د. محمد بن مصطفى سنكري
مترجم، محلل سياسي وكاتب صحفي، وباحث في الشؤون الإفريقية
مقدمة:
كان الرئيس الراحل “إبراهيم بوبكر كيتا” قد تسلم الحكم عام 2013م، بعد انقلاب عسكري قاده الكابتن “أمدوا أيا اسانوغو” ضد الرئيس الراحل اللواء “أمادو توماني توري” في 22 مارس 2012م، انتهى بفترة انتقالية برئاسة البروفيسور “جونكوندا تراوري“، استمرت لمدة عام.
وتم انتخاب (كيتا) في شفافية ونزاهة وسط إقبال شعبي لم يسبق له مثيل، وقد تمكنتُ من متابعة العملية الانتخابية ذلك اليوم مباشرةً بصفتي رئيس أحد مكاتب الاقتراع ببماكو.
ولقد رأينا شيوخًا وعجائز يمشون بصعوبة شديدة، ولكنهم أبوا إلا أن يخرجوا ليُدْلُوا بأصواتهم، وكانوا يهتفون باسم مَن يعرف هنا بـ”إبيكا”؛ أي: إبراهيم بوبكر كيتا. وذلك أن الرجل كان قد ترك انطباعًا سلب عقول الماليين إبَّان رئاسته لمجلس الوزراء في ظل حكم الرئيس الأسبق “ألفا عمر كوناري”، الذي كان قد ورث حكمًا مضطربًا بعد إسقاط حكم الرئيس الدكتاتوري الراحل اللواء “موسى تراوري” في انقلاب عسكري قاده العقيد “أمدو تماني توري” عام 1991م، بعد انتفاضة شعبية طلابية.
بقي الطلاب في حالة ثورة بلا قيود ولا حدود بعد إسقاط الرئيس العسكري (تراوري) طيلة بداية حكم الرئيس المدني المنتخب (كوناري)، إلى أن تم تعيين إبراهيم بوبكر كيتا رئيسًا للوزراء، فتمكّن من تهدئة الطلبة، وتعقب المعارضة السياسية إلى أن تمكن من تشريدهم، فاستقر حكم الرئيس، واشتهرت سُمعة رئيس الوزراء، وأحكم قبضته على الوضع السياسي، وبسَط سيطرته على البلاد، وأصبح رجل البلاد القوي، حتى عُدَّ أقوى من رئيس الدولة.
ولكنَّه اختلف مع الرئيس في آخر ولايته الثانية بشأن رئاسة الحرب الحاكم وخلافة الرئيس، فانفصل من الحزب وأسَّس حزبه الجديد حزب “التجمع من أجل مالي” عام 2001م. وشارك في الانتخابات الرئاسية عام 2002م، ولكنه فشل أمام الرئيس الراحل “أمادو تمان توري”، وكذلك عام 2007م.
وكانت بوادر نهاية مسيرته السياسية قد بدأت في الظهور، ولكن بعد الإطاحة بحكم توري، اتجهت كل الأنظار إليه؛ نظرًا لماضيه المعروف بالصرامة والقوة والوطنية، ففاز برئاسة الجمهورية في الجولة الثانية أمام المعارض التاريخي الراحل “سماعيل سيسي” في الحادي عشر من أغسطس 2013م.
وفي خطاب تنصيبه، أعلن حربًا لا هوادة فيها على الرشوة، وقال في أول اجتماع لمجلس الوزراء: “لن نعذر أي وزير يخطئ”.
ولكن سرعان ما خابت الآمال فيه، وانتهى الأمر به إلى معارضة شعبية كبيرة في ظل احتقان ونقمة اجتماعية عامة، قادتها حركة 5 يونيو المكونة من تكتل أحزاب وجمعيات عام 2020م، والتي كانت قد اتخذت من ساحة الاستقلال وسط العاصمة مقرًّا لحراكها.
مآخذ الحراك على رئيس الجمهورية:
كان من أهم مآخذ الحراك على الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا ما يلي:
1- تخبُّطه واضطرابه في سُدَّة الحكم؛ حيث كان يستبدل رئيس وزراء بآخر بمعدل سنة واحدة لكل رئيس وزراء، فانتهى الرأي العام إلى الاستنتاج أن العيب في الرئيس نفسه لا في رؤساء الوزراء المُقالين، وخاصةً رئيس وزرائه الأول عمر تاتام لي، الذي كان يحظى باحترام وشعبية كبيرة، ومازال يحظى بالاحترام في قلوب الشعب.
