر. من بين 180 اقتصادًا؛ حيث تعتبر ستة بلدان حرَّة، و88 دولة أخرى “حرة إلى حد ما”، وحصل 86 اقتصادًا على درجات أقل من 60 على أنها “غير حرة في الغالب” أو “مكبوتة”. كان الانخفاض الطفيف مدفوعًا بزيادة الحمائية في بعض الأسواق الرئيسية، والنكسات في الفعالية القضائية، ومحاولات الحكومات التأثير على قرارات الأعمال والمستهلكين([xviii]).
وتندرج بلدان إفريقيا جنوب الصحراء عمومًا ضمن الفئات الأدنى من الحرية الاقتصادية، على الرغم من أن التطورات المتواضعة في الحرية الاقتصادية قد حفَّزت زيادة النمو الاقتصادي في العديد من البلدان؛ إلا أن أداء المنطقة بشكل عام كان ضعيفًا بسبب الإخفاقات المتكررة في تحسين مناخ الأعمال والاستثمار، وتعزيز سيادة القانون، ومكافحة الفساد والمحسوبية. وكانت نتائج المنطقة في مجال حقوق الملكية، وسلامة الحكومة، والصحة المالية، وحرية الأعمال، كلها أقل من المتوسطات العالمية بمقدار 10 نقاط أو أكثر. وبلغ نصيب الفرد 4005 دولارات فقط، وهو أدنى مستوى في أيّ منطقة. ومعدل البطالة 7,5%. ربما تكون النتيجة لضعف الحرية الاقتصادية في المنطقة هي ارتباطها بالنقص الحاد في الغذاء وسوء التغذية، وكلاهما مرتبطان بشكل مباشر بعدم الاستقرار السياسي، وارتفاع معدلات وفيات الرضع، وتفشي الأمراض، وصعوبات التعلم في مرحلة الطفولة، والمجاعات المتكررة([xix]).
ثانيًا: تحليل مؤشر الحرية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2020م
في حين بلغ متوسط درجة الحرية الاقتصادية العالمية لعام 2020م (61,6)، وهو أعلى معدل تم تسجيله على الإطلاق في تاريخ المؤشر. ومن بين 180 اقتصادًا تم تصنيفها في المؤشر، تم تصنيف ستة اقتصادات “حرة”، و93 دولة “حرة إلى حد ما”، بينما حصل 81 اقتصادًا على درجات أقل من 60، وتم تصنيفها على أنها “غير حرة في الغالب” أو “مكبوتة”. كانت الزيادة في الحرية الاقتصادية العالمية في مدفوعة بالزيادات في الحرية الاقتصادية التي تم تسجيلها من قبل 124 دولة. على النقيض، انخفضت الدرجات في 50 دولة، ولم تتغير في ستة بلدان([xx]).
وظلت الحرية الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء عمومًا في الفئات الأدنى من الحرية الاقتصادية، على الرغم من أن التقدم المتواضع أدى إلى زيادة النمو الاقتصادي في العديد من البلدان، إلا أن نتائج المنطقة في مجال حقوق الملكية، ونزاهة الحكومة، والصحة المالية، وحرية الأعمال، كلها أقل من المتوسطات العالمية بمقدار 10 نقاط أو أكثر. ومتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (4148 دولارًا فقط) هو الأدنى في المناطق الخمس في مؤشر 2020م. وانخفض معدل البطالة إلى 6,3%، مما قد يشير إلى بعض التقدم، وتقليص القطاعات غير الرسمية الكبيرة في المنطقة([xxi]).
ثالثًا: تحليل مؤشر الحرية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2021م
بلغ متوسط درجة الحرية الاقتصادية العالمية لعام 2021م (61,6)، وهو ما لم يتغير عن عام 2020م. من بين 178 اقتصادًا، تعتبر خمسة منها حرة، و92 اقتصادًا على الأقل معتدل الحرية. من ناحية أخرى، حصل 81 اقتصادًا على درجات أقل من 60، وتم تصنيفها على أنها “غير حرة في الغالب” أو “مكبوتة”. ويعكس الحفاظ على الحرية الاقتصادية العالمية المرتفعة تاريخيًّا في مؤشر 2021م زيادات في الحرية الاقتصادية في 89 اقتصادًا. وسجّلت 80 دولة تراجعًا في الحرية الاقتصادية، ولم تتغير درجات تسع دول، مع استمرار تعافي العالم من جائحة كورونا([xxii]).
وتندرج نتائج بلدان إفريقيا جنوب الصحراء عمومًا في الفئات الأدنى من الحرية الاقتصادية، على الرغم من ارتفاع الحرية الاقتصادية العامة للمنطقة مرة أخرى. ومع ذلك، فإن درجاتها في حقوق الملكية، ونزاهة الحكومة، وحرية الأعمال، كعامي 2019م و2020م، أما متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فقد بلغ (3998 دولارًا) هو الأدنى من بين مناطق العالم، بينما ارتفعت نسبة البطالة إلى 6,5%، وهي نكسة صغيرة في سبيل الحد من البطالة. ومع ذلك، فإن استمرار ضعف الأداء في المنطقة، يعكس الإخفاقات المتكررة في تنفيذ تغييرات لتحسين مناخ الأعمال والاستثمار وتعزيز سيادة القانون، كما تمثل الفرص الاقتصادية الضائعة بسبب الفساد والصراع مأساة خاصة لشباب المنطقة الهائل، الذين يفقدون أرضية تنموية يصعب تعويضها مع استمرار مثل هذه الظروف([xxiii]).
