د. محمد عبد الكريم
منسّق أبحاث إفريقيا – معهد الدراسات المستقبلية- بيروت
لا تزال القارة الإفريقية الطرف الأضعف والأكثر تضررًا في تحولات العالم الراهنة لتحقيق ما يُعرَف بالانتقال الطاقوي لاستخدام موارد طاقة أكثر استدامة وأقل تكلفة وتأثيرًا بيئيًّا في ظاهرة الاحترار العالمي.
ويُعمّق هذه الحالة الراهنة، والتي لا يبدو أنها ستتغير في المستقبل القريب، استمرار الرؤية السائدة عن القارة كطرف مُتلقٍّ للتفاعلات الدولية، وحصر جميع فُرص نُمُوّ دول القارة في قُدرتها على خدمة هذه التفاعلات بالأساس بغضّ النظر عن التطورات الداخلية وآثارها السياسية والمجتمعية والاقتصادية في هذه الدول.
يتناول المقال الأول رؤية غربية بامتياز لفرصة نمو كينيا اقتصاديًّا من زاوية إسهامها في النموذج الاقتصادي العالمي في المقام الأول، ومن زاوية قُدراتها على إنتاج طاقة مستدامة تفيد هذا النموذج.
أما المقال الثاني فقد تناول توجُّه الاتحاد الأوروبي نحو استغلال موارد الطاقة الإفريقية في مجال الطاقة المتجددة بأقل تكلفة ممكنة، ودون تحقيق استفادة متوقعة لدول القارة خارج حدود إسهامها المباشر في توفير حاجات أوروبا الطاقوية من الهيدروجين الأخضر تحديدًا.
وتناول المقال الثالث حالة أخرى لمقاربة الجنوب- الجنوب في مجال التعاون الاقتصادي بحالة بنك التصدير والاستيراد الهندي ومشروعاته في إفريقيا، ومن ضمنها مشروعات الطاقة المتجددة.
واختتم المقال الرابع هذه المقاربة بشكل أكثر توضيحًا لمواقف الدول الإفريقية من أزمة التكالب الطاقوي على مواردها في الفترة الأخيرة.
كينيا تصبح “سنغافورة إفريقيا”([1])
تبرز كينيا، من بين جميع دول إفريقيا جنوب الصحراء، كحالة محل تفاؤل اقتصاديّ؛ إذ تتضافر القوى الاقتصادية والسياسية لوضع سابع أكبر دولة في القارة في وضع أفضل نسبيًّا. إن إفريقيا أسرع قارات العالم نموًّا، ويُتوقع أن تصبح مسؤولة عن ربع سكان العالم بحلول العام 2050م. ويعني ذلك رؤية مزيد من الهيئات متعددة الجنسيات أنه ثمة حاجة لأن يكون لها وجود مباشر في مكان ما في إفريقيا جنوب الصحراء. وقد اكتشفت العديد من هذه الشركات بالفعل في الوقت الحالي أنها بحاجة إلى وجود ما في آسيا، مع توفير سنغافورة شعبية أكبر بحسبانها مركزًا لتوجهاتها، لا سيما مع استيعاب هونج كونج داخل الصين الشيوعية.
أين يوجد في إفريقيا مكان مثل سنغافورة يمكن لمثل هذه الشركات التوجه إليه؟ لسوء الحظ فإن عددًا من دول إفريقيا الرئيسة مرت بمشكلات كبرى في الفترة الأخيرة. وقد تباطأ النمو الاقتصادي في نيجيريا، كبرى دول إفريقيا في عدد السكان، وبدأت الدولة بالكاد في إدخال إصلاحات لطالما كانت مطلوبة (مع ما تُعرَف به نيجيريا من مؤشرات فساد مرتفعة للغاية عالميًّا)؛ أما إثيوبيا، ثاني أكبر دولة إفريقية سكانًا، فقد مرت للتوّ بحرب أهلية؛ كما لا تزال المشكلات السياسية وحالات نقص الطاقة تضرب جنوب إفريقيا. وراهنًا فإن هذه الأماكن (الدول) ليست في مضمار السباق على وضع المركز الاقتصادي المهيمن في إفريقيا جنوب الصحراء، وإن كان لسبب وحيد وهو تحفُّظ القوى الوافدة (الدول وشركات الاستثمار الكبرى) عن الانتقال هناك.
