فرض الغرب على إيران عقوبات اقتصادية قاسية؛ بسبب برنامجها وطموحها النووي، وهو ما أدْخَلها في عزلة سياسية، أثَّرت على علاقاتها الدولية سلبًا لأكثر من عقدين من الزمان؛ إلا أن تفاعلات السياسة الخارجية الإيرانية في الآونة الأخيرة، كشفت عن رغبة قادتها في كسر هذه العزلة وتجاوز تلك العقوبات، وهو ما حدا بهم للبدء في عملية انفتاح واسعة النطاق، تهدف إلى استعادة وترميم علاقاتها بالعالم الخارجي، بما في ذلك علاقاتها بالدول الإفريقية.
وعلى الرغم من أن العلاقات الإيرانية الإفريقية، تضرب بجذورها إلى ما قبل الثورة الإيرانية؛ إلا أن تحليل جغرافيا السياسة الخارجية الإيرانية، يُنْبِئ بوضوح أن إفريقيا باتت من أهم دوائرها بعد الثورة، وقد أَوْلَى رؤساء إيران السابقون -على تفاوتٍ فيما بينهم- اهتمامًا بالغًا بإفريقيا، باستثناء الرئيس السابق حسن روحاني، الذي خبا النشاط الإيراني في إفريقيا خلال فترة رئاسته بدرجة كبيرة، فلما جاء الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، استهلَّ رئاسته بالتأكيد أهمية القارة، وحِرْص إدارته على استعادة وتمتين وتطوير العلاقات الإيرانية الإفريقية.
وفي هذا الإطار ترصد هذه الورقة، مدى اهتمام ساسة إيران بتمتين علاقاتها بإفريقيا، وبعضًا مما وَلَجُوه من مداخل، وما استخدموه من وسائل وأدوات، وما حقَّقوه من نتائج ونجاحات، وصولاً للوقوف على أسباب هذا النشاط المفاجئ، وتلك العودة الإيرانية النشطة إلى الفضاء الإفريقي، والتعرف على أهم ملامح السياسة الخارجية الإيرانية الجديدة تجاه القارة، وذلك عبر المحاور التالية:
زخم كبير واهتمام إيراني بالغ بإفريقيا:
ما أن استقر نظام الحكم في إيران في أعقاب ثورة 1979م، حتى توجّه الساسة إلى الفضاء الإفريقي يُعزّزون علاقاتهم بدول القارة، فتتابعت وتكررت زيارات المسؤولين الإيرانيين للدول الإفريقية، وخاصةً على مستوى رؤساء الدولة؛ حيث زار الرئيس علي خامنئي (1981 – 1989م) إفريقيا (7) زيارات لـ (6) دول هي: ليبيا والجزائر (1984م)، وتنزانيا وزيمبابوي وأنجولا وموزمبيق (1986م)، ثم عاود زيارة زيمبابوي في نفس العام. ثم واصل الرئيس التالي علي أكبر هاشمي رفسنجاني (1989 – 1997م) الاهتمام بإفريقيا، فزارها (8) زيارات لـ(7) دول هي: السنغال والسودان (1991م)، وكينيا وأوغندا والسودان للمرة الثانية وتنزانيا وزيمبابوي وجنوب إفريقيا (1996م).([1])
بعد ذلك زاد اهتمام الرئيس التالي محمد خاتمي (1997– 2005م) بالدائرة الإفريقية، فزارها (10) زيارات لـ(10) دول هي: جنوب إفريقيا (1998م)، والجزائر والسودان (2004م)، ونيجيريا والسنغال وسيراليون ومالي وبنين وزيمبابوي وأوغندا (2005م)، وفي أقصى درجات الاهتمام زار الرئيس التالي محمود أحمدي نجاد إفريقيا (21) زيارة لـ(16) دولة هي: غامبيا والسنغال (2006م)، والسودان والجزائر (2007م)، والسنغال للمرة الثانية (2008م)، وكينيا وجزر القمر وجيبوتي، وغامبيا للمرة الثانية، والسنغال للمرة الثالثة (2009م)، وزيمبابوي وأوغندا ومالي ونيجيريا والجزائر للمرة الثانية (2010م)، وموريتانيا والسودان للمرة الثانية (2011م)، ومصر وبنين والنيجر وغانا (2013م)، بعد ذلك غابت الرئاسة الإيرانية عن الساحة الإفريقية، في عهد الرئيس حسن روحاني (2013-2021م)، ثم أحيا الرئيس إبراهيم رئيسي سُنّة الأولين، وبدأ بعد سنتين من حُكمه في زيارة العواصم الإفريقية في يوليو 2023م.([2])
تغلغل إيراني واسع النطاق في إفريقيا:
تغلغلت إيران بعمق في الفضاء الإفريقي، عبر مداخل مختلفة (سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية)، واستخدمت في سبيل ذلك حزمة كبيرة من الوسائل والأدوات الناجعة، وحقَّقت سياستها الخارجية تجاه إفريقيا بالفعل قدرًا كبيرًا من أهدافها.
ففي المجال السياسي، وبخلاف الزيارات رفيعة المستوى سالفة البيان؛ أقامت إيران علاقات دبلوماسية رسمية مع (26) دولة من أصل (54) دولة إفريقية؛ فهناك تمثيل دبلوماسي متبادل على مستوى السفارات بين إيران و(15) دولة إفريقية؛ وهي: الجزائر، وبوركينا فاسو، وكوت ديفوار، وغانا، وغينيا كوناكري، وليبيا، ومالي، وموريتانيا، ونيجيريا، والسنغال، والصومال، وجنوب إفريقيا، وتونس، وأوغندا، وزيمبابوي. وتمثيل دبلوماسي إيراني على مستوى السفارات في (9) عواصم إفريقية لا يمثلها أيّ تمثيل دبلوماسي مقيم في طهران؛ وهي: مصر، وإثيوبيا، وتنزانيا، وكينيا، ومدغشقر، وناميبيا، والنيجر، والصومال، والكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى سفارة لغينيا بيساو، وقنصلية لليسوتو في طهران، دون أن يقابلها تمثيل دبلوماسي مقيم في العاصمتين بيساو وماسيرو.([3])
وفي المجال الاقتصادي، وبالتركيز على قطاع التجارة الخارجية؛ نلاحظ أن حجم التبادل التجاري بين إيران والدول الإفريقية تضاعف بصورة مطردة في العقدين الماضيين، فبعد أن كانت قيمة الصادرات الإفريقية من البضائع إلى إيران عام 2000م، تُقدَّر بحوالي (205,9) مليون دولار، زادت عام 2010م إلى حوالى (335,5) مليون دولار، وزادت عام 2022م إلى حوالى (798.7) مليون دولار، وبعد أن كانت صادرات إيران إلى إفريقيا عام 2000م، تُقدَّر بحوالي (1,581) مليار دولار، زادت إلى أقصاها عام 2008م فبلغت (4,663) مليار دولار، ثم أخذت في التراجع أواخر عهد أحمدي نجاد، ثم تراجعت بصورة حادة في عهد روحاني، وصولاً إلى بدايات عهد رئيسي؛ حيث انخفضت في عام 2022م إلى حوالي (300,3) مليون دولار.([4])
كما نلاحظ سيطرة الجاليات اللبنانية الشيعية، على مفاصل الاقتصاد في غرب إفريقيا؛ حيث يسيطرون على حوالي 60% من أغلب قطاعات الاقتصاد في كوت ديفوار، عبر (4) آلاف مؤسسة اقتصادية من بينها حوالى (1500) مؤسسة صناعية، كما يسيطرون على حوالى 80% من تجارة الماس والذهب، وعلى النسبة الأكبر من تجارة الجملة والتجزئة والبيع بالتقسيط، وتشير بعض التقارير إلى أن اللبنانيين الشيعة، يسيطرون على حوالي 60% من حجم التعاملات التجارية والصناعية في بوركينا فاسو.([5])
أما في المجال العسكري؛ فقد رصدت بعض التقارير، زيادة كبيرة في حجم تجارة السلاح الإيراني غير المشروعة، عبر انتشار الأسلحة الصغيرة والذخيرة الإيرانية، في كثيرٍ من الصراعات الإفريقية، وقدَّم أحد التقارير أدلة موثقة في (14) حالة صراعية مسلحة، منها (4) حالات فقط كان استخدام السلاح مِن قِبَل القوات الحكومية، و(10) حالات مِن قِبَل كيانات غير شرعية من دون الدولة، وشمل التحقيق (9) دول إفريقية هي: كوت ديفوار، جمهورية الكونغو الديمقراطية، غينيا كوناكري، كينيا، النيجر، أوغندا، المغرب، السودان، وجنوب السودان.([6])
وفي المجال الاجتماعي والثقافي، كثَّفت إيران نشاطها في نشر التشيع في إفريقيا؛ حيث استقطبت الكثير من البعثات التعليمية، سواء إلى إيران أو إلى لبنان ومنها إلى إيران، ودشَّنت اتحادًا طلابيًّا لهؤلاء الطلبة الأفارقة في الجامعات الإيرانية، وأنشأت جامعة المصطفى الدينية في مدينة قم الإيرانية، واتخذت هذه الجامعة فروعًا لها في العديد من الدول الإفريقية، كما افتتحت السفارات الإيرانية الكثير من المراكز الثقافية والدينية؛ مثل مركز الخرطوم الذي وصل عدد فروعه إلى (26) فرعًا قبل إغلاقه عام 2014م، ومركز التبيان الثقافي في جزر القمر، ورابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية في السنغال، والمركز الثقافي الإيراني في هراري بموزمبيق، ومراكز أخرى في إريتريا وغانا وغينيا كوناكري، كما نجحت في إدراج أقسام للدراسات الإيرانية في عدة جامعات إفريقية، منها كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بجامعة “شيخ أنتا ديوب” بالسنغال.([7])
دوافع وأسباب العودة الإيرانية إلى الساحة الإفريقية:
في ظل احتدام المنافسة، أو بالأحرى الصراع الدائر في النظام الدولي، واستعدادًا وترقُّبًا لما سيشهده هذا النظام غير المستقر حتمًا من تغييرات حذرية، اتجهت أنظار كافة القوى الدولية، كبيرها وصغيرها، إلى إفريقيا، باعتبارها مستودع ثروات العالم، والمَعِين الذي لم ينضب، على الرغم من النَّهْب الممنهج الذي تعرَّض له على مر القرون، وفي هذا السياق كان منطقيًّا أن تحاول إيران استعادة نشاطها على الساحة الإفريقية، وبخاصة مع طول الحصار الغربي المضروب عليها، وفي ظل الرغبة المتنامية لدى الأفارقة، في التحرر من ربقة الهيمنة الغربية، والتي تتعامل مع القارة باعتبارها ميراثًا استعماريًّا تاريخيًّا، لا يحق للأفارقة الفكاك منه.
ويمكن تلخيص أسباب هذه العودة الإيرانية المفاجئة والطموحة فيما يلي:
1- رسائل سياسية للغرب:
لن يجد المدقق عناءً في إماطة اللثام عن جملة من الرسائل السياسية، التي وجَّهها الرئيس إبراهيم رئيسي للغرب عبر سياساته الخارجية، فهذا النشاط المكثَّف والتطبيع السَّلِس مع العالم الخارجي، بما في ذلك أعداء وفُرَقاء الأمس، يقول للغرب وبوضوح: “لن نقف أمام الملف النووي وقتًا أكثر من ذلك.. سنتجاوزه.. ولتذهب عُزلتكم وعقوباتكم إلى الجحيم بلا رجعة”.
وكان البرنامج النووي الإيراني، قد خضع للتضييق والتدقيق في أعقاب الثورة الإيرانية، بسبب شكوك تحوم حول رغبة إيران في امتلاك أسلحة نووية، ومع مطلع القرن الحادي والعشرين؛ تأكدت شكوك الغرب، فراحت الولايات المتحدة وحلفاؤها، يفرضون العقوبات تلو الأخرى على إيران؛ ومن هنا التأمت وساطات ومباحثات ومفاوضات طويلة، انتهت إلى توقيع إيران على خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015م، والمعروفة بالاتفاق النووي، من أجل رفع العقوبات عنها، والحصول على شرعية دولية.
وما أن شرع الأطراف في تنفيذ هذا الاتفاق النووي، حتى انسحبت إدارة الرئيس “دونالد ترامب” منه عام 2018م، وعادت إلى تشديد العقوبات، ومن حينها لم تُفلح الجهود المبذولة لإحياء الاتفاق مرة أخرى. هذا وقد زادت السياقات الدولية المضطربة، وبخاصة الحرب الروسية الأوكرانية، من صعوبة هذا الأمر، وهو ما أدى إلى إصابة الاتفاق المتعثر أصلاً بحالة من الجمود.
من هنا، وفي تكتيك تفاوضي؛ عمدت إيران إلى توجيه رسائل عملية شديدة اللهجة إلى الغرب، عبر انفتاحها على العالم الخارجي، بما في ذلك الساحة الإفريقية؛ للتأكيد على قدرتها على كَسْر عزلتها الدولية، والتخفيف من التأثيرات السلبية البالغة للعقوبات الغربية المفروضة عليها، بعيدًا عن ورقة ضغط الملف النووي.([8])
2- دعم إيران وتعزيز مكانتها في النظام الدولي:
يخضع النظام الدولي حاليًّا لعمليات دقيقة، لا شك في أنها سوف تُغيِّر من ملامحه كثيرًا، ومن هنا يبادر كل الفاعلين الدوليين، إلى تحصيل الأسباب التي تُعزِّز مكانتهم مستقبلاً في النظام الدولي الجديد المرتقب، وهناك إجماع دولي غير مقصود لذاته، على أن الحضور في الفضاء الإفريقي، يعد من أهم هذه الأسباب؛ فالأصوات الإفريقية في محافل المجتمع الدولي، لها تأثير لا يُستهان به، وهو أيضًا آخِذ في النمو، ومن هنا تسعى إيران إلى كسب القدر الأكبر من هذه الأصوات الإفريقية في جانبها.
3- انتهاز فرصة الانفتاح الإفريقي:
ثمة انفتاح إفريقي لا تخطئه عين على تنويع الشركاء الدوليين، وعدم التقوقع تحت الهيمنة الغربية، وبخاصة تلك التي يفرضها المستعمرون السابقون على مستعمراتهم الإفريقية، وليس أدلّ على ذلك من تنامي العلاقات الإفريقية مؤخرًا مع المعسكر الشرقي، بل ومع القوى الدولية الصاعدة أيضًا، هو ما حدا بإيران إلى المبادرة بانتهاز هذه الفرصة السانحة، والتي قد لا تتكرر في المدى المنظور مستقبلًا.
4- تدارك التراجع في العلاقات الإيرانية الإفريقية:
مر معنا أن إيران أقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع (26) دولة إفريقية، غير أن هذا العدد كان قد تجاوز الثلاثين في أوقات سابقة، لكنه تقلَّص مؤخرًا؛ حيث قامت عدة دول إفريقية، بقطع علاقاتها رسميًّا مع إيران، على خلفية الأنشطة السرية التي تقوم بها الأذرع الإيرانية، لتغذية الصراعات والكيانات المزعزعة الاستقرار. ومن هذه الدول: السودان والمغرب وجيبوتي وكوت ديفوار والسنغال وغامبيا، ولا تزال العلاقات مع بعض هذه الدول مقطوعة، وهو ما دفع إيران نحو تحسين علاقاتها الإفريقية مجددًا.([9])
5- جلب المواد الخام وتعظيم العوائد الاقتصادية:
تسعى إيران إلى تأمين وتنويع مصادرها من الموارد الطبيعية، كالمنتجات الزراعية والمعادن، كما تسعى إلى الحصول على خام اليورانيوم، لتغذية برنامجها النووي، في الوقت الذي تُعدّ فيه إفريقيا من ناحية أولى سلة غذاء العالم، والمنجم الأكبر عالميًّا للهيدروكربونات والمعادن والعناصر المهمة، وبخاصة عنصر اليورانيوم؛ حيث تمتلك منه ما يُقدَّر بحوالي 18% من الاحتياطي العالمي. ومن ناحية ثانية تساعد البيئة السياسية والأمنية غير المستقرة في إفريقيا، على تهريب كافة البضائع بما في ذلك اليورانيوم، ومن ناحية ثالثة تُعدّ إفريقيا السوق الأكبر عالميًّا لاستيراد البضائع والخدمات، والتي تَجْني الاقتصادات المتعاملة معها أرباحًا طائلة، يصعب تحقيقها في أيّ مكان آخر حول العالم.([10])
الملامح الجديدة للسياسة الخارجية الإيرانية تجاه إفريقيا:
من المُبكّر التعرُّف بوضوح على الملامح الجديدة، للسياسة الخارجية الإيرانية تجاه إفريقيا، لا سيما أن زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي للدول الإفريقية الثلاث، كينيا وأوغندا وزيمبابوي في يوليو 2023م، هي الأولى من نوعها بعد انقطاعٍ امتدَّ لعشر سنوات خلت.
ولا شك في أن الزيارات الرئاسية، تسهم بدرجة كبيرة في توطيد العلاقات السياسية بين الدول، هذا وقد صحب الرئيس في جولته الإفريقية وزير خارجيته، ووفد موسّع من كبار رجال الأعمال الإيرانيين، وقد أسفرت هذه الجولة عن عقد حزمة من الاتفاقيات والمذكرات الاقتصادية، في قطاعات مختلفة أبرزها: التبادل التجاري، والبحث العلمي، وتكنولوجيا التصنيع، والاتصالات.
فقد وقَّعت إيران مع كينيا (5) مذكرات تعاون، في مجالات الاتصالات والصحة وتربية المواشي والصيد البحري، فضلًا عن طرح فكرة تصنيع سيارة إيرانية في مدينة مومباسا، ووقَّعت مع أوغندا (4) وثائق للتعاون والإعفاء من التأشيرات، والتعاون الزراعي، وإنشاء اللجنة المشتركة الدائمة. هذا فضلًا عن افتتاح الرئيس الإيراني مكتبًا للابتكار والتكنولوجيا، يهدف إلى التسويق للمنتجات الإيرانية المعرفية، في مجالات الأدوية والمعدات الطبية واللقاحات وغيرها، فضلًا عن دعم إيران لمشروع إنشاء خط أنابيب، وبناء مصفاة لتكرير للنفط، ووقعت مع زيمبابوي (12) مذكرة تفاهم، في مجالات الطاقة والزراعة والأدوية والاتصالات، والبحث العلمي والتكنولوجيا، من بينها مذكرة بشأن تسليم الجانب الإيراني (200) جرار زراعي كمرحلة أولى، يتبعها نقل تقنية تصنيع تلك الجرارات.([11])
وعلى الرغم من اقتصار الجولة على الجانب السياسي والاقتصادي؛ إلا أن زيارة رئيسي لأوغندا لم تَخْلُ من مسحة دينية؛ حيث زار أكبر مسجد في شرق إفريقيا، وهو موجود في العاصمة كمبالا، ليلتقي مع بعض الشيعية وهم أقلية ضمن مسلمي أوغندا.
وقد أعلنت إيران من نيروبي لأول مرة، عن طائرتها المسيرة “بليكان 2″، المخصَّصة للأغراض الزراعية، والتي تمتلك برنامجًا ذكيًّا للكشف عن مسار التحليق، وتطبيقات مزدوجة لرسم الخرائط ومعالجة الصور، ورش المحاصيل واكتشاف الآفات الزراعية، واعتبر البعض ذلك ترويجًا لقدرات إيران، في مجال تصنيع الطائرات المسيرة، كمدخل لتسويق المُسيَّرات العسكرية الإيرانية في إفريقيا مستقبلًا.
ومن هنا يمكن القول بأن السياسة الخارجية الإيرانية تجاه إفريقيا، قد غيَّرت من أولوياتها؛ فالمؤشرات الأولية المرتكزة على ملابسات ونتائج زيارة “رئيسي” الأولى للقارة، تنبئ عن أن المدخل السياسي والاقتصادي، أصبحا قاطرة العلاقات الإيرانية الإفريقية، فيما تراجع المدخل العسكري والأيديولوجي والثقافي خطوةً إلى الوراء؛ فغالب الظن أن إيران تخلَّت نسبيًّا -ولو مؤقتًا- عن التسليح غير المشروع للفاعلين من غير الدولة، وعن فكرة تصدير الثورة، وعن السعي لنشر التشيُّع، تحت وطأة رغبتها في تحسين صورتها الذهنية السلبية، والتي خلَّفتها الآلة الإعلامية الغربية لدى الأفارقة، وأسهم سوء التقدير الإيراني سابقًا في ترسيخها.
الخلاصة:
تمكَّن النظام الإيراني الحالي، من إصابة عدة أهداف من رمية واحدة، فمن ناحية أولى بعثت جولة الرئيس إبراهيم رئيسي الأولى في إفريقيا، برسالة عملية واضحة للغرب، تؤكد أن إيران لن تقف طويلًا عند معضلة الملف النووي، وأن هذه المعضلة لم تَعُد تمثل ورقة ضغط على الإرادة الإيرانية، وأن إيران تستطيع كسر عُزلتها وتجاوز العقوبات المفروضة عليها، ومن ناحية ثانية شرعت إيران فعليًّا في استعادة نشاطها في إفريقيا، وفقًا لاستراتيجية جديدة، يرجح أن تخلو من أخطاء الماضي أو تتفاداها، بما يسهم بدرجة كبيرة في تحقيق السياسة الخارجية الإيرانية تجاه إفريقيا لأهدافها، بما في ذلك كسر العزلة السياسية، وتخفيف التأثيرات السلبية للعقوبات الاقتصادية.
…………………………
([1]) د. معتصم صديق عبد الله، “الوجود الإيراني في إفريقيا.. الدوافع والأهداف”، علي موقع المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، تحققت آخر زيارة في 30 يوليو 2023 الساعة 1:00م، على الرابط:
https://tinyurl.com/2s46xybz
([2]) لطفي صور، “سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه إفريقيا في فترة حكم أحمدي نجاد”، في مجلة الناقد للدراسات السياسية (بسكرة، الجزائر: مخبر أثر الاجتهاد القضائي على حركة التشريع، كلية الحقوق والعلوم السياسية). جامعة محمد خيضر، العدد ١، أكتوبر ٢٠١٧) ص ص ٢١٧-٢٤٠.
([3]) البيانات من إعداد الباحث استنادًا إلى التمثيل الدبلوماسي الوارد علي الموقع الإلكتروني “صفحات دبلوماسية” Embassy Pages، تحققت آخر زيارة في 30 يوليو 2023م الساعة 1:05م، على الرابط:
https://www.embassypages.com/iran
([4]) البيانات من إعداد الباحث استنادًا إلى إحصائيات موقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ”أونكتاد”، تحققت آخر زيارة في 30 يوليو 2023م الساعة 1:10م، على الرابط:
https://unctadstat.unctad.org/datacentre/
([5]) محمد الأمين سوادغو، “انتشار التشيع وتأثيره في النسيج الاجتماعي في غرب إفريقيا”، في مجلة قراءات إفريقية (لندن: المنتدى الإسلامي، العدد ٢٧، مارس ٢٠١٦م) ص ص 6-15.
([6]) Holger Anders, et. al., “The Distribution of Iranian Ammunition in Africa: Evidence from a Nine-country Investigation“, (London :Conflict Armament Research, Report, 2012), Pp.10-42.
([7]) د. بدر حسن شافعي، “الدور الإيراني في إفريقيا: المحددات التحديات” (إسطنبول: المعهد المصري للدراسات، سلسلة دراسات سياسية، ١٤ فبراير ٢٠٢٠م) ص ص ١٦-١٨.
([8]) هدى رؤوف، “بين كسر العزلة والعقوبات.. إيران تسعى إلى القبول الإقليمي والدولية”، علي موقع إندبندنت عربية، تحققت آخر زيارة في 30 يوليو 2023م الساعة 1:15م، على الرابط:
https://tinyurl.com/4ufstynn
([9]) منبر الدفاع الإفريقي، “الحرس الثوري الإيراني يوجّه أنظاره لإفريقيا”، على موقع “منبر الدفاع الإفريقي” الإلكتروني، تحققت آخر زيارة في 30 يوليو 2023 الساعة 1:20م، على الرابط:
https://tinyurl.com/2d4xehm6
– بي بي سي نيوز عربية، “السنغال تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران”، علي الموقع الإلكتروني “بي بي سي نيوز عربية”، تحققت آخر زيارة في 30 يوليو 2023م الساعة 1:25م، على الرابط:
https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2011/02/110223_senegal_iran_diplomatic_ties
([10]) د. عباس محمد شراقي، “اليورانيوم والطاقة النووية في إفريقيا“، (القاهرة: مركز البحوث الإفريقية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، التقرير الاستراتيجي، 2007م) ص ص 1-13.
([11]) المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، “احتواء الضغوط: دوافع زيارة الرئيس الإيراني إلى شرق إفريقيا” (أبوظبي: المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تقديرات المستقبل، العدد 1858، 17 يوليو 2023م) ص ص ١-٣.