وقد أظهر تقرير بعنوان “الحرية الاقتصادية في العالم: 2021م” نشرته مؤسسة السوق الحرة، وهي مؤسسة فكرية، بالاشتراك مع معهد فريزر الكندي؛ أن البلدان الإفريقية الصغيرة تنمو بوتيرة أسرع من نظيراتها الأكبر عندما يتعلق الأمر بالحرية الاقتصادية. فالدول الصغيرة في القارة من بين أفضل دول العالم عندما يتعلق الأمر بتوفير مستويات أعلى لمواطنيها من الخيارات الشخصية، وزيادة الوصول إلى الأسواق وحقوق الملكية المحددة والمطبقة بوضوح. واحتلت موريشيوس ترتيب (11) وسيشيل (43) وبوتسوانا (45) في التقرير، وتقدم أقوى السياسات والمؤسسات لدعم الحرية الاقتصادية. في حين احتل “عمالقة” القارة الاقتصادية في نيجيريا وجنوب إفريقيا مراتب متوسطة، بينما احتلت كينيا المرتبة 86 من أصل 165 دولة([xxiv]).
رابعًا: تحليل مؤشر الحرية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2022م
منذ أوائل عام 2020م، تسبب تفشي جائحة كورونا، والقيود العديدة على النشاط الاقتصادي، في إحداث فوضى في الاقتصاد العالمي. وشهدت غالبية الاقتصادات نموًّا سلبيًّا في عام 2020م. أما مؤشر 2022م فيكشف عن اقتصاد عالمي، لا يزال “حرًّا إلى حد ما”. وبلغ متوسط درجة الحرية الاقتصادية العالمية (60) بخسارة 1,6 نقطة عن عام 2021م. سجلت 7 دول درجات بلغت 80 أو أكثر، مما يضعها في مصافّ الدول “الحرة” اقتصاديًّا. وحصلت 27 دولة على تصنيف “حرة في الغالب”؛ من خلال تسجيل درجات من 70 إلى 79,9، واعتبرت 54 دولة أخرى على الأقل “حرة إلى حد ما” مع درجات من 60 إلى 69,9. وبالتالي، فإن ما مجموعه 88 دولة، لديها بيئات مؤسسية يستفيد منها الأفراد والمؤسسات الخاصة على الأقل من درجة معتدلة من الحرية الاقتصادية في السعي لتحقيق تنمية اقتصادية. في حين سجلت 50% من البلدان المصنفة (89 اقتصادًا) درجات أقل من 60. ومن بين هذه البلدان، يُعتبر 57 اقتصادًا “غير حُرّ في الغالب” (درجات من 50 إلى 59,9)، و32 دولة في فئة “المكبوتة” اقتصاديًّا([xxv]).
وكانت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء غير مستعدَّة على الإطلاق لتحديات Covid-19 والتباطؤ الاقتصادي العالمي الذي أجهد الاقتصادات. مع القيود على مصادر الطاقة. منذ عام 2017م، ارتفع عدد البلدان “المكبوتة”، مما يعكس تراجُع المنطقة في الحرية الاقتصادية، على الرغم من أن المنطقة كانت قادرة على تسجيل نموّ اقتصاديّ إيجابيّ بشكل عام. وأشارت نتائج مؤشر 2022م إلى وجود عشرات الدول التي تعاني ضعف سيادة القانون، والحماية غير الكافية لحقوق الملكية، والمحسوبية، والفساد. وكانت نتائج المنطقة في مجال حقوق الملكية، والفعالية القضائية، ونزاهة الحكومة، وحرية الأعمال، كلها أقل من المتوسطات العالمية بمقدار 10 نقاط أو أكثر. وبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (4217 دولارًا) هو الأدنى في مناطق المؤشر العالمية الخمس. وارتفع معدل البطالة إلى 7,5%، وارتفع التضخم إلى 14,8%. ولا تزال التنمية محدودة بسبب العمالة الناقصة والقطاعات غير الرسمية الكبيرة([xxvi]).
ويبين الجدول (2) تطور مؤشر الحرية الاقتصادية في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة من عام 2019م حتى 2022م. مقارنة بالمتوسط العالمي.
جدول رقم (2)
تطوُّر مؤشر الحرية الاقتصادية في دول إفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة 2019-2022م
المصدر: الباحث، من إصدارات مختلفة من تقرير الحرية الاقتصادية في العالم.
حيث يظهر الجدول السابق انخفاض مؤشر الحرية الاقتصادية كمتوسط للفترة 2019م-2022م، والذي بلغ 54,6، عن متوسط المؤشر العالمي لنفس الفترة والبالغ 61 درجة، مع أخذ اتجاه تصاعدي حتى عام 2021م ثم هبوطه عام 2022م.
المبحث الثالث
تحليل مؤشر الحرية الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2023م
لخَّص أنتوني كيم، محرر The Heritage Index، الوضع الحالي للحرية الاقتصادية جيدًا عندما أشار إلى أن “الاقتصاد العالمي، ككل، أصبح غير حر في الغالب”. حيث انخفض متوسط درجة الحرية الاقتصادية العالمية من 60 إلى 59,3 في عام 2022م محققًا، أدنى مستوى له خلال العقدين الماضيين في حين شهدت العديد من البلدان انخفاض درجاتها منذ جائحة كورونا([xxvii]).
فعلى الصعيد العالمي، تدهورت السلامة المالية العامة بشكل كبير، وأدى ارتفاع العجز والدين العام المتزايد في العديد من البلدان إلى تقويض نموّ الإنتاجية. وقد سجلت 4 بلدان فقط (أقل من 7 في 2022م) درجات 80 أو أكثر، مما يضعها في مراتب “الحرة” اقتصاديًّا؛ وحصلت 23 دولة من مؤشر الحرية الاقتصادية “حرة في الغالب” بتسجيل درجات من 70 إلى 79,9؛ و56 دولة “حرة بشكل معتدل” مع درجات من 60 إلى 69,9. وبالتالي، فإن ما مجموعه 83 دولة، أو أقل بقليل من نصف الدول الـ176 المُدْرَجَة في مؤشر 2023م، لديها بيئات مؤسسية يستفيد فيها الأفراد والمؤسسات الخاصة. وتم تسجيل أكثر من 50% من 93 اقتصادًا درجات أقل من 60. وقد حقق مؤشر سيادة القانون أدنى الدرجات، وهذا يعكس الفساد المنهجي في العديد من البلدان. وبلغ متوسط العبء الضريبي الإجمالي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 19,7%. وارتفع متوسط مستوى الإنفاق الحكومي إلى 32,9% من الناتج المحلي الإجمالي، كما ارتفع متوسط إجمالي الدين العام إلى 67,7%. وكان التدخل الحكومي في القطاع المالي هو القاعدة في العديد من البلدان([xxviii]).
ومقارنة بين متوسط مؤشر الحرية الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وباقي مناطق العالم، فقد تذيَّلت كالعادة المنطقة مناطق العالم محققة 53,2 درجة من 100، وهي حرية ضعيفة، في مقابل 56,8 نقاط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأقل من المتوسط العالمي البالغ 59,3 درجة. حيث تراجع المؤشر عن عام 2022م بمقدار 0,2 درجة، وذلك عن 47 اقتصادًا تم تصنيفه بالمؤشر.
وقد صُنِّفت دولة واحدة على أنها ذات حرية شبه كاملة بدرجات تقع بين (70-79,9) وهو ما يتطابق مع عام 2022م، وخمس دول على أنها ذات حرية معتدلة بين (60-69,9) بانخفاض دولتين عن العام السابق، و29 دولة ذات حرية ضعيفة بين (50-59,9) بزيادة 4 دول، و12 دولة ذات حرية معدومة بين (0-49,9) بانخفاض دولتين، فيما لم تُصنّف دولة واحدة لعدم توافر بيانات كاملة عنها.
كما أشارت نتائج مؤشر 2023م إلى وجود عشرات الدول التي تعاني ضعف سيادة القانون، والحماية غير الكافية لحقوق الملكية، والمحسوبية، والفساد. وكانت في مجال حقوق الملكية، والفعالية القضائية، ونزاهة الحكومة، وحرية الأعمال، أقل من المتوسطات العالمية بمقدار 10 نقاط أو أكثر. وهو ما يظهر في النقاط التالية:
- ففيما يتعلق بمؤشر سيادة القانون، فقد حقق معيار حقوق الملكية والفعالية القضائية ونزاهة الحكومة في المتوسط درجات 38,89 و34,17، و31,81 على التوالي.
- في حين كانت درجات مؤشر حجم الحكومة، فقد حقّق العبء الضريبي، والإنفاق الحكومي والصحة المالية، في المتوسط درجات؛ 77,71، و80,03، و56,18.
- وجاءت درجات مؤشر الكفاءة التنظيمية في المتوسط، لـحرية الأعمال وحرية العمل والحرية النقدية بدرجات 44,9، و52,6 و70,07.
- وأخيرًا مؤشر الأسواق المفتوحة، الحرية التجاية وحرية الاستثمار والحرية المالية بدرجات؛ 62,5، و50,53، و39,57.
ولم تختلف كثيرًا نتائج المؤشرات أو المجاميع الفرعية الأربعة عن عام 2022م؛ حيث ظلت مؤشرات سيادة القانون وحجم الحكومة والكفاءة التنظيمة عند نفس الدرجات المنخفضة.
وعلى مستوى الدول؛ كانت موريشيوس ورواندا وبوتسوانا هي أكبر ثلاث دول إفريقية من حيث الحرية الاقتصادية في عام 2023م؛ حيث نفذت هذه البلدان سياسات مؤيدة للأعمال التجارية، ولديها اقتصادات متنوعة وبيئات سياسية مستقرة، لكنها لا تزال تواجه تحديات مثل ارتفاع مستويات الديون والفساد وعدم الاستقرار السياسي. في حين كانت أبرز الملاحظات هي أداء دولة رواندا من حيث التراجع.
ويبين الجدول (3) الدرجات التفصيلية لمؤشر الحرية الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الذي يغطي الفترة من 1 يوليو 2021م وحتى 30 يونيو 2022م، ومكوناته المختلفة.
جدول رقم (3)
مؤشر الحرية الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2023م
Anthony B. Kim(ed), 2023 index of freedom economic (Washington D.C: The Heritage Foundation,2023).
كانت أبرز التحسينات في زيمبابوي، وأستوني (سوازيلاند سابقًا) وليسوتو، وجزر القمر، وبورندي، بمعدل نمو 5,9%، 3,5%، و3,5%، و3,1%، و2,5% على التوالي، عن عام 2022م.
وعلى الرغم من أن سيشل حققت المركز الأول بين دول المنطقة في المؤشر إلا أنه تراجع عن عام 2022م بمقدار 03,%، وكذلك الحال في الرأس الأخضر صاحبة المرتبة الثانية بمقدار 0,9% وساحل العاج في المركز الخامس تراجعت بمعدل 1,2%، ونفس الوضع في بنين التي احتلت المركز الثامن، أما سيشل وغانا اللتان احتلتا المركزين الثامن والعاشر، فقد تراجع المؤشر فيهما بمقدار 1,6% و1,8% على التوالي عن العام السابق.
وفي السياق التالي نفنّد أداء المؤشر في الدول ذات المراتب العشرة الأولى:
المرتبة الأولى: موريشيوس:
تتصدر القائمة بأكبر قدر من الحرية الاقتصادية في عام 2023م. وقد نفَّذت البلاد سياسات تعزز بيئة صديقة للأعمال، بما في ذلك الحوافز الضريبية، واتفاقيات التجارة الحرة، والعمليات التنظيمية المبسطة. كما وقَّعت على اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا، ونفَّذت معدل تعريفة منخفضة يبلغ حوالي 5%، مما يسهل على الشركات استيراد وتصدير البضائع. تتمتع الدولة أيضًا بمعدل ضريبة ثابت يبلغ 15%، وهي واحدة من أدنى المعدلات في العالم. وقد ساعد ذلك على جذب الاستثمار الأجنبي، لا سيما في قطاع الخدمات المالية. بالإضافة إلى ذلك، تحتل موريشيوس المرتبة 13 عالميًّا في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الدولي، والدولة لديها اقتصاد متنوع مع قطاع خدمات قوي، بما في ذلك السياحة والخدمات المالية. يمثل قطاع السياحة وحده حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي ويعمل به حوالي 100 ألف شخص([xxix]).
المرتبة الثانية: بوتسوانا:
تحولت بوتسوانا من كونها ثالث أفقر دولة في العالم في عام 1965م إلى دولة ذات دخل متوسط أعلى كما هي عليه اليوم. بين عامي 1966 و1996م، كانت الدولة الأسرع نموًّا في العالم. وأحرزت تقدمًا مطردًا في تأمين حقوق الملكية والحد من دور الحكومة في الاقتصاد. لقد سعوا إلى توسيع منحنى إمكانيات الإنتاج. وساعد نجاحها الاقتصادي على التمتع بنمو اقتصادي مطرد بفضل قرارها بدعم سيادة القانون وحماية حقوق الملكية والحد من نفوذ الحكومة([xxx]).
كما ساهمت البيئة السياسية المستقرة في البلاد والضرائب المنخفضة والسياسات الاقتصادية السليمة والالتزام القوي بحقوق الملكية في ارتفاع مستويات النمو الاقتصادي في البلاد. ونفذت العديد من الإصلاحات لتبسيط عملية تسجيل الملكية وحل النزاعات، مما جعلها تحتل المرتبة الرابعة في إفريقيا لحماية حقوق الملكية. ووفقًا لتقرير سهولة ممارسة الأعمال التجارية، يستغرق تسجيل الملكية في بوتسوانا ما معدله 13 يومًا، ومتوسطًا 5,5 يومًا لبدء نشاط تجاري وهو أقل من المتوسط في إفريقيا جنوب الصحراء. كما أن لديها عبئًا ضريبيًّا منخفضًا نسبيًّا؛ حيث يبلغ معدل ضريبة الشركات 22% ومعدل ضريبة الدخل الشخصي 25%. ونفَّذت الحكومة العديد من الحوافز الضريبية لتشجيع الاستثمار، مثل الإعفاءات الضريبية لقطاعات معينة وخصومات للبحث والتطوير([xxxi]).
المرتبة الثالثة: ساحل العاج:
برصيد إجمالي 60,4 درجة، تحتل الدولة المرتبة 81 عالميًّا والثالثة في إفريقيا. خطت البلاد خطوات كبيرة نحو الحرية الاقتصادية، مع اقتصاد متنوع وبيئة سياسية مستقرة. وتتمتع بسياسة تجارية مفتوحة نسبيًّا، بمتوسط تعريفة مرجحة يبلغ 8,6% وحواجز غير جمركية منخفضة نسبيًّا. كما اتبعت سياسات تحرير التجارة وشاركت في العديد من اتفاقيات التجارة الإقليمية، مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. مع عبء ضريبي منخفض نسبيًّا؛ حيث يمثل إجمالي الإيرادات الضريبية حوالي 17,4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل بكثير من المتوسط الإقليمي. نفذت الحكومة سياسات داعمة للأعمال التجارية، وتبسيط تسجيل الأعمال التجارية وتحسين الوصول إلى الائتمان، مما اجتذب الاستثمار الأجنبي([xxxii]).
المرتبة الرابعة: تنزانيا:
لديها مجموع نقاط 60، لتحتل المرتبة 84 عالميًّا والرابعة في إفريقيا. قامت الدولة ببناء اقتصاد متنوع؛ حيث كانت الزراعة والسياحة المساهمين الرئيسيين، مع التصنيع. كما أعطت الأولوية لتطوير البنية التحتية، مع استثمارات في النقل والطاقة والمياه والصرف الصحي. ولديها عبء ضريبي منخفض نسبيًّا؛ حيث يمثل إجمالي الإيرادات الضريبية حوالي 13,1% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة لتنفيذ الحكومة إصلاحات تهدف إلى تحسين الإدارة الضريبية والحد من التهرب الضريبي. كما نفذت نظام استثمار مفتوح نسبيًّا وعددًا من حوافز الاستثمار المتاحة للمستثمرين الأجانب. محرزة تقدمًا في حماية حقوق الملكية، من خلال تحسين أنظمة تسجيل الأراضي وتمليكها، فضلًا عن الإصلاحات التي تهدف إلى تحسين كفاءة النظام القضائي والحد من الفساد([xxxiii]).
المرتبة الخامسة: بنين:
مع مجموع إجمالي يبلغ 59,8 من 100، تحتل بنين المرتبة 87 عالميًّا والخامسة في إفريقيا. لدى بنين عبء ضريبي منخفض نسبيًّا؛ حيث يمثل إجمالي الإيرادات الضريبية حوالي 15,1% من الناتج المحلي الإجمالي. نفّذت الحكومة أيضًا إصلاحات تهدف إلى تحسين إدارة الضرائب وتقليل التهرب الضريبي. في عام 2022م، منها قانون ضريبي جديد يهدف إلى تبسيط النظام الضريبي وتقليل العبء الضريبي على الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما أطلقت منصة عبر الإنترنت لتسجيل الأعمال التجارية ومنح التراخيص. أدت هذه الجهود إلى تقليل الوقت والتكلفة المرتبطين بالحصول على تصاريح البناء وتبسيط الإجراءات لحل النزاعات التجارية. حققت أيضًا تقدمًا كبيرًا في الاستثمارات الأجنبية، من خلال تنفيذ سياسات مؤيدة للأعمال التجارية، لجذب الاستثمار الأجنبي، مثل إنشاء مناطق اقتصادية خاصة، وحوافز الاستثمار لقطاعات معينة مثل الزراعة والسياحة([xxxiv]).
المراتب من السادسة إلى العاشرة
احتلت سيشيل المرتبة 91 عالميًّا والسادسة في إفريقيا، بمجموع 59,5. تتمتع سيشيل بصناعة سياحة متطورة وبيئة سياسية مستقرة، مما يجعلها وجهة جذابة للمستثمرين الأجانب. نفذت الحكومة تدابير مختلفة لتعزيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي. واحتلت مدغشقر المرتبة 97 عالميًّا والسابعة في إفريقيا، بمجموع 58,9. تمتلك الدولة اقتصادًا متنوعًا، والزراعة هي المساهم الرئيسي فيه. ونفّذت الحكومة تدابير مختلفة لتعزيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي.
في حين جاءت المغرب في المرتبة 99 عالميًّا والثامن في إفريقيا، بمجموع 58,4، وهي الدولة الوحيدة التي جاءت في المراكز العشرة الأولى من خارج دول إفريقيا جنوب الصحراء.
واحتلت غانا المرتبة 101 عالميًّا والتاسع في إفريقيا، مع إجمالي 58 من 100. وتتمتع غانا باقتصاد متنوع؛ حيث الزراعة والتعدين هما المساهمان الرئيسيان. ونفّذت الحكومة تدابير مختلفة لتعزيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي.
واحتلت غامبيا المرتبة 106 عالميًّا والعاشر في إفريقيا، مع مجموع درجات 57,4 من 100. تمتلك الدولة اقتصادًا متنوعًا؛ حيث تعد الزراعة والسياحة المساهمين الرئيسيين. ونفّذت الحكومة تدابير مختلفة لتعزيز النمو وجذب الاستثمار الأجنبي([xxxv]).
بينما حققت 28 دولة من أصل 48 ذكرها التقرير تراجعًا في المؤشر عن عام 2022م، أبرز تلك التراجعات رواندا 4,9%، أوغندا 2,8%، السنغال 2,3%، بوركينا فاسو 2,1%، غانا 1,8%، سيراليون 1,8%، سيشل 1,6%، ناميبيا 1,5%، مالي 1,4%. في حين احتلت زيمبابوي والسودان ذيل الترتيب في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لتراجع المكونات الاثني عشر للمؤشر. في حين كانت مدغشقر هي الدولة الوحيدة التي لم يحدث فيها تغيُّر في المنطقة، والصومال لم يتوافر عنها بيانات كاملة.
كانت رواندا من أبرز الانزلاقات في الحرية الاقتصادية. فعندما بدأ إصدار هذا المؤشر في منتصف التسعينيات، كانت رواندا تتعافى من إبادة جماعية مروعة؛ حيث سجل المؤشر 38,3 فقط في عام 1997م (المتوسط العالمي 57,1). في السنوات التالية، شهدت البلاد زيادة هائلة في الحرية الاقتصادية، وفي عام 2019م، وصل إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 71,1. كانت رواندا ثاني أكثر الاقتصادات حرية في إفريقيا جنوب الصحراء والمرتبة 32 عالميًّا.
في غضون أربع سنوات فقط، تراجع المؤشر بمقدار 18,9 نقطة -وهو انهيار تاريخي وسريع وضع رواندا في المرتبة الثلاثين بين دول إفريقيا جنوب الصحراء والمرتبة 137 عالميًّا. ففي السنوات الخمس السابقة لعام 2023م، تدهورت 3 مكونات بشكل ملحوظ في رواندا، مما أدى إلى انخفاض إجمالي في النتيجة. ربما يكون السبب الرئيسي للانحدار السريع في الحرية الاقتصادية هو تدهور الصحة المالية. درجة “الصحة المالية” لرواندا هي 11,1 من أصل 100. حيث إن العجز المتزايد وعبء الديون المتزايد باستمرار يقيدان الإمكانات الاقتصادية لرواندا. ثانيًا، أدى تراجع رواندا في “حرية التجارة” إلى جعل النتائج الاقتصادية في القارة أسوأ. في عام 2015م، كانت نتيجة “حرية التجارة” لرواندا 80,8 قوية. وعام 2023م أصبح 50. يُظهر انخفاض درجة حرية التجارة أن حكومة رواندا تعيق بشكل متزايد التدفق الحر للسلع والخدمات. تعني العوائق التي تعترض التجارة زيادة تكلفة السلع والخدمات اليومية، أخيرًا، تعد نتيجة “الفعالية القضائية” لرواندا مشكلة بدرجة تبلغ 27,3([xxxvi]).
مبحث ختامي
العلاقة بين الحرية الاقتصادية وبعض المؤشرات الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
وفقًا لتطور المؤشر في 30 دولة إفريقية في جنوب الصحراء خلال الفترة 1996-2016م، تراوح في المتوسط من 43,3 إلى 67,6. القيمة الأولى تتوافق مع جمهورية الكونغو والثانية مع بوتسوانا. كما أن هناك تحسنًا في مستوى الحرية الاقتصادية من عام 1996م إلى عام 2016م([xxxvii])، وقد تبين أن هناك تأثيرًا إيجابيًّا ومهمًّا للحرية الاقتصادية على النمو الشامل في البلدان المختارة([xxxviii]).
ويوضح الشكل (2) متوسط اتجاه درجة الحرية الاقتصادية وصافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الفترة 2000-2018م في 37 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء. يمكننا أن نلاحظ أن مسارات المتغيرين ليس لهما نفس التطور. نظرًا لأن معدل الزيادة في الحرية الاقتصادية يبدو أنه يتبع مسارًا تصاعديًّا شبه مستمر طوال الفترة الزمنية للدراسة. في حين أن معدل التغيير في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر دورية.
وقد سجَّلت المنطقة أعلى مستوياتها في 2002 و2011 و2015م مع معدلات 4,04 و5,01 و5,18 على التوالي. في المقابل، شهدت البلدان تباطؤًا حادًّا أدَّى إلى انخفاض كبير في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، لا سيما في عام 2006م بمعدل 2,47%، وهو أدنى معدل حصلت عليه المنطقة.
وفيما يتعلق بالارتباطات بين الحرية الاقتصادية، المكونات الخمسة للمؤشر والاستثمار الأجنبي المباشر للفترة 2000-2018م يبدو أن الحرية الاقتصادية والنظام القانوني وحق الملكية وحرية التجارة غير مرتبطة بصافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر. وتبين أن حجم الحكومة، والأموال السليمة، والتنظيم يرتبطان سلبًا بتدفقه، وإن لم يكن بشكل كبير([xxxix]).
شكل رقم (2) العلاقة بين مؤشرات الحرية الاقتصادية وتدفقات الاستثمار الأجنبي
المباشر في 37 دولة إفريقية جنوب الصحراء خلال الفترة 2000-2018م
Ibrahima Dia, Does economic freedom improve FDI inflow in Sub-SaharanAfrica?,p.21,at: https://www.researchsquare.com/article/rs-2013709/v1
وبدراسة تأثير الحرية الاقتصادية على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على نفس المجموعة من الفترة 2000-2018م، باستخدام بيانات مؤشر الحرية الاقتصادية لمعهد فريزر؛ أظهرت النتائج أن الحرية الاقتصادية لها تأثير إيجابي على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. تتماشى هذه النتيجة مع الأدبيات التجريبية التي تشير إلى أن جودة المؤسسات المقاسة بمستوى الحرية الاقتصادية تجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وتكشف النتائج أن مكونات المؤشر مثل النظام القانوني، وحرية التجارة مع بقية العالم، وتنظيم الأعمال التجارية وأسواق العمل والائتمان لها تأثير إيجابي على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى إفريقيا جنوب الصحراء([xl]).
وقد بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لعام 2021م (72,01) مليار دولار، بزيادة قدرها 208,25% عن عام 2020م. بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لعام 2020م ما قيمته 23.36 مليار دولار، بانخفاض قدره 14.65% عن عام 2019م ([xli]).
وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021م لـ45 دولة 4,15%، وكانت أعلى قيمة في موزمبيق: 33,56% وكانت أدنى قيمة في أنغولا: -6.46% 2021م([xlii]). وهو ما يتوافق مع النمو في مؤشر الحرية الاقتصادية خلال الفترة 2019-2021م متصاعدًا بشكل طفيف.
وقد توقع عدد أبريل 2023م من تقرير “نبض إفريقيا” الصادر من البنك الدولي؛ أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في المنطقة من 3,6% في عام 2022م إلى 3,1% في عام 2023م. مع اشتداد أزمة الطاقة، وتشير التقديرات إلى أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المنطقة الفرعية لغرب ووسط إفريقيا سيتراجع إلى 3,4% في عام 2023م من 3,7% في عام 2022م، في حين سيتراجع النمو في منطقتي شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي إلى 3% في عام 2023م من 3,5% في عام 2022م.
وأضاف التقرير أن مخاطر بلوغ مرحلة المديونية الحرجة لا تزال مرتفعة؛ إذ إن 22 بلدًا في المنطقة تواجه مخاطر كبيرة من الوصول إلى حالة المديونية الخارجية الحرجة أو بلغتها بالفعل حتى ديسمبر 2022م. ولا تزال الاقتصادات الإفريقية تواجه قيودًا من جراء ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض نمو الاستثمارات في المنطقة من 6,8% في 2010-2013م إلى 1,6% في 2021م، وكان الانخفاض أكثر حدة في شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي مقارنة بغرب ووسط إفريقيا. وعلى الرغم من هذه التحديات، يظهر العديد من بلدان المنطقة قدرتها على الصمود وسط أزمات متعددة([xliii]).
وقد بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كمتوسط لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء 4764 دولارًا لعام 2023م([xliv]). هو الأدنى في مناطق المؤشر العالمية الخمس. مع زيادة معدل البطالة، ولا تزال التنمية محدودة بسبب العمالة الناقصة والقطاعات غير الرسمية الكبيرة. وهو أيضًا ما يتطابق مع درجات المكونات المختلفة الاثني عشر لمؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2023م.
وعند قياس العلاقة بين الحرية الاقتصادية والتكامل الإقليمي، يتبين وجود دليل قويّ على أن الحرية الاقتصادية المحلية هي عامل مساهم ومهم، وأنه يسهم بحوالي 5% إلى 15% لدرجة تكامل الدولة الإقليمي([xlv]).
وخلاصة القول: إن مؤشر الحرية الاقتصادية، في دول إفريقيا جنوب الصحراء ما يزال متأثرًا بعوامل خارجية كتداعيات وباء كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، مع تراجع طفيف عن العام 2022م، بعدما كان يحقق تحسنًا طفيفًا في السنوات السابقة، ولأسباب داخلية، كضعف سيادة القانون، وحماية حقوق الملكية وانتشار الفساد، نزاهة الحكومة، وحرية الأعمال، وتضخم القطاع الرسمي، وارتفاع العبء الضريبي، وارتفاع معدل البطالة والتضخم. وقد كان أداء المؤشر في الدول الصغيرة أفضل بكثير من دول المنطقة الكبرى، وعليه توصي الدراسة بالآتي:
أولًا: هناك حاجة إلى إصلاحات سوق العمل في القطاعين الرسمي وغير الرسمي؛ حيث تعتمد الاقتصادات الإفريقية في الغالب على القطاع غير الرسمي. وبالتالي، يجب أن تأخذ سياسات ضمان توافر الوظائف في الحسبان ذلك الجزء من الاقتصاد الذي يساهم بأكبر قدر في القيمة المضافة ويوظف أكبر عدد من الناس. وفيما يتعلق بالتوظيف الرسمي، يجب إزالة الحواجز التي تحول دون الدخول إلى سوق العمل من خلال تشجيع الشركات على توظيف المزيد من الأشخاص وضمان وظائف لائقة ومستدامة. يمكن أن يحدث هذا من خلال استثمار صديق للأعمال، وبيئات العمل التي ستشجعهم على طلب عمالة إضافية. من الضروري أيضًا مطابقة احتياجات الشركات مع مهارات الباحثين عن العمل المحتملين.
ثانيًا: ينبغي تعزيز روح المبادرة، لا سيما بالنسبة لشريحة السكان التي لا تستطيع الوصول إلى أسواق العمل التقليدية. وريادة الأعمال قادرة أيضًا على توليد وظائف إضافية. كذلك التركيز على تحسين حرية الأعمال وحرية الاستثمار وحقوق الملكية.
ثالثا: يمكن لحكومات إفريقيا جنوب الصحراء أن تضمن المزيد من الحريات الاقتصادية لتحسين جودة البيئة المؤسسية لجذب المزيد من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، من خلال:
1- تعزيز النظام القانوني من خلال سيادة القانون ونظام عدالة وظيفي يحمي حقوق المستثمرين من مخاطر المصادرة.
2- يجب تقليل الحواجز الجمركية وغير الجمركية لتحفيز الاستثمار الأجنبي الرأسي المباشر، واعتماد سياسات تجارية تشجّع حركة تدفقات رأس المال.
3- تحتاج البلدان إلى وضع لوائح أعمال أقلّ إرهاقًا من خلال تقليل متطلبات الإجراءات الإدارية والبيروقراطية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[i] ) سامية حساين، مفهوم الحريات الاقتصادية بين المؤشر الاقتصادي والتكريس القانوني، السياسة العالمية (الجزائر: كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد بوقرة- بومرداس، عدد2، 2019م). ص ص 13-4.
[ii] ) المرجع السابق. ص ص 14-15.
[iii] ) د. حسن كريمة حمزة، تحليل العلقة بين مؤشر الحرية الاقتصادية والنمو الاقتصادي (دراسة في بلدان عربية مختارة، مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والإدارية (العراق: كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة الكوفة، المجلد 14، العدد 3، 2017م) ص ص 27-28.
[iv] ) د. علي عبد الرؤوف عبد العاطي، أثر الحرية الاقتصادية على النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية (القاهرة: جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، المجلد 21، العدد 4، 2020م) ص.80.
[v] ) أمينة عمر، الحرية الاقتصادية، متاح على الرابط: https://political-encyclopedia.org/dictionary
[vi] ) أمينة عمر، م.س.ذ.
[vii] ) المرجع السابق.
[viii] ) كيندة حامد التركاوي، الحرية الاقتصادية، متاح على الرابط: https://www.alukah.net/culture/0/104918/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9/
[ix] ) حكيمة حليمي، وليلى حليمي، دراسة تحليلية إحصائية لمؤشر الحرية الاقتصادية ودوره في تقييم المناخ الاستثماري في الجزائر سنة 2018م باستخدام طريقة ACP، جلة الباحث الاقتصادي (الجزائر: مجلة الباحث الاقتصادي، المجلد 17، العدد 12، 2019م) ص.250.
[x] ) Shabbir Ahmed and etal, Decomposed and composed effects of economic freedom on economic growth in south Asia.p.5..at: www.cell.com/heliyon
[xi] ) سوسن شاكر مجيد، م.س.ذ.
[xii] ) د. علي عبد الرؤوف عبد العاطي، م.س.ذ، ص ص.80-81.
[xiii]) Shabbir Ahmed and etal,Op.cit.p.5.
[xiv] ) حكيمة حليمي، وليلى حليمي، دراسة تحليلية إحصائية لمؤشر الحرية الاقتصادية ودوره في تقييم المناخ الاستثماري في الجزائر سنة 2018 باستخدام طريقة ACP، مجلة الباحث الاقتصادي (الجزائر: مجلة الباحث الاقتصادي، المجلد 17، العدد 12، 2019م) ص 250.
[xv] ) د. حسن كريمة حمزة، م.س.ذ.ص ص 28-29.
[xvi] ) د. حسن كريمة حمزة، م.س.ذ.، ص31.
[xvii] ) د. وسام نعمة رجيب، دور مؤشرات الحرية الاقتصادية في تحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة دراسة قياسية لعينة من الدول العربية للمدة 2017/ 2020م مجلة كلية الإدارة والاقتصاد (الكوفة: كلية الإدارة الاقتصاد، جامعة الكوفة، العدد 68، المجلد 2، 2020م)، ص ص 261-262.
[xviii] ) Terry Miller and et al, Hightlights of the 2019 index of freedom economic (washington D.C: The Heritage Foundation,2019)p.1.
[xix]) Ibid,pp.12-13.
[xx]) Terry Miller and et al, Hightlights of the 2020 index of freedom economic (washington D.C: The Heritage Foundation,2020) pp1.
[xxi]) Ibid,pp.12-13.
[xxii] ) Terry Miller and et al, Hightlights of the 2021 index of freedom economic (washington D.C: The Heritage Foundation,2021)pp1.
[xxiii] ) Ibid, pp.12-13.
[xxiv]) Conrad Onyango, Smaller African states have more economic freedom, 23 September2021.at:https://www.theafricareport.com/129552/smaller-african-states-have-more-economic-freedom/
[xxv] ) Terry Miller and et al, Hightlights of the 2022 index of freedom economic (washington D.C: The Heritage Foundation,2022) pp.1.
[xxvi] Terry Miller and et al, Hightlights of the 2022 Op.cit ,pp.12-13.
[xxvii])https://saharareporters.com/2023/03/29/new-report-shows-declining-economic-freedom-rwanda-turn-worst-alexander-jelloian
[xxviii]) Idem.
[xxix] ) Suotunimi Orufa, Top 5 African Countries with the Most Improved Economic Freedom in 2023, March 23, 2023.at:
https://venturesafrica.com/10-african-countries-with-the-most-improved-economic-freedom-in-2023/
[xxx] ) Damola Ogunbewon How Economic Freedom can Eradicate Poverty in Africa.at:
[xxxi] ) Suotunimi Orufa.Op.cit.
[xxxii] ) Suotunimi Orufa.Op.cit.
[xxxiii] ) Idem.
[xxxiv] ) Idem.
[xxxv]) Victor Oluwole, From Mauritius to South Africa: Here are the most economically free countries in Africa, March 4, 2023.at:
https://africa.businessinsider.com/local/markets/discover-the-top-10-african-countries-for-economic-freedom-in-2023/9vhbscz
[xxxvi] ) https://saharareporters.com/2023/03/29/new-report-shows-declining-economic-freedom-rwanda-turn-worst-alexander-jelloian
[xxxvii] ) Jeffrey Kouton, Relationship between economic freedom and inclusive growth: a dynamic panel analysis for sub‑Saharan African countries, Journal of Social and Economic Development (Abidjan: Institute for Social and Economic Change, (2019) 21)pp.154-162. https://doi.org/10.1007/s40847-019-00076-y
[xxxviii] ) Ibid, p.162.
[xxxix] ) Ibrahima Dia, Does economic freedom improve FDI inflow in Sub-Saharan Africa?,pp.5-6.,at: https://www.researchsquare.com/article/rs-2013709/v1
[xl] ) Ibid,p.17.
[xli] ) /countries/SSF/sub-saharan-africa-/foreign-direct-investment
[xlii] ) https://www.theglobaleconomy.com/rankings/Foreign_Direct_Investment/Sub-Sahara-Africa/
[xliii]) https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2023/04/05/africas-growth-remains-low-region-looks-to-tap-resource-wealth-for-sustainable-development-and-transition-to-low-carbon
[xliv] ) https://www.statista.com/statistics/805567/gross-domestic-product-gdp-per-capita-in-sub-saharan-africa/
[xlv] ) Anderson, Brevin, “Domestic Economic Freedom and Regional Integration in Sub-Saharan Africa” (2018). Honors Projects. 75.p.1.at: https://digitalcommons.spu.edu/honorsprojects/75