بسمة سعد
باحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- مؤسسة الأهرام
في مسعًى إفريقي جديد ولافت للمساهمة لوضع حد للأزمة الأوكرانية باعتبارها أبرز وأهم التحديات التي تُواجهها الساحة الدولية في وقتنا الراهن، في ضوء ما أفرزته من تحديات جمَّة على كافة دول العالم، وفي القلب منها إفريقيا، لا سيما على المستوى الاقتصادي؛ أطلقت ستُّ دولٍ إفريقية هي (زامبيا والسنغال وجمهورية الكونغو وأوغندا ومصر وجنوب إفريقيا) مبادرةً إفريقيةً للوساطة بين طرفي الأزمة الأوكرانية؛ كسبيل لحل الأزمة، والتوصل لتسوية سلمية تنهي المعارك المندلعة، وتضع حدًّا لتداعياتها السلبية.
في هذا السياق؛ تهدف المقالة لتناول أبرز الدلائل والرسائل التي حملتها المبادرة الإفريقية منذ اللحظات الأولى من إطلاقها، إلى جانب مناقشة طبيعة الدوافع التي دفعت قادة الدول الإفريقية الست لإطلاق المبادرة نيابةً عن دول القارة، وهو ما يُمكن مناقشته كالتالي:
أولًا: ملامح المبادرة الإفريقية وما تَحْمله من دلالات ورسائل
على الرغم من عدم وجود تفاصيل دقيقة بشأن المبادرة؛ إلا أن هناك حزمة من الدلالات والرسائل التي تبعث بها ما أثير من معلومات بشأن المبادرة الإفريقية لحل الأزمة الأوكرانية، يُمكن مناقشتها كالتالي:
1- ملامح المبادرة الإفريقية
أطلقت ستُّ دولٍ إفريقية مبادرة للوساطة من أجل حلّ الأزمة الأوكرانية، لاقت حتى الآن آذانًا مصغية من كل من موسكو وكييف. وذلك بعدما أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في مؤتمر صحفي خلال زيارة أجراها رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونغ إلى مدينة كيب تاون يوم 16 مايو 2023م، أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي “وافقا على استقبال البعثة وقادة الدول الإفريقية” في موسكو وكييف، وذلك بعدما أجرى رامافوزا اتصالات منفصلة مع كلٍّ من بوتين وزيلينسكي قدَّم خلالها مبادرة صاغتها كل من زامبيا والسنغال وجمهورية الكونغو وأوغندا ومصر، إلى جانب جنوب إفريقيا([i]).
كما أضاف رئيس جنوب إفريقيا رامافوزا، قائلًا: “اتفقت مع الرئيسين بوتين وزيلينسكي على بدء الاستعدادات للتعامل مع رؤساء الدول الإفريقية”، كما تم إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة وبريطانيا بالمبادرة ورحبوا بها.([ii]) وحتى الآن، لم يقدم رامافوزا جدولًا زمنيًّا محددًا للزيارة أو أي تفاصيل أخرى([iii])، وهو ما أكَّده نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الذي أشار في تصريح له يوم 18 مايو بأنه لا توجد لدى موسكو تفاصيل حتى الآن بشأن مبادرة زعماء الدول الإفريقية للوساطة في الأزمة الأوكرانية، قائلًا: “لدينا معطيات بشأن الزعماء المشاركين. لكن لا يوجد لدينا أي تفاصيل بشأن المبادرة، لذلك من الصعب التحدث عنها في الوقت الحالي”([iv]).
وعقب محادثات أجراها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، مع وزير الخارجية الأوغندي أودنجو جيجي أبو بكر يوم 18 مايو، صرح لافروف أن بعثة الدول الإفريقية حول تسوية الأزمة في أوكرانيا تخطط لزيارة روسيا في الفترة من منتصف يونيو وأوائل يوليو القادمين، مُشيرًا إلى “أن الرئيس بوتين أكد لرئيس جنوب إفريقيا أنه مستعدّ دائمًا للتحدث مع جميع شركائنا، المهتمين بصدق بأن يكون هناك وضع مستقر في العالم”، مُضيفًا بأنه “يجرى حاليًا مناقشة محتوى هذه الأفكار على مستوى الخبراء، وسيتم الاتفاق على مواعيد مناسبة لزيارة الوفد الإفريقي لموسكو”([v]).
وفي السياق ذاته، أعلن المتحدث الصحفي باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، أنه “نحن مستعدون للاستماع باهتمام كبير إلى أيّ مقترحات ستساعد في تسوية الوضع في أوكرانيا، وإن الرئيس الروسي بوتن يُخطّط للقاء وفد المبادرة الإفريقية قبل موعد انعقاد القمة الإفريقية الروسية المقرر انعقادها ما بين 26 إلى 29 يوليو المقبل([vi]).
2- ما تحمله المبادرة الإفريقية لحل الأزمة الأوكرانية من دلالات ورسائل
تحمل المبادرة الإفريقية لحل الأزمة الأوكرانية من قبل 6 دول إفريقية تقودها جنوب إفريقيا، العديد من الدلالات؛ أولها: إن المبادرة تُعدّ هي الأولى التي تخرج من قلب القارة للوساطة في أبرز وأهم الأزمات التي تشهدها الساحة الدولية (الأزمة الأوكرانية)، مما يكشف عن تحوُّل القارة إلى كتلة مؤثرة وذات ثِقَل على مستوى شراكاتها مع أطراف العالم المختلفة بقواه المتعددة والمتنافسة، خاصة عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، واتجاه الدول الأوروبية إلى دول القارة إما كمصدر بديل للطاقة الروسية، أو لكتلتها التصويتية الضخمة ذات الوزن في المحافل الدولية، مما يُعيد إلى الأذهان حادثة امتناع 17 دولة إفريقية عن التصويت في الأمم المتحدة في مارس 2022م على مشروع قرار بإدانة العملية العسكرية الروسية الخاصة، بينما صوتت واحدة فقط ضده هي إريتريا([vii]).
أما بالنسبة لثاني الدلالات فتتمثل في أن قبول طرفي الأزمة الأوكرانية للمبادرة الإفريقية يعكس رغبة كل منهما في كسب الساحة الإفريقية، باعتبارها إحدى ساحات الاستقطاب الدولي، بينما تسعى دول القارة إلى تحييد موقفها من الأزمة الأوكرانية؛ حيث إن العديد من دول القارة (بما فيها مصر) تحرص على الحفاظ على علاقات متوازنة وممتدة مع طرفي الاستقطاب الدولي موسكو وواشنطن([viii])، مما يُؤهِّلها للعب دور مهم لحل الأزمة على العكس من المبادرة الصينية المشكوك في جدية نوايا بكين من قبل واشنطن والغرب، لمتانة علاقاتها مع موسكو، لا سيما عقب الحرب الأوكرانية.
أما بالنسبة لأولى الرسائل، فتتمثل في أن قادة المبادرة الإفريقية (مصر وأوغندا والسنغال وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية)، لم تكن ستطرح مبادرتها، بدون التنسيق مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين أعربتا عن «دعم حَذِر» للمبادرة وللرؤية الإفريقية لحل الأزمة الأوكرانية، كما أبدى الأمين العام للأمم المتحدة قدرًا كبيرًا من التفاؤل حول فرص نجاح الخطة، عقب اطّلاعه على تفاصيل المبادرة، وذلك في حال أن لاقت المبادرة استجابةً وقبولاً من قبل طرفي النزاع([ix]).
أما بالنسبة لثاني الرسائل فتبعث بها جنوب إفريقيا إلى واشنطن والغرب، مفاداها أن علاقاتها مع موسكو، بل وعلاقة موسكو بأيّ من دول القارة، لا يعني اصطفافها إلى جانب موسكو في الحرب الأوكرانية، وبالتالي معاداتها لأوكرانيا وحلفائها في أوروبا وواشنطن، وذلك في ضوء العلاقات القوية الرابطة بين جنوب إفريقيا وروسيا، بل أن قوة العلاقة بين موسكو وبريتوريا قد تمنح أفضلية وميزة لنجاح المبادرة الإفريقية لتسوية الحرب التي ألقت بظلالها على دول العالم بما في ذلك إفريقيا.
ثانيًا: الدوافع الإفريقية لإطلاق المبادرة
تقف حزمة من الدوافع وراء إطلاق الدول الست الإفريقية مبادرة إفريقية لحل وتسوية الأزمة الأوكرانية، تكشف في جانب منها ما فرضته الحرب الأوكرانية من تداعيات أثقلت كاهل دول القارة، يُمكن مناقشتها كالتالي:
1- تخفيف الضغوط الغربية والأوروبية على دول القارة للانحياز في صفها ضد موسكو
منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، وتخضع دول القارة، لا سيما جنوب إفريقيا إلى ضغوط أوروبية وأمريكية من أجل دفع دول القارة للانحياز إلى جانب واشنطن وأوروبا، وقطع علاقتها مع موسكو وبالتالي إتمام خطة واشنطن وأوروبا لعزل موسكو عن مختلف مناطق العالم، خاصةً بعدما تحولت القارة الإفريقية لأحد ساحات التنافس الروسي الأمريكي الغربي([x])؛ حيث جاء إعلان رئيس جنوب إفريقيا رامافوزا للمبادرة غداة تصريحه بأن جنوب إفريقيا تتعرض لـ«ضغوط ضخمة» للانحياز في النزاع الأوكراني، في أعقاب مزاعم السفير الأمريكي في جنوب إفريقيا “روبن بريجيتي” بأن بريتوريا حملت أسلحة وذخائر في ديسمبر ٢٠٢٢م على متن سفينة روسية من قاعدة بحرية في كيب تاون، في اتهامات أمريكية بتزويد بريتوريا لموسكو بالأسلحة، تُعدّ بمثابة اتهام أمريكي بكسر جنوب إفريقيا لحيادها المعلن([xi])، وهو ما أثار غضب رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، الذي لم ينفِ التهمة لكنه قال: إن تحقيقًا في الأمر سيبدأ([xii]).
كما قامت وزارة الخارجية لجنوب إفريقيا باستدعاء “بريجيتي” للقاء وزير الخارجية ناليدي باندور على خلفية تصريحاته، وأوضح بيان صادر عن الوزارة أن بريجيتي اعتذر “بلا تحفظ” لحكومة وشعب جنوب إفريقيا، بينما صرح بريجتي في تغريدة لم تؤكد ما إذا كان قد اعتذر، قائلًا: “كنت ممتنًّا لإتاحة الفرصة لي للتحدث مع وزير الخارجية باندور… وتصحيح أي انطباعات خاطئة تركتها ملاحظاتي العامة”([xiii]).
كما أجرى رئيس جنوب إفريقيا رامافوزا حديثًا تليفونيًّا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في أعقاب الاتهامات الأمريكية تم الاتفاق خلالها على “تكثيف العلاقات ذات المنفعة المتبادلة”، تبعها تأكيد رئيس جنوب إفريقيا رامافوزا بأن بلاده لن تنجرَّ إلى “صراع بين القوى العالمية” على أوكرانيا على الرغم من أنها واجهت “ضغوطًا غير عادية” للانحياز إلى أحد طرفي النزاع([xiv]).
كما ألمح رامافوزا إلى أن الرئيس بوتين سيزور جنوب إفريقيا لحضور اجتماع لزعماء كتلة البريكس الاقتصادية في أغسطس 2023م، في حين أن الكرملين لم يؤكد أن بوتين يعتزم حضور قمة البريكس، لكن من المؤكد على كل حال أن هذه الزيارة المحتملة ستُورِّط جنوب إفريقيا في أزمة دبلوماسية أخرى، باعتبارها أحد البلدان المُوقِّعة على المعاهدة التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية، والتي أصدرت مذكرة توقيف بحق بوتين في مارس 2023م بسبب جرائم حرب مزعومة تشمل اختطاف أطفال من أوكرانيا، والتي في أعقابها لم يسافر بوتين سوى لمرات معدودة في زيارة لدول من الحلفاء المقربين لروسيا([xv]).
يُضاف إلى ذلك، وكخطوة يُمكن تفسيرها بأنها تأتي للتباحث حول ترتيبات التنسيق الجنوب إفريقي الروسي بشأن الرد على ما ورد من اتهامات أمريكية، زار قائد قوة الدفاع الوطني في جنوب إفريقيا لورانس مباثا موسكو في 15 مايو لإجراء محادثات مع نظرائه الروس، ربط البعض بينها وبين حقيقة ما تم تداوله من اتهامات أمريكية بشأن دعم جنوب إفريقيا لموسكو في الحرب الأوكرانية، وهو ما دفع قوة الدفاع الوطني لجنوب إفريقيا (SANDF) للتوضيح بأن الزيارة كان مخططًا لها مسبقًا بوقت طويل، كجزء من ترتيب طويل الأمد، وأن الزيارة كانت ودية بدعوة من الجيش الروسي([xvi]).
وفي بيان صادر عن قوة الدفاع الوطني لجنوب إفريقيا -تعقيبًا على الزيارة- أفاد البيان أنه “يجب الإشارة إلى أن جنوب إفريقيا لديها علاقات ثنائية عسكرية-عسكرية مع دول مختلفة في القارة وخارجها، وأنها تستقبل العديد من الوفود العسكرية إلى البلاد، وترسل وفودًا خاصة بها إلى دول أخرى؛ لمناقشة الأمور ذات الاهتمام المشترك”([xvii]).
ولقد أوضحت وكالات أنباء روسية يوم 15 مايو أن الفريق مباثا كان على رأس وفد بحث “قضايا تتعلق بالتعاون والتفاعل العسكريين”، وأن الفريق مباثا زار المؤسسات التعليمية للقوات البرية والشركات التابعة للمجمع الصناعي العسكري في روسيا، وأنه تم التوصل إلى اتفاقات لزيادة التعاون بين القوات البرية في مختلف المجالات” كأحد مخرجات هذه الزيارة([xviii]).
ومن الجدير بالذكر، أن جنوب إفريقيا كانت ضمن مجموعة الدول الإفريقية التي امتنعت عن التصويت على قرارات الأمم المتحدة بشأن إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو ما يُشير إلى اتباع واشنطن نهج الضغوط تجاه جنوب إفريقيا لدفعها للتراجع عن موقفها الأقرب في مدلوله لموسكو.
2- تفاقم أزمة الغذاء في القارة
لم يمر وقت كافٍ لكي تلتقط دول القارة أنفاسها لمعالجة تداعيات انتشار كوفيد-19، لا سيما تداعياتها الاقتصادية وانعكاساتها على معدل الأمن الغذائي في القارة، إلا واندلعت الحرب الأوكرانية التي تسببت في تفاقم أزمة الغذاء في إفريقيا؛ فلقد أدَّت الحرب الأوكرانية إلى توقف الصادرات الروسية بفعل الحصار الغربي، والصادرات الأوكرانية، لا سيما الحبوب بفعل الحصار الروسي؛ حيث تزود أوكرانيا وروسيا إفريقيا بأكثر من 40% من احتياجاتها من القمح، كما أدَّت الحرب إلى نقص نحو 30 مليون طن من الغذاء في إفريقيا، وهو ما ترتَّب عليه ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 40% في القارة ([xix]).
فلقد أدت اضطرابات سلسلة التوريد الخاصة بالمدخلات الزراعية الأولية، بما في ذلك واردات الأسمدة من روسيا وأوكرانيا، إلى تهديد الأمن الغذائي لإفريقيا؛ حيث أفاد برنامج الأغذية العالمي (WFP) أن أسعار الأسمدة العالمية ارتفعت بنسبة 199% منذ مايو 2020م، مع زيادة أسعار الأسمدة بأكثر من الضعف في كينيا وأوغندا وتنزانيا في عام 2022م، وهو ما ترتب عليه ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مستويات قياسية بحلول نهاية عام 2021م، وهو ما يكشف عن أحد أبعاد أزمة الغذاء في القارة، والممثل في توفير الأسمدة؛ حيث يبلغ متوسط معدل استخدام الأسمدة 22 كيلو غرامًا للهكتار، مقارنةً بالمتوسط العالمي الذي يزيد سبع مرات (146 كيلو غرامًا للهكتار). وما يزيد الطينة بلة، أن منتجي الأسمدة الآخرين -بخلاف موسكو وكييف- يحظرون تصدير هذه المدخلات الحيوية لحماية مزارعيهم([xx]).
ترتيبًا على ذلك، أوضح تقرير الأمم المتحدة للأوضاع والتوقعات الاقتصادية العالمية لعام 2023م أن إفريقيا سجَّلت بالفعل أعلى معدل انتشار لانعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم في عام 2020م؛ حيث يواجه 26% من الأفارقة حالة انعدام أمن غذائي حادة و60% من السكان يتأثرون بانعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، كما أفاد بنك التنمية الإفريقي بأن هذا العدد ارتفع بشكل حاد في عام 2022م؛ حيث يمثل الأفارقة الآن ثلث سكان العالم (حوالي 300 مليون شخص) الذين يعانون حاليًا من الجوع وانعدام الأمن الغذائي([xxi]).
وعلى الرغم من حدوث انفراجة عقب توقيع اتفاق حبوب البحر الأسود بين الجانبين الروسي والأوكراني، والذي سمح للسفن المحملة بالحبوب بالانطلاق للدول التي هي في حاجة إلى الحبوب الغذائية، وتسجيل انطلاق نحو 20 مليون طن وسط توقعات بارتفاع الرقم إلى 75 مليون طن إذا استمر اتفاق استئناف تصدير الحبوب الذي تم تمديده 4 أشهر في نوفمبر الماضي، إلا أن هذه الانفراجة لم تسفر عن تحقيق أمن غدائي لإفريقيا([xxii])، بل إن الاتفاق مهدَّد بالجمود بعدما أعلنت وزارة الخارجية الروسية في مايو 2023م أن تمديد “صفقة الحبوب” سيكون حتى 17 يوليو المقبل، وأن روسيا ستوقف العمل بهذه الصفقة في الموعد المحدد في حال لم تُحَلّ الإشكاليات المتعلقة بالجزء الروسي من الاتفاق([xxiii])، وهو ما يُنذر بتفاقم أزمة الغذاء في القارة.
3- تفاقم أزمة الطاقة وضعف تدابير الدعم الإفريقي
بحلول منتصف عام 2022م، ارتفعت أسعار الطاقة العالمية إلى أعلى مستوى لها منذ ثلاثة عقود، وارتفعت تكاليف الغاز الطبيعي إلى أكثر من 300 يورو لكل ميغاواط/ ساعة. وعلى العكس من الحكومات الأوروبية التي تمكَّنت من إطلاق سياسات حماية لمواطنيها للتحفيف من تداعيات صدمات الأسعار، لم يكن لدى الحكومات الإفريقية الحيّز المالي لحماية المستهلكين بمثل هذه التدابير الواسعة النطاق والتي تشتد الحاجة إليها لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، بالإضافة إلى ضغوط التقلبات في أسعار الصرف، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وارتفاع معدل التضخم إلى 40% في البلدان الإفريقية([xxiv]).
علاوة على ذلك، تعاني سبع دول إفريقية من ضائقة ديون منذ يناير 2023م، وهناك 14 دولة أخرى مُعرَّضة لخطر كبير من ضائقة الديون، ممّا يجعلها غير قادرة على تنفيذ تدابير حماية تجاه مواطنيها. ونتيجة لذلك، شعرت الأُسَر الإفريقية التي تنفق بالفعل، وفقًا لصندوق النقد الدولي، أكثر من 50% من إجمالي استهلاكها على الغذاء والطاقة، بالتأثير الكبير لارتفاع أسعار الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب الأوكرانية، إلى جانب آثارها غير المباشرة على تكلفة النقل والسلع الاستهلاكية([xxv]).
إجمالًا لما سبق:
على الرغم مما تتمتع به دول القارة من ثِقَل ومكانة في الساحة الدولية في ضوء شراكاتها المتعددة الأطراف مع مختلف دول العالم، لا سيما عقب اندلاع الحرب الأوكرانية وتحول إفريقيا لإحدى ساحات التنافس الروسي الأمريكي؛ إلا أن هناك العديد من المؤشرات الدالة على أنه من المحتمل ألّا تحقق المبادرة أهدافها؛ أبرزها مستجدات الوضع الميداني للحرب في أوكرانيا، وما صدر من تصريحات مِن قِبَل طرفي النزاع أو أحدهما بعدم وجود مجال في الوقت الراهن لتجميد النزاع والبدء في مفاوضات، وأن كل منهما يسعى لتحقيق أهدافه من هذا النزاع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[i] – خطة إفريقيا للسلام في أوكرانيا.. كيف تختلف عن سابقاتها؟، سكاي نيوز، 16 مايو 2023م. https://cutt.us/pVmR8
[ii] – المرجع السابق.
[iii] – مبادرة سلام إفريقية لإنهاء أزمة أوكرانيا، الاتحاد، 17 مايو 2023م. https://cutt.us/Tbl7y
[iv] – بوغدانوف: لا يوجد لدينا تفاصيل بشأن المبادرة الإفريقية، سبوتنيك عربي، 18 مايو 2023م. https://cutt.us/xKfvz
[v] – لافروف: بعثة الدول الإفريقية لتسوية الأزمة الأوكرانية تخطط لزيارة روسيا منتصف يونيو القادم، الأهرام، 18 مايو 2023م.
https://gate.ahram.org.eg/News/4296428.aspx
[vi] – المرجع السابق.
[vii] – روسيا وأوكرانيا: نفوذ موسكو يتزايد في إفريقيا بينما يركز العالم على الحرب. بي بي سي، 12 مايو 2022م.
https://www.bbc.com/arabic/inthepress-61417824
[viii] – خطة إفريقيا للسلام في أوكرانيا.. كيف تختلف عن سابقاتها؟، سكاي نيوز، 16 مايو 2023م. https://cutt.us/pVmR8
[ix] – خالد عكاشة، خطة سلام إفريقية لإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، 20 مايو 2023م. https://ecss.com.eg/34192/
[x] – هل تنجح وساطة إفريقيا في حل الأزمة الروسية الأوكرانية؟.. ماذا يقول المصريون؟، روسيا اليوم، 17 مايو 2023م
[xi] – مبادرة سلام إفريقية لإنهاء أزمة أوكرانيا، الاتحاد، 17 مايو 2023م. https://cutt.us/Tbl7y
[xii] -S Africa army chief visits Moscow in wake of US weapons claim, 16 May 2023 .
[xiii] -Idem
[xiv] -Idem
[xv] -Idem
[xvi] –Idem
[xvii] -Idem
[xviii] -Idem
[xix] – صورة بالأرقام.. هذا ما فعلته حرب أوكرانيا في غذاء إفريقيا، سكاي نيوز، 25 فبراير 2023م. https://cutt.us/wjVsP
[xx] -Bitsat Yohannes-Kassahun, One Year Later: The impact of the Russian conflict with Ukraine on Africa, UN , 13 February 2023.
[xxi] -Bitsat Yohannes-Kassahun, OP.CIT.
[xxii] – المرجع السابق.
[xxiii] – روسيا تعلن تمديد صفقة الحبوب حتى يوليو المقبل، اليوم السابع، 18 مايو 2023م. https://cutt.us/QEgKJ
[xxiv] -Bitsat Yohannes-Kassahun, OP.CIT.
[xxv] –Idem