وعلى النقيض من ذلك؛ فإن وجود جماعات محلية ذات مستوى معقول من طلاقة استخدام اللغة الإنجليزية ومناخ جذاب طوال العام سيحقق الكثير من الانتباه لهذه القوى، وهو الأمر الذي يصف (حالة) كينيا بلطف واضح. وحققت كينيا نسبة نمو بنحو 5,5% في العام الماضي، رغم الصدمات السلبية في أسعار الغذاء المستورد والطاقة.
كما كانت معدلات النمو في كينيا منذ العام 2004م تتراوح بين 4% إلى 5%. كما تملك كينيا ميزات ديموغرافية. ولديها ساحل ممتد على الخليج الهندي، وتشير البحوث إلى أن الدول الحبيسة لديها أداء اقتصادي سيئ. كما أن الدول صاحبة السواحل تجد أنه من السهولة بمكان استمرار الاتصال مع بقية العالم، وتملك كينيا وصولًا سهلًا نسبيًّا إلى الصين والهند، والأسواق الكبيرة ومصادر رأس المال. وفي ظل المناخ الجيوسياسي الحالي، تجذب شرق إفريقيا مزيدًا من الاهتمام مِن قِبَل مزيد من هذه المصادر مقارنةً بأغلب دول غرب إفريقيا. وبلغة الأرقام، لا يمكن لسكان كينيا البالغ عددهم 55 مليون نسمة مجاراة نظرائهم في نيجيريا البالغ عددهم 222 مليون نسمة. لكنَّ شرق إفريقيا ككل تملك عدد سكان نحو 500 مليون نسمة يتجاوزون مجمل سكان غرب إفريقيا.
وعلى سبيل المثال؛ فإن تنزانيا، الواقعة إلى جنوب كينيا مباشرة، تملك عدد سكان أكبر من كينيا. لكنَّ الأخيرة أكثر ثراءً، ولديها بنية تحتية متفوقة، وتشمل بنية أساسية رقمية، كما يصنف استخدام الإنترنت في كينيا بين أعلى الاستخدامات التي يعوَّل عليها في إفريقيا. وفي نطاق ما يُركّز عليه العالم اليوم بشكل أكبر من مثل الطاقة الخضراء، فإن لكينيا أيضًا قصة إيجابية لترويها. وتملك كيينا أكثر من 80% من الطاقة المتجددة (من مجمل الطاقة المنتجة محليًّا)، وتتمتع بمناخ مثالي لتوسع مستمر في الطاقة الشمسية. ويمكن أن تجد الشركات الأجنبية الساعية لتعزيز مقدراتها الخضراء في كينيا وجهة جاذبة.
غير أنه ثمة عناصر أخرى تنتقص من حالة كينيا تلك. فقد واجهت كينيا صعوبة في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر حتى مقارنةً بدول إفريقية أخرى. كما أن الفساد والعوائق الإجرائية والتنظيمية وعدم الاستقرار السياسي تمثل جميعًا مخاوف لا يمكن التغاضي عنها (بأيّ حال من الأحوال). لكنْ يُلاحَظ أن الحكم في كينيا ظل مستقرًّا في الأعوام الأخيرة، وأن انتخابات 2022م مرت بنجاح نسبيّ. وتبرهن الحكومة يومًا بعد آخر على قدرتها على منع هجمات إرهابية كبيرة تأتي في العادة من جماعات بالصومال. ومع كسب كينيا ثراء أكبر فإنه ثمة فرصة للقضاء على مثل هذه المشكلات مستقبلًا.
