كتبه: حامد ج سليمان
كاتب نيجيري – كلية القانون بجامعة عثمان بن فودي – صكتو
الأكاديمي والخبير في تاريخ إفريقيا والشتات الإفريقي، البروفيسور حكيم عدي مُعرَّض لخطر إنهاء عمله في جامعة تشيتشيستر بالمملكة المتحدة؛ فلقد ظهرت أخبار الشهر الماضي -في نهاية يوليو 2023م- أن الجامعة أوقفت جميع عمليات التسجيل في دورة الماجستير عن طريق البحث (MRes) في تاريخ إفريقيا والشتات الإفريقي.
أثار قرار الجامعة، وفقًا للتقارير، غضب الطلاب الحاليين والسابقين الذين يقولون بأن البروفيسور حكيم مهَّد الطريق لإعداد مُؤرّخين من أصل إفريقي وغيرهم من السكان قليلي التمثيل في المملكة المتحدة. وفي حين جاء ذلك القرار بمثابة الصدمة؛ دافعت الجامعة عن نفسها بالقول: “إن الماجستير في تاريخ إفريقيا والشتات الإفريقي لا يجتذب عددًا كافيًا من الطلاب، وهو ما كان سيحافظ على بقاء البروفيسور حكيم”.
الجانب المقلق في هذه القضية هو أن الجامعة يبدو أنها لا تأخذ في الاعتبار تأثير إلغاء الدورة على المحاضر المعني؛ فسيؤثر الإلغاء عن غير قصد على منصب المحاضر وعمله في الجامعة. ولكن على الرغم من ذلك، قال المتحدث باسم الجامعة: إن “الجامعة اتخذت القرار الصعب بتعليق أو إغلاق عدد من دورات الدراسات العليا التي لم تكن مجدية؛ لأن تكلفة تقديمها تفوق الدخل من الرسوم المستلمة، ولذلك تم تعليق برنامج الماجستير في تاريخ إفريقيا والشتات الإفريقي بعد مراجعة مِن قِبَل لجنة تخطيط المناهج”.
وذكرت الجامعة كذلك أنه “منذ إطلاق البرنامج في عام 2017م، استثمرت الجامعة أكثر من سبعمائة ألف جنيه إسترليني في تقديم هذا البرنامج، ولكنها تلقت فقط مائة وخمسين ألف جنيه إسترليني من الرسوم الدراسية خلال نفس الفترة الزمنية”، ومع ذلك، فلم تتم استشارة البروفيسور حكيم عدي قبل قرار إلغاء البرنامج.
من هو البروفيسور حكيم عدي؟
البروفيسور حكيم عدي هو الأستاذ الأول والوحيد في المملكة المتحدة لتاريخ إفريقيا والشتات الإفريقي. يشغل هذا المنصب وهو أيضًا أكاديمي في جامعة تشيتشيستر في المملكة المتحدة.
إنه شخصية ذات خبرة في مجال التاريخ، وله منشورات “تركز على تاريخ الشتات الإفريقي في بريطانيا، وهو موضوع جديد نسبيًّا للدراسة الأكاديمية، ولا سيما على التاريخ السياسي لأفارقة غرب إفريقيا في بريطانيا، وتأثير الشيوعية على العموم الإفريقي، والنشاط الإفريقي المناهض للاستعمار.
البروفيسور حكيم كاتب ومُؤرِّخ وناشط، وهو من ولاية إيكيتي بنيجيريا، وهو مُؤسِّس مشروع المؤرخين الشباب، في حين تهدف معظم أعماله إلى إظهار أن الأفارقة والأشخاص من أصل إفريقي قد ساهموا بشكل كبير في نُمُوّ المجتمع البريطاني، ومع ذلك كثيرًا ما يمرون دون أن يلاحظهم تأثيرهم أحد في تاريخ بريطانيا، بالإضافة إلى الروابط الرئيسة التي تم بناؤها بين أولئك الموجودين في القارة الإفريقية والشتات.
كما أصبح أول أستاذ للتاريخ الأسود في المملكة المتحدة في عام 2015م، وبسبب ضرورة وجود نطاق دولي، أثارت أبحاثه حول منظمات، مثل اتحاد طلاب غرب إفريقيا، اهتمامًا بمجالات أخرى من التاريخ الإفريقي في بريطانيا في القرون السابقة، وكذلك مختلف جوانب الحركة الإفريقية وتأثير الشيوعية على إفريقيا والشتات الإفريقي في النصف الأول من القرن العشرين.
وبغضّ النظر عن كونه أول بريطاني من أصل إفريقي يشغل منصب أستاذ التاريخ في المملكة المتحدة، فهو مُؤلِّف كتاب “الوحدة الإفريقية والشيوعية”، الذي يدرس الأممية الشيوعية وعملياتها في إفريقيا وعلاقاتها بالشتات الإفريقي، بين عامي 1919 و1939م، وخاصةً في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي وبريطانيا وفرنسا. وكواحد من المؤرخين القلائل المتخصصين في تاريخ الشتات الإفريقي، أدَّت أعماله إلى العديد من النقاشات الجادة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
كتابه الأخير: “بان آفريكانيزم: دراسة تاريخية”، هو أول دراسة لحركة عموم إفريقيا في القرن الحادي والعشرين، ولديه أيضًا كتاب سيُطْرَح للنشر في سبتمبر المقبل، يحمل عنوان “الأفارقة والكاريبيون في بريطانيا: دراسة تاريخية”، والذي سيكشف عن العلاقة بين كيفية عيش السود وعملهم وازدهارهم منذ بداية تاريخ السود في المملكة المتحدة.
كرَّس البروفيسور حكيم عدي حياته المهنية والشخصية بالكامل لدراسة التاريخ الإفريقي، وتدريسه والدفاع عنه. لقد عمل في جامعة تشيتشيستر لأكثر من عقد من الزمان، حتى قبل بدء التدريس لمرحلة الماجستير في عام 2017م.
ردود الفعل على تحركات إبطال مساره التدريسي:
كانت ردود الفعل متأخرة لقرار الجامعة، الذي بدا أنه اتُّخِذَ على ما يبدو بين عشية وضحاها ودون مُبرِّر، بتعليق التسجيل في دورة البروفيسور حكيم عدي، الماجستير عن طريق البحث (MRes) في تاريخ إفريقيا والشتات الإفريقي.
كشف البروفيسور عدي أنه صُدِمَ من القرار الذي اتخذته جامعة تشيتشيستر، قائلاً: “لقد تم إغلاق دورة فريدة من نوعها -دورة على مستوى الماجستير في بريطانيا وأوروبا وفي العالم- تركز على تاريخ إفريقيا والشتات الإفريقي. إنها دورة تم إعدادها لتدريب المؤرخين، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى التراث الإفريقي والكاريبي، الذي ضاع، وليس هناك ما يحل محله. ومن الجدير بالذكر أنه ليس فقط الطلاب المستقبليون سوف يُحْرَمُون من تلك الفرصة، ولكن إذا أصبحت أنا كذلك زائدًا عن حاجة الجامعة؛ فإن طلابي الذين يدرسون درجة الدكتوراه حاليًّا وكذلك طلبة برامج الماجستير الآخرين لن يكون هناك مَن يشرف عليهم؛ حيث لا يمتلك أي شخص آخر في الجامعة هذه الخبرة”.
وأكد كذلك أن هذه الدورة العلمية هي الأولى من نوعها في أوروبا، وكانت واحدة من توصيات مؤتمر المسائل التاريخية في عام 2015م، بدعم من جامعة تشيتشيستر. وأضاف: “كل الأدلة التي لدينا هي أن هناك حاجة ماسَّة لهذا البرنامج التدريسي. وقد أنتجت ستة طلاب دكتوراه حاليين من طلاب الجامعة، ويمكنها إنتاج المزيد إذا تم الإعلان عنها بشكل مناسب. لقد وظفت طلابًا، وتحظى بدعم في بريطانيا وأمريكا الشمالية وإفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي وحتى آسيا”.
وبدءًا من الخامس من أغسطس الجاري 2023م، تلقى التماس نُشِرَ على موقع Change.org يعارض عمليات التسريح المقترحة للبروفيسور عدي، وتعليق التسجيل في الدورة التدريبية أكثر من عشرة آلاف توقيع، ممن يسجلون استياءهم من هذه الخطوة، ويطالبون بإعادة تفعيل الدورة. ويطالب الالتماس بإجابات حول عدم الشفافية في هذه العملية؛ حيث اتخذت الجامعة هذا الإجراء دون استشارة البروفيسور عدي.
يتم توقيع العريضة مِن قِبَل أعضاء المجتمع الأسود، ومجتمع البحث، ومجتمع الطلاب، بما في ذلك الأكاديميون والمعلمون والممارسون، في إدانة القرار والبحث عن تفسير لماذا لم تنشر الجامعة مواردها الكاملة لتسويق الدورة. أيضًا، في رسالة مفتوحة إلى نائبة رئيس الجامعة، البروفيسور جين لونغمور، ذكروا أن MRes قد تم تطويرها إلى حد كبير لتوجيه الطلاب الخريجين من أبناء إفريقيا والكاريبي كمؤرخين، ومنذ إنشائها، اشترك الكثير من طلاب MRes من أجل الشروع في الدراسات على مستوى درجة الدكتوراه.
الآثار المترتبة على “الاستغناء” عن الدورة:
إن خطة جامعة تشيتشيستر لجعل دورة البروفيسور حكيم عدي زائدة عن الحاجة “ما هي إلا هجوم على الأوساط الأكاديمية السوداء”؛ كما قال العديد من النشطاء. وبصرف النظر عن آراء النشطاء، فيمكن أن يكون لإيقاف الدورة عواقب سلبية كبيرة، تؤثر على كل من الأفراد والمجتمعات. هذا لأن الدورة في التاريخ تساهم في فهم أعمق للتاريخ الغني والمتنوع للقارة الإفريقية. وسيؤدي إيقافها إلى فجوة في المعرفة والفهم الثقافي، مما يَحُدّ من القدرة على فهم التعقيدات والمساهمات والتحديات التي شكَّلت ماضي إفريقيا وحاضرها. وسوف يعيق الجهود المبذولة لمكافحة الصور النمطية والتحيزات والمفاهيم الخاطئة عن إفريقيا.
علاوةً على ذلك، إذا تم إيقاف برنامج الأستاذ عدي في التاريخ الإفريقي، فسوف يفقد الطلاب السياق القيم لفهم القضايا التاريخية والمعاصرة الأوسع. هذا لأن الدورة نفسها تقدم رؤى نقدية لموضوعات مثل الاستعمار والإمبريالية، وإنهاء الاستعمار والحركات الاجتماعية.
من الأهمية بمكان أن تُعيد جامعة تشيتشيستر النظر في قرارها؛ لأن الدورة التدريبية ضرورية لتعزيز التعليم الشامل الذي يشمل فهمًا واسعًا لتاريخ العالم، ويُعِدّ الطلاب للانخراط بشكل مدروس وأخلاقي مع المجتمع العالمي.