2- الإدارة العائلية للدولة، وكان الرئيس قد انتُخِبَ تحت شعار: “مالي أولاً”. وهو شعار كان يشير للتغيير والخروج من تقاليد الحكم السابقة، ولكنَّ هذا الشعار كان قد استُبْدِلَ مِن قِبَل الشعب بعكسه: أُسْرتي أولًا. وهو الشعار الذي مثَّل سلاحًا فتاكًا ضد الرئيس.
3- تعاظم نفوذ ابن الرئيس تحت حكم والده، فبعد أن لم يكن غير سمسار ووسيط وتاجر سيارات قبل تولي والده مقاليد الحكم في مالي؛ إلا أنه أصبح من أغنى أغنياء البلاد، بفعل احتكاره كل الأسواق الرسمية، وخاصةً تلك التي تعطيها وزارة الدفاع، بصفته رئيس لجنة الدفاع العسكري والمدني في الجمعية الوطنية.
4- تفشي الرشوة والمحسوبية في كل مرافق الدولة، وخاصةً في الجيش، فكان برنامج رئيس الجمهورية لإعادة هيكلة الجيش برنامجًا ضخمًا، اعتمدته الجمعية الوطنية في قانون رقم 2015-008 بتاريخ 5 مارس 2015م، ووفر له ميزانية تُقدَّر بـ1230 مليار فرنك سيفا؛ وكان يهدف إلى تجهيز الجيش بالمعدات اللازمة والضرورية، من طائرات ودبابات، وناقلات جنود ومؤن، وحتى الذخائر والملابس، ولكنَّ الحركة وصفت البرنامج بالفشل؛ حيث إن الحكومة اشترت ضمن هذا البرنامج طائرات حربية لم تقم برحلة طيران واحدة، فكانت تأتي جماعات العنف، وتُنفِّذ هجمات على الثكنات العسكرية، وتُفسد فيها، ثم تنسحب دون أن تتعقبها الطائرات الحربية، وتبقى الدبابات بلا حركة. أما التموين فكان يستأثر به ابن الرئيس عبر محطته الخاصة. وقد قُتل جنود كثيرون في هجمات وأعمال عنف على ثكنات عسكرية بسبب انتهاء الذخائر التي مع الجنود، أو انتهاء البنزين في سياراتهم.
5- شراء رئيس الجمهورية لطائرة رئاسية في ظروف غامضة ومشبوهة؛ حيث لم يتم الإعلان عن التكلفة الحقيقية لشراء الطائرة الرئاسية. في المقابل كان الرأي العام يعتقد بأنه تم شراء الطائرة الرئاسية بأغلى ثمن بينما كانت البلاد في وضعية اقتصادية صعبة للغاية.
6- عجز رئيس الجمهورية عن أمن واستقرار البلاد وحماية المواطنين، الذين هجروا ديارهم؛ بعد شعورهم بعدم الأمن والأمان، أمام هجمات جماعات العنف.
7- منهج التبذير في إدارة شؤون الدولة؛ من خلال وضع ميزانية ضخمة وفيها إسراف شديد لرئاسة الجمهورية والوزارات المختلفة.
8- وكان ملف التربية والتعليم يحتل الأولوية في هذه المآخذ؛ إذ كانت إضرابات المُعلِّمين قد شلت الدراسة في مالي لعدة شهور.
تاريخ الانقلاب:
بعد تأزُّم الوضع السياسي بين الرئيس وبين المعارضة المتمثلة في حركة (5 يونيو) والتي يتزعمها روحيًّا الإمام “محمود ديكو”، بينما يقودها سياسيًّا للدكتور “شوغيل كوكالا ميغا”، ومع اشتداد الوضع الاجتماعي في ظل غياب حلول لازمة وضرورية؛ تدخل الجيش بقيادة العقيد “عاصمي غويتا” أولًا في 18 أغسطس 2020م، واقتادوا الرئيس إبراهيم يوبكر كيتا من منزله إلى معسكر “سونجاتا كيتا” بضواحي العاصمة بماكو، وبعد تجاذبات عديدة أعلن الرئيس استقالته.
بعد استقالة رئيس الجمهورية، وبعد ضغوط من “الإيكواس”؛ اضطر الجيش إلى اختيار رئيس مدني للمرحلة الانتقالية، فوقع اختيارهم على وزير دفاع سابق للرئيس المخلوع هو “بان انداو” على أن يكون له نائب عسكري هو العقيد “عاصمي غويتا”، ونص ميثاق المرحلة الانتقالية على أن يؤديا اليمين الدستوري أمام المحكمة العليا يوم 25 سبتمبر 2020م.
ولكن سرعان ما استحال التعايش بين الرئيس المدني ونائبه العسكري، وفي أقل من عام وقع الانقلاب التصحيحي يوم 24 مايو 2021م[1]، ضد رئيس المرحلة الانتقالية ورئيس وزرائه “مختار وان”، عندما اقتادهما الجيش إلى نفس الثكنة العسكرية، ثم أعلن نائب الرئيس عاصمي غويتا إقالة رئيس المرحلة الانتقالية[2].
ظروف الانقلاب:
وقع الانقلاب على إثر تعديل وزاري تم فيها إقصاء قياديين من الانقلاب الأول ضد الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا من الحكومة الجديدة، وهما: وزير الدفاع العقيد، ساجو كمارا، ووزير الأمن والدفاع المدني العقيد موديبو كوني. وفي مؤتمر صحفي قال المتحدث باسم الجيش: إن الرئيس ورئيس الوزراء لم يَفِيَا بما نص عليه ميثاق المرحلة الانتقالية، والذي ينص على أن يُعْهَد بالأمور الأمنية والدفاعية لنائب الرئيس[3]، وأن يُطْلِع الرئيس نائبه على كلّ ما يخص هذا الموضوع. وقال: إن الرئيس ونائبه لم يفيا بهذا التعهُّد وبدءا في عملية تهميش لقادة الانقلاب في سياسة المرحلة الانتقالية.
العقيد وفن السياسة:
بعد الانقلاب على الرئيس المدني، دخل “الإيكواس” في مفاوضات صعبة مع الجيش لتحرير الرئيس المعتقل، وإعادته إلى مهام عمله. فلما عرفوا أن ذلك لن يتحقق لهم؛ عدلوا إلى اختيار رئيس مدني جديد بدلًا من المخلوع، ولكن كان لنائب الرئيس رأي آخر، فقد استنفر الجهاز القضائي خلفه وطلب منه إعطاءه الشرعية القضائية، وقد تم له ذلك بالفعل فأدى اليمين الدستورية أمام المحكمة العليا يوم 7 يونيو2021م رئيسًا للمرحلة الانتقالية، بداية لحكمه الفعلي[4]. فكان ذلك المناورة الأولى.
تثبيت أُسُس حكمه ووضع معالم المرحلة الانتقالية:
وبعد أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة العليا، لم يكن أمام “الإيكواس” غير القبول بالأمر الواقع (إقالة رئيس المرحلة الانتقالية، وتنصيب نائب الرئيس العسكري رئيسًا للمرحلة الانتقالية، وحذف منصب نائب الرئيس)، وكانت تلك رسالته الأولى إلى “الإيكواس” والمجتمع الدولي، فحواها أنه قائد سفينة المرحلة الانتقالية، وأنه يوجّهها حيثما أراد.
وبعد أن تمت له تلك الإجراءات القضائية، حتى بدأ في وضع معالم المرحلة الانتقالية، فقد دعا إلى تنظيم حوار وطني ينتهي بالإعلان عن تلك المعالم، والذي بدأت أدواره النهائية في بماكو يوم 28 ديسمبر 2021م في المركز الدولي للمؤتمرات[5]. وكان من أهم نتائج الحوار الوطني: دعوته إلى تحديد مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات.
الإيكواس تفرض عقوبات:
مباشرةً بعد عرض نتائج الحوار على المجموعة الاقتصادية؛ دعت هذه الأخيرة إلى القمة الطارئة الرابعة في العاصمة الغانية أكرا، حول أزمة مالي، يوم 9 يناير 2022م.
ورفضت القمة في بيانها الختامي نتائج الحوار جملةً وتفصيلاً، بل وقامت بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على البلاد، من أهمها ما يلي:
1- استدعاء سفراء الدول الأعضاء من بماكو.
2- إغلاق الحدود البرية والجوية مع الدول الأعضاء.
3- تعليق كل المبادلات المالية والتجارية مع الدول الأعضاء، باستثناء المواد الغذائية والطبية والتموين.
4- تجميد أرصدة الدولة المالية في البنوك المركزية لدول الإيكواس.
5- تجميد أرصدة الدولة المالية والمنظمات غير الحكومية في البنوك التجارية لدول الإيكواس[6].
بدء جولات مكوكية لوسيط الإيكواس، رئيس نيجيريا السابق: غودلوك جوناتان، بين بماكو وأكرا:
دارت تلك الجولات أساسًا حول المساومة على مدة الفترة الانتقالية، إلى أن تنازل الرئيس عاصمي عن اقتراحه بخمس سنوات، في قرار رئاسي إلى 24 شهرًا، بدءًا من 26 مارس 2022م[7].
فكانت تلك مناورته الثانية؛ حيث تمكَّن من فرض إرادته على الإيكواس؛ إذ كانت قد تشبث بـ18 شهرًا في المفاوضات، فقبلت بذلك ورفعت كافة العقوبات السياسية والاقتصادية أعلاه، ولكنها لم ترفع تعليق عضوية مالي وكذلك العقوبات الخاصة ببعض أعضاء الحكومة إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية[8].
مواعيد انتخابية:
بعد تحديد مدة الفترة الانتقالية لعامين، أعدَّت الحكومة جدولًا بتواريخ الانتخابات كالتالي:
1- الاستفتاء على الدستور الجديد في مارس 2023م.
2- الانتخابات التشريعية بين أكتوبر ونوفمبر 2023م.
3- الانتخابات الرئاسية في فبراير 2024م[9].
العقيد غويتا ورهان السيادة الوطنية:
– الاحتكاك بفرنسا
ذُكِرَ في الكواليس أنَّ من أسباب الانقلاب على الرئيس “بان انداو” قربه الشديد من فرنسا، وسَيْره على خطى سياسات الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، بل قد ذهب بعض المحللين في ذكر الاتهامات إلى أبعد من ذلك؛ حيث تم اتهامه بالتآمر مع فرنسا، بينما كان العسكر يريدون إدارة الظهر لفرنسا والإقبال على روسيا منذ الانقلاب، ولذلك فإن فرنسا لم تغتفر الانقلاب عليه أبدًا، فقد أدانته بأشد ما يكون، وعلَّقت تعاون قوات “عملية برخان” مع الجيش المالي بعد الانقلاب، وتحديدًا في 3 يونيو 2021م؛ احتجاجًا على الانقلاب العسكري الثاني.
ونادت فرنسا بالحصول على ضمانات لعودة المدنيين إلى الحكم في مالي، ولم تعترف بالعسكر يومًا ولا بالحكومة، ولو بعد أداء العقيد عاصمي غويتا اليمين الدستورية، وتشكيل حكومة وطنية، فقد استمرت فرنسا في تسمية الرئاسة المالية بـ”الطغمة العسكرية”، وقال الرئيس الفرنسي: “ليست حكومة أصلًا”.
وكان التصريح الذي صبّ الزيت على النار هو تصريح وزير الخارجية الفرنسي السابق “جان حيف لودريان” بعد قرار الحكومة المالية بأمر القوات الدانماركية ضمن قوات “تاكوبا” الأوروبية المرابطة في البلاد بالرحيل؛ إذ إنها -كما قالت الحكومة: كانت قد دخلت بدون تصريح رسمي من السلطات المالية-، فوصف وزير الخارجية الفرنسي هذا القرار باللامسؤول، ووصف الرئيس بأنه غير شرعي. بالإضافة إلى عبارة “الطغمة العسكرية” المتكررة على أفواه كل المسؤولين الفرنسيين، وكانت وزيرة الدفاع “فلورانس بارلي” قد وصفت قرارات الحكومة المالية بالمستفزة.
– استدعاء السفير الفرنسي إلى الخارجية المالية:
بناء على كل هذه التصريحات؛ استدعى وزير الخارجية المالي السفير الفرنسي إلى مقر وزارة الخارجية يوم 13 يناير 2022م، وأبلغه أنه شخص غير مرغوب فيه فوق التراب المالي، وأمهله ثلاثة أيام لمغادرة البلاد[10].
وتوصف هذه الخطوة في الأعراف الدبلوماسية بالأخيرة قبل قطع العلاقات نهائيًّا، وهي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات المالية الفرنسية منذ الاستقلال، وهنا تكمن خطورتها، غير أن فرنسا تمكَّنت من تفادي المهانة دبلوماسيًّا باستدعاء سفيرها لدى بماكو.
– سحب القوات الفرنسية من مالي
في ظل هذه التوترات على جميع الأصعدة السياسية والعسكرية، كان متوقعًا أن تقوم فرنسا بتقليص عدد قواتها في مالي، ولكن ما حصل كان مفاجئًا؛ فقد أعلن الرئيس الفرنسي يوم 17 فبراير 2022م انتهاء تدخل القوات الفرنسية في مالي، وسحب قواتها تدريجيًّا نهاية فصل الصيف.
وقال بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية: “إنه نظرًا لجملة العراقيل التي تضعها السلطات المالية؛ فإن فرنسا وحلفاءها من كندا والدول الأوروبية المجتمعة تحت مظلة “تاكوبا”، ترى أنه لم تَعُد هناك ظروف سياسية وقانونية مناسبة لمتابعة التدخل العسكري لمحاربة الإرهاب في مالي”.
وقال الرئيس الفرنسي: “لا نتقاسم مع السلطات المالية شيئًا، لا إستراتيجية ولا أهدافًا مخفية (محاولة البقاء في السلطة، وعدم تسليمها للمدنيين في الموعد المتفق عليه مع الإيكواس في 27 فبراير 2022م)؛ وهذا هو الوضع الذي نواجهه اليوم في مالي لا يمكن أن يُبرِّر “الحرب على الإرهاب” الاستمرار والبقاء فيه”. ورفض الاعتراف بالفشل؛ بل أشار إلى أنه لولا التدخل الفرنسي عام 2013م للتصدي للمتمردين لكانت البلاد تحت سلطة جماعات العنف اليوم[11].
– الدعوة إلى إجلاء القوات الفرنسية فورًا:
وفي اليوم التالي -أي في 18 فبراير 2022م- دعت السلطات المالية -في بيان تم بثّه على شاشة التلفزة الوطنية مِن قِبَل المتحدث باسم الحكومة- السلطات الفرنسية إلى سحب كافة القوات الفرنسية من البلاد فورًا ودون انتظار، واتهمت القوات الفرنسية، ابتداءً من “سيرفال” عام 2013م وانتهاءً بـ “برخان” عام 2014م بالفشل في مهمتها المتمثلة في محاربة أعمال العنف وتأمين البلاد والمواطنين والممتلكات، كما اتهمت فرنسا بخرق اتفاقية الدفاع الموقَّعة بين البلدين؛ من خلال الإعلان من جانبٍ واحدٍ عن سَحْب قواتها[12].
– الخروج من اتفاقية الدفاع المشترك مع فرنسا
وسط الحرب الإعلامية والنفسية مع فرنسا؛ أصبح المتحدث باسم الحكومة المالية العقيد عبدالله ميغا، رمزًا للسيادة الوطنية؛ حيث لا يظهر على شاشة التلفزة إلا لأمر مُهمّ؛ فقد خرج ببذلته العسكرية مساء يوم 2 مايو 2022م لتلاوة بيان للحكومة، تناول البيان اتفاقية الدفاع مع فرنسا الموقَّعة مِن قِبَل الرئيس الراحل إبراهيم بو بكر كيتا عام 2014م، واتَّهم القوات الفرنسية بارتكاب انتهاكات متكررة للسيادة الوطنية وخروقاتها للمجال الجوي الوطني؛ على الرغم من فرض منطقة جوية محظورة وسط البلاد.
وقال: إن الحكومة الفرنسية كانت قد علقت تعاون قوات “برخان” مع الجيش المالي سلفًا، ثم عاودته دون مشاورة للجانب المالي، ثم أعلنت سحب قواتها والقوات الأوروبية دون أن تُلقي بالًا بالطرف المالي. وقال: “بناء على هذه الخروقات المتكررة للسيادة الوطنية، وبناءً على حرية كل طرف في الانسحاب من الاتفاق، فإن مالي تفسخ العقد الذي كانت قد أبرمته مع فرنسا من اليوم”[13].
– اتهام فرنسا بالفرار من معركة الإرهاب
وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 25 سبتمبر 2022م، اتهم رئيس الوزراء المالي الدكتور شوغيل كوكالا ميغا فرنسا بالتخلي عنها، بإعلانها من جانب واحد عن سَحْب قواتها من البلاد، وقال: “إن الوضع الجديد الذي نتج عن سحب قوات “برخان” يضع البلاد أمام واقع جديد، مُعرِّضًا البلاد لحالة هشاشة دفاعية، كطاقم الطائرة الذي يتخلى عن الركاب حال الطيران، ما دفعنا إلى استكشاف طرق ووسائل أخرى لتأمين البلاد والممتلكات بشكل مستقل مع شركاء آخرين”. وكانت تلك إشارة إلى التعاون الروسي المالي وقرب توقيع اتفاقية دفاعية بينهما؛ لملء الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الفرنسية[14].
– الانسحاب تدريجيًّا
رفض الرئيس الفرنسي بشكل قاطع دعوة الحكومة المالية إلى الانسحاب فورًا من قواعدها شمال البلاد؛ إلا أن يكون انسحابًا مشرفًا بشكل منظم وتدريجي. فبدأت القوات الفرنسية بإخلاء قاعدة “كيدال” يوم 12 أكتوبر 2021م، ثم سلمت قاعدة “تيساليت” في 21 نوفمبر 2021م، وانسحبت من “تمبكتو” يوم 14 ديسمبر 2021م، وأجلت قواتها من “غوسي” في 19 أبريل 2022م، وتركت قاعدة “ميناكا” يوم 13 يونيو 2022م، وغادر آخر جندي فرنسي القاعدة المركزية بـ”غاو” يوم 15 أغسطس 2022م، متوجهًا إلى النيجر المجاورة؛ حيث نُقلت القوات الفرنسية كلها بعد توقيع اتفاقية مع الحكومة النيجرية. فانتهى بذلك تسع سنوات من التدخل الفرنسي المثير للجدل في البلاد[15].
– اتهام فرنسا بدعم الإرهابيين ضد الجيش المالي:
قبل انسحاب آخر جندي من “غاو” وبالتحديد في 7 أغسطس 2022م شَنَّ الإرهابيون هجومًا مفاجئًا على قاعدة “تينست” الواقعة في المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر. ونتج عن ذلك الهجوم مصرع 42 جنديًّا و22 جريحًا، وهي أرفع خسارة في صفوف الجيش منذ 2019م.
وقال بيان الجيش: “إن على الهجوم علامات تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى، وقد نُظِّم تنظيمًا دقيقًا وبإتقان، وأنها استفادت من دعم خارجي استخباراتي ودعم عسكري (دارون ومدافع ومتفجرات وسيارات مفخخة)؛ لولاه ما كان بإمكان الإرهابيين أن يرتكبوا مثل هذه العملية الإرهابية ضد الجيش الوطني”[16].
وبعد أيام، رفعت مالي شكوى أمام مجلس الأمن الدولي متَّهمةً فرنسا بإمداد الإرهابيين بمعلومات استخباراتية ومعدات عسكرية، وقال وزير الخارجية: “إنه يملك أدلة تُثبت دعم فرنسا للجماعات الإرهابية في مالي”، وقال: “إن مالي تحتفظ بحقها المشروع بالرد على فرنسا بالمثل”[17]. وقال المتحدث باسم عملية “برخان”: “إن هذه الدعوى نُكران لجميل فرنسا ولجنودها الذين سقطوا دفاعًا عن مالي”.
ما مصير العقيد عاصمي غويتا والمناورة السياسية الثالثة المحتملة؟
نص ميثاق المرحلة الانتقالية في المادة التاسعة على أن رئيس المرحلة الانتقالية لا يمكنه الترشح للانتخابات الