بقلم: بريال ساين* وودينيس ريفا*
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
على الرغم من أهمية الوساطة الإفريقية في إطار مساعي البحث عن الحلول للصراع الدائر حاليًّا بين روسيا وأوكرانيا؛ إلا أنه يجب أن تكون هذه المبادرات أكثر تعاونًا وتنظيمًا وأفضل إعدادًا.
لكنَّ مهمة السلام الإفريقية في أوكرانيا وروسيا تمثل خطوة تاريخية للقارة؛ باعتبارها المرة الأولى التي تقوم فيها الدول الإفريقية بالوساطة في صراع خارج القارة السمراء.
وضم الوفد قادة وممثلين من جزر القمر والكونغو برازافيل ومصر والسنغال وأوغندا وزامبيا وجنوب إفريقيا التي قادت البعثة. وتوجهت البعثة، بعد أوكرانيا في 16 يونيو 2023م، إلى روسيا في اليوم التالي لمناقشة حلّ سِلْمي للحرب.
وعلى الرغم من محدودية نجاحها؛ إلا أن هذه المهمة سلَّطت الضوء على الالتزام الجماعي لهذه الدول الإفريقية بحل دبلوماسي. وهذا يؤكد الأهمية التي يعلقونها على وقف الصراع، الذي لا ينظرون إليه كحرب بعيدة عنهم؛ بل باعتبارها أزمة ذات تداعيات مباشرة على القارة الإفريقية.
وإلى جانب آثار الحرب على الأمن الغذائي لإفريقيا، تُؤكّد البعثة على محورية ميثاق الأمم المتحدة ومدى تعريض الصراع أُسُس النظام الدولي ذاتها للتساؤلات.
ويزداد الأمر أهميةً نظرًا لما تعانيه العديد من البلدان النامية، لا سيما في إفريقيا جنوب الصحراء، من صعوبات لتبرير موقفها بعدم الانحياز؛ فضلاً عن انقسام الدول الإفريقية في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وامتناع العديد من الدول باستمرار عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولذلك فإن مهمة السلام تساهم في تبديد الانطباع بأن الدول الإفريقية هي جهات عديمة الاهتمام، وضعيفة المسؤولية في الحفاظ على نظام عالمي عادل قائم على أُسُس القانون الدولي.
تأكيد البعثة على موقف إفريقيا بشأن محورية ميثاق الأمم المتحدة:
نجحت المبادرة أيضًا في تقديم اقتراح في كييف وموسكو، وهي وساطة مزدوجة لا يستطيع سوى عدد قليل من الجهات الفاعلة الدولية القيام بها حاليًا. على الرغم من عدم الإعلان عن تفاصيل المهمة قبل الرحلة؛ فقد حدّد رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا خطة سلام من عشر نقاط. ويؤكد الاقتراح على أهمية السيادة الإقليمية والتخفيف التدريجي للتوتر بين طرفي النزاع عطفًا على ضرورة إيجاد ضمانات الأمان لجميع الأطراف.
تضمن اقتراح بعثة السلام الإفريقية النقاط العشر التالية:
1– ضرورة إيجاد إطار للحوار بين الطرفين على أساس الاحترام المتبادل.
2- استحالة حل الخلاف الدائر خارج إطار الحوار والتفاوض.
3- ضرورة إعطاء الطرفين الأولوية لإجراءات تخفيف التصعيد العسكري.
4- الاعتراف بسيادة الدول، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، ضروري لحل هذا النزاع.
5- محورية الضمانات الأمنية لجميع دول العالم.
6- ضرورة فتح سلاسل الإمداد، خاصةً في البحر الأسود، للتجارة الحرة.
7- يتعيّن ضمان توفير المساعدات الإنسانية لجميع الأشخاص المتضررين بالنزاع بشكل مباشر.
8- ضرورة اتخاذ إجراءات مِن قِبَل روسيا وأوكرانيا لتحرير أسرى الحرب، وحماية الأطفال المتأثرين بالنزاع وإعادتهم إلى بلدهم الأصلي.
9- إيلاء الأولوية لجهود إعادة الإعمار بعد وقف الحرب ووقف كافة الأعمال العدائية.
10- التزام الدول الإفريقية بالمشاركة في المساعي الرامية إلى إخماد فتيلة النزاع بين روسيا وأوكرانيا.
واجهت البعثة، على الرغم من هذه النجاحات، العديد من التحديات الكبيرة والناجمة، إلى حد كبير، عن الافتقار إلى الشفافية، وضعف التواصل، بالإضافة إلى التساؤلات المثيرة حول تصميمها وتخطيطها.
واللافت للنظر هو الدور المركزي الذي لعبته من وراء الكواليس مؤسسة برازافيل، ومقرها في لندن، والتي يديرها رجل الأعمال الفرنسي: جان إيف أوليفييه، رغم تنوّع القنوات الدبلوماسية العديدة المتاحة للقادة الأفارقة. كما أشارت المعلومات أيضًا لرجل الأعمال الجنوب إفريقي في صناعة التسلح والدفاع العالمية؛ إيفور إيتشيكويتز، ودوره في بعثة السلام لدعم الشكوك حول استقلال الأخير وسمعته. إلى جانب اهتماماته بتجارة الأسلحة؛ حيث يدعم إيتشيكويتز ماليًّا المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا.
وأضفى حضور الرئيسين: ماكي سال (السنغال) وغزالي عثماني (جزر القمر) ثقلًا سياسيًّا وشرعية. وعلى الرغم من التوزيع الإقليمي للدول المشاركة في المبادرة إلا أنه يُثار سؤال مهم مفاده: لماذا لا تسعى هذه الدول إلى مجموعة أوسع من المصالح الإفريقية؟
علاوة على ذلك، لا يمكن تجاهل سوء الإدارة اللوجستية الواضحة لفريق رئيس جنوب إفريقيا رامافوزا، الأمر الذي شوَّه صورة جنوب إفريقيا كلاعب عالمي يتمتع بالكفاءة والاحترام.
نجاح مهمة السلام الإفريقية:
ما زالت المسؤولية غير مؤكدة بين مكتب الرئاسة وخدمات الحماية الرئاسية -التي استأجرت الطائرة التي تم تثبيتها على الأرض في بولندا- حول الكشف عن زيارة رامافوسا لكييف وسانت بطرسبرغ بدون فريقه الأمني الكامل.
كما أظهرت الرسائل المتناقضة بين رامافوسا والناطق الرسمي باسمه، فينسنت ماجوينيا -بشأن التهديد الذي تُشكِّله الصواريخ الروسية المستهدفة لكييف خلال الرحلة- سوء التواصل وضعف موقف جنوب إفريقيا كقائد للبعثة.
انتهت الجولة الأولى من المفاوضات بنتائج نسبية. وقد رفض الجانبان الخطة الإفريقية معتبرين أنها غير قابلة للتطبيق. ومع ذلك، ليس هذا هو الفشل الأول لمحاولة دولية لإيجاد حل سلمي للحرب. كما حققت المقترحات المقدمة من الصين وإندونيسيا في وقت سابق من هذا العام نجاحًا متواضعًا. في كل مرة، لم ترغب روسيا ولا أوكرانيا في إعادة النظر في مواقفهما.
ترى أوكرانيا أنه ليست هناك عملية سلام ممكنة مع استمرار القوات الروسية في احتلال أراضيها السيادية. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك، رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الدعوات لإجراء مفاوضات فورية، قائلاً: “السماح الآن بمفاوضات مع روسيا، بينما المحتل على أراضينا، يجمّد الحرب ويجمّد كل شيء: الألم والمعاناة”.
ومن جانبه أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للوفد الإفريقي ضرورة أخذ “الحقائق الإقليمية الجديدة” في الاعتبار حتى تستمر المفاوضات. كما عدّلت موسكو، في سبتمبر 2022م، دستورها لدمج أربع مقاطعات أوكرانية ككيانات فدرالية جديدة لروسيا الاتحادية، مما يجعل أي “تنازل” إقليمي طوعي لأوكرانيا أمرًا مستبعدًا.
معاناة البعثة من النقص في التواصل والشفافية أثارت الشكوك حولها:
في ظل غياب إرهاصات تهدئة في الأفق، أثبت الصراع أن له تأثيرًا ماديًّا على إفريقيا، لا سيما على أمنها الغذائي. من المرجَّح أن يؤدي التدمير الأخير لسد نوفا كاخوفكا، في قلب الأراضي الزراعية في أوكرانيا، إلى الحد من إنتاج الغذاء لسنوات، مما يؤدي إلى تفاقم نقص الغذاء، لا سيما بعد تنفيذ روسيا تهديدها بالانسحاب من اتفاقية حبوب البحر الأسود، التي كانت تضمن خروج الصادرات الزراعية من الموانئ الأوكرانية.
ومن الواضح أن من مصلحة إفريقيا التعامل مع روسيا وأوكرانيا، ليس فقط من أجل السلام، ولكن أيضًا لتقليل الأضرار التي تسببها الحرب في القارة. من خلال نقل هذا الموقف بشكل استباقي إلى كلا الطرفين وفتح الأبواب أمام ارتباطات مستقبلية، سيتم الاستماع إلى موقف إفريقيا.
ستتأثر إفريقيا أيضًا بالتيارات الجيوسياسية المتقلبة بشكل متزايد بسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا. يجب إدارة العلاقات مع القوى الدولية الكبرى بعناية، كما يجب أن تكون إجراءات الدول الإفريقية لحماية النظام الدولي القائم على القواعد واضحة.
وفي هذا الصدد، حققت البعثة بعض النتائج الإيجابية، بما في ذلك إطلاق القمة الأوكرانية الإفريقية كمنصة لتعاون أوثق. لكنَّ المشاركة الإفريقية في هذه المبادرة تحتاج إلى إضفاء الطابع الرسمي على تمثيل المصالح الجماعية الأوسع.
من جهة أخرى تعد مهمة حفظ السلام الإفريقية خطوة أولى مهمة للقارة وتُضْفي بعدًا إضافيًّا على الجهود العالمية لإيجاد حل دبلوماسي لهذه الأزمة. كما أنها تمهّد الطريق لمزيد من المشاركات بين إفريقيا وروسيا وأوكرانيا، وتسهم في إعادة التعريف بصورة إفريقيا كصاحبة مصلحة مباشرة في إنهاء الحرب.
ومع ذلك، ولتحقيق بعض التماسك والزخم نحو السلام؛ تحتاج الدول الإفريقية إلى نهج استراتيجي مشترك من أجل الاستفادة من تأثيرها الجماعي على المسرح العالمي.
__________________________
الهامش:
* بريال سينغ، كبير الباحثين، إفريقيا في العالم.
* ودينيس ريفا، باحث في مشروع ماريتيم آي إس إس بريتوريا
رابط المقال:
https://issafrica.org/fr/iss-today/la-mission-de-paix-africaine-un-pas-en-avant-un-pas-en-arriere