وفي المقابل فإنه من الممكن ألا تتمكن إفريقيا جنوب الصحراء من تطوير مركز شامل للمؤسسات والشركات. ستواصل الإمارات العربية المتحدة التطور لأن تصبح مركز إفريقيا المالي، وتقود لاجوس أغلب أنشطة الشركات البادئة، وستظل جنوب إفريقيا مركز الأعمال المهيمن في الجنوب، وستلعب لندن وبكين والهند أدوارًا أكثر أهمية في مستقبل إفريقيا الاقتصادي.
ولا تزال مسألتا استمرار عظم المساحات الإفريقية، ونمو سكان القارة يمثلان فرصة للنمو الكيني، وتقوم فكرة ذلك على أن إقامة مصنع أو مركز خدمات قرب نيروبي أو ممباسا سيكون أمرًا مهمًّا حتى لو عمل على خدمة شرق إفريقيا فقط. إن جارتي كينيا إلى الغرب والجنوب (أوغندا وتنزانيا) لديهما خلفية لغة إنجليزية أيضًا، وربما تصبح تنزانيا من أكثر دول العالم في السكان. ومع ما ستشهده شرق إفريقيا من نهوض فإنه من المرجَّح أن تكون كينيا أيسر الطرق في هذا المسار وأكثرها امتلاكًا لتوقع حدوث ذلك.
الاتحاد الأوروبي يتَّجه لإفريقيا لتعزيز إمدادات الهيدروجين الأخضر([2])
وضعت أوروبا هدفًا طموحًا بإنتاج 10 ملايين طن من الطاقة المتجددة اعتمادًا على الهيدروجين بحلول العام 2030م، واستيراد نفس الكمية، وتتطلع -كما في مرات كثيرة سابقة- لإفريقيا لتوفير الموارد التي تحتاجها. ووفقًا لتقرير مشترك بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي؛ فإن إفريقيا لديها “مقدرات هيدروجين أخضر غير عادية”. لكنَّ أيّ مشروعات مقترحة ستكون بحاجة للتمويل والتطبيق الجيدين إن أراد الاتحاد الأوروبي تفادي الأخطاء الاستعمارية السابقة، وضمان أن أكثر من 600 مليون إفريقي ليس لديهم إمدادات من الكهرباء سيستفيدون أيضًا من اقتصاد الهيدروجين. ويمكن للهيدروجين الأخضر أن يلعب دورًا حيويًّا في استبدال الوقود الأحفوري في صناعات من قبيل الصلب والكيماويات وبناء السفن. “وبالنسبة لقطاعات وهيئات صناعية عديدة فإن الهيدروجين الأخضر هو الطريق الوحيد أمام الاستدامة” حسب دونال كانون Donal Cannon من الفريق الاستشاري غير الأوروبي لبنك الاستثمار الأوروبي الذي ساعد في إعداد التقرير.
بأي حال فإن إنتاج الهيدروجين الأخضر يحتاج إلى المزيد من الطاقة المتجددة الرخيصة، ومناخات مشمسة للغاية، مثل التي تتوفر في إفريقيا، وهي أماكن مناسبة للغاية، و”من المرجح أن تكون إفريقيا أحد أهم الأماكن، مع الهند وتشيلي على سبيل المثال؛ حيث يمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات كبيرة وبأدنى تكلفة”؛ كما يتوقع كانون.
وفي قمة تكيف إفريقيا (المناخي) Africa Adaptation Summit بروتردام في العام 2022م اقترح فرانز تيميرمانز Frans Timmermans، مفوّض المناخ بالاتحاد الأوروبي، أن ذلك قد يجعل القارة مركزًا مهمًّا للطاقة في المستقبل”. وتظل مثل هذه الرؤية بحاجة إلى تطوير. وفي العام الماضي وقَّع الاتحاد الأوروبي اتفاقات مع المغرب ومصر وناميبيا لمساعدة هذه الدول في تطوير هيدروجين الطاقة المتجددة وإمداد الاتحاد الأوروبي به بقدر ما هو ممكن. كما يقدم الاتحاد الأوروبي دعمًا للموازنة والتقنية لكل من كينيا وموريشيوس وجنوب إفريقيا لمساعدتها في استكشاف فرص تنمية الهيدروجين.
وستستفيد القارتان، حسب تأكيد الاتحاد الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي، من العمل معًا بشأن الهيدروجين. إن الهدف يتمثل في “شراكة بين متساويين مع إفريقيا تفيد المواطنين الأفارقة والأوروبيين”؛ حسب المفوضية، بما في ذلك، كأولوية، أولئك الذين يعيشون في “المجتمعات المحلية في الدول التي بها عراقيل أمام وصول الكهرباء”. مع ملاحظة أن استخدام الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء يأتي في أدنى المستويات في العالم؛ إذ يعيش أكثر من 50% من السكان دون استخدام للكهرباء. لكن المفوضية الأوروبية تؤمن أن إقامة مشاريع الهيدروجين الأخضر في الاقتصاد المحلي سوف تسهم في “النمو الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي والسياسي، وخلق فرص العمل والتحول الصناعي”.
لكن هذه المشروعات والخطط تواجه تحديًا تمويليًّا، كما يشير خبراء إلى أنه في “العقد الماضي قدم بنك الاستثمار الأوروبي 5,3 بليون يورو استثمارات في البنية الأساسية الخضراء في إفريقيا وهو مبلغ لا يقترب حتى من حجم الموارد المطلوبة للسماح بالانتقال المأمول. وعلى سبيل المثال فإن انتقال إفريقيا لمرحلة تحقق وصول عام لاستخدام الكهرباء يحتاج إلى توفير 32 بليون دولار سنويًّا.
لكن مشروعات الهيدروجين ستتكلف أكثر من ذلك؛ فوفق تقرير نشره تحالف الهيدروجين الأخضر في إفريقيا Africa Green Hydrogen Alliance (وهو مبادرة أطلقها COP26) في نوفمبر 2022م بالتعاون مع ماكينزي McKinsey للاستشارات- أن قيام اقتصاد أخضر في الدول الستة الأعضاء في التحالف (وهي مصر وكينيا وموريتانيا والمغرب وناميبيا وجنوب إفريقيا) سيتطلب 450-900 بليون دولار إجمالي الاستثمارات حتى العام 2050م. كما لا تزال مسألة نقل الهيدروجين الأخضر من إفريقيا إلى الاتحاد الأوروبي مسألة محيرة للغاية. وبدلًا من محاولة نقله كمنتج بذاته فإنه من الأكثر ملاءمة استخدام وقود حامل له في شكل أمونيا أو ميثانول، لكن في بعض الحالات يفضل تطوير خط أنابيب بين شمال إفريقيا وأوروبا.
بنك التصدير والاستيراد الهندي يخطط لرفع التمويل للدول الإفريقية([3])
يخطط بنك التصدير والاستيراد الهندي India’s Export- Import Bank لرفع استثماراته وفق خط برنامج ائتماني مدعوم من قبل الحكومة لتمويل الشركات الهندية الساعية للوصول إلى الأسواق الإفريقية سريعة النمو حسب تصريح لمسؤول بارز بالبنك كجزء من تحرك لتوسيع صلات الهند التجارية مع إفريقيا. ووسط منافسة مع الصين ضاعف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من جهود بلاده لتقوية الصلات مع الدول الإفريقية عبر المعونات لصالح مشروعات البنية الأساسية والاستثمارات الخاصة التي تقوم بها الشركات الهندية.
وقالت هارشا بانجاري Harsha Bangari العضو المنتدب لبنك التصدير والاستيراد الهندي: إن إفريقيا تتحوَّل لأن تكون قارة كبيرة مستهلكة. وكان بنك التصدير والاستيراد الهندي المملوك للدولة، والذي يلعب دورًا حاسمًا في توفير تمويل الصادرات والإقراض الموجّه حكوميًّا للدول الأخرى، يدعم أكثر من 300 شركة هندية صغيرة لتوسيع أعمالها في الدول الإفريقية. وقالت بانجاري: إن البنك “يسعى لتوجه مستمر ومنتظم” في زيادة خطوط الائتمان والتمويل التجاري، مضيفة أن بنك التصدير والاستيراد الهندي قدّم حتى الآن التزامات ائتمانية بقيمة 12,8 بليون دولار لـ 42 دولة إفريقية. ويخطط البنك لزيادة 3-3,5 بليون دولار من المخصصات في العام المالي الجاري، أغلبها بالدولار الأمريكي، لتمويل مشروعات جديدة.
وفي ظل استثمارات للشركات الهندية بنحو 75 بليون دولار؛ فإن الهند من أكبر خمسة مستثمرين في إفريقيا، حسب تصريحات لمسؤولين بالحكومة الهندية. وارتفعت التجارة الثنائية بين الهند وإفريقيا إلى قرابة 100 بليون دولار في العام المالي حتى نهاية مارس 2023م، وتهدف الحكومة إلى رفع الرقم إلى 200 بليون دولار بحلول العام 2023م. ويتعامل بنك التصدير والاستيراد الهندي مع العديد من الحكومات الإفريقية كجزء من دبلوماسية الهند الاقتصادية، بما في ذلك مشروع مترو علوي في موريشيوس، وصادرات للحافلات من الهند إلى السنغال، ومشروع كهربائي في جامبيا على سبيل المثال.
إفريقيا تسدد فاتورة انتقال الطاقة في الشمال العالمي([4])
يُلاحَظ مؤخرًا أن إفريقيا -بالفعل- بصدد تسديد فاتورة انتقال الطاقة في الشمال العالمي، ووفقًا لنشطاء اجتماعيين يقولون: إن النظام الحالي بخصوص استخراج ما يُعرَف بالمعادن المُهمَّة مثل الكوبالت أو الليثيوم أو النيكل أو الزنك، والتي تُعدّ مُهمَّة للغاية لتحقيق هذا الانتقال، وتفيد بالأساس الشركات والدول في العالم المتقدم، فيما تثير عواقب إيكولوجية سلبية ستزداد حدتها في العقود المقبلة داخل الدول الإفريقية. وعلى سبيل المثال فقد أكد برايس ماكوسو Brice Mackosso، عضو مبادرة شفافية الصناعات الاستخراجية Extractive Industries Transparency Initiative (EITI) التي عقدت اجتماعاتها هذا الأسبوع في داكار، أننا إن لم نغير طريقة توزيع أرباح هذه الصناعة؛ فإن إفريقيا ستعاني من نقص هذه المعادن، وستظل في حالة فقر.
وضرب مثالًا ببحيرة نزيلو Lake Nzilo، بجمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تعد حتى الآن بقعة ملائمة للاستجمام والصيد لسكان (إقليم) كولويزي Kolwezi. على أيّ حال فإن مياهها باتت تشهد ارتفاعات لافتة في تركيز الزرنيخ والمواد الكيماوية الضارة الأخرى بسبب قربها من العديد من مناجم الكوبالت، وفقًا للباحثة Zélie Pelletier Hochart، من منظمة Global Witness غير الحكومية. وتعاني المجتمعات المحلية الواقعة بالقرب من هذه المناجم من معدل أعلى من التليف الكبدي، والإجهاض، والتشوهات الخلقية، والسرطان، وأمراض أخرى، وبالرغم من عيش هذه المجتمعات قرب الثروات الاستخراجية الثمينة؛ فإن سكانها لا يزالون يعيشون في بؤس واضح. وفي أطروحتها بعنوان “الجانب المظلم للانتقال الطاقوي: تعدين الكوبالت” (2021م) The Dark Side of The Energetic Transition: Cobalt Mining تلاحظ الباحثة أن “الفقر الذي يدفع أرباب البيوت إلى التعدين يتفاقم بسبب الصناعة نفسها التي تتجاهل صنع الثروة محليًّا”.
وتصدر جمهورية الكونغو الديمقراطية نحو 70% من الإنتاج العالمي من الكوبالت، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة. ومع النحاس والليثيوم ووالزنك والمنجنيز والنيكل والكروميوم؛ فإن الكوبالت يمثل جزءًا من العائلة التي يطلق عليها المعادن المهمة، والتي تُمثِّل مكونًا رئيسًا في صناعات السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والألواح الشمسية، والبطاريات. وبعبارة أخرى، فإنها تمثل الأساس المعدني لما يُعرَف بالانتقال الطاقوي الذي سيمكن العالم من التخلي عن الوقود الأحفوري والانتقال نحو مصادر أخرى أكثر استدامة، ومِن ثَم إبطاء الاحترار العالمي. ولا ينتشر وجود مثل هذه المعادن إلا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأستراليا وجنوب شرق آسيا. بأيّ حال فإن البنك الدولي يقدر أن الطلب عليها سيزيد بنسبة 500% بحلول العام 2050م.
“إن أغلب هذه المعادن توجد في أراضٍ تَخُصّ الجماعات المحلية التي تعتمد عليها في معيشتها” حسب سولانجي باندياكي- بادجي Solange Bandiaky-Badji، مدير مجموعة الحقوق والموارد Rights and Resources Group (RRG). “إن النشاط الاستخراجي ذو آثار سلبية متعددة، مثل تلوث المياه وإفساد الغابات. أما عن وادي نهر الكونغو فهو ثاني أكبر رئة للعالم بعد الأمازون، ونشهد مزيدًا من المستثمرين القادمين إليها من الصين ودول الخليج وجنوب إفريقيا والهند، الذين جذبهم التعدين في تلك المنطقة”.
ومن الأهمية بمكان الآن تبنّي منهجية واضحة تضبط الحدود البيئية لهذه الصناعة، وضمان أن المكاسب تتشارك بالتساوي، وأن قرارات الجماعات المحلية تحظى بالاحترام.
ومن أجل تغيير هذا التوجه اجتمع ممثلون لأكثر من 50 دولة في منتصف يونيو في داكار ضمن فعاليات مبادرة شفافية لصناعات الاستخراجية EITI أغلبهم من دول الجنوب العالمي مع غياب ملحوظ للقوى الأوروبية وعمالقة الاقتصاد في العالم مثل الولايات المتحدة والصين.
وقد أطلقت المبادرة في العام 2003م لتجمُّع حكومات وشركات وهيئات المجتمع المدني من أجل الضغط نحو مزيد من الشفافية المالية وشفافية بروتوكولات الأداء في الصناعات الاستخراجية العالمية. وتم خلال الاجتماع وضع معيار جديد يضع توكيدًا مزيدًا على الحاجة لتوضيح الأثر البيئي ووصول المعلومات إلى عامة المواطنين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] Tyler Cowen, Kenya Is Poised to Become the ‘Singapore of Africa’ The Washington Post, June 14, 2023 https://www.washingtonpost.com/business/energy/2023/06/14/kenya-is-poised-to-become-the-singapore-of-africa/d92f9be2-0a6a-11ee-8132-a84600f3bb9b_story.html
[2] Philippa Nuttall, EU turns to Africa to build green hydrogen supply, Financial Times, June 15, 2023 https://www.ft.com/content/e7f18e53-0509-47d1-a780-e06dcbbd5cf4
[3] Manoj Kumar, India’s EXIM Bank plans to step up funding for African countries, Reuters, June 15, 2023 https://www.reuters.com/business/finance/indias-exim-bank-plans-step-up-funding-african-countries-2023-06-15/
[4] Jose Naranjo, Africa is footing the bill for the North’s energy transition, El Pais (international), June 16, 2023 https://english.elpais.com/international/2023-06-16/africa-is-footing-the-bill-for-the-norths-energy-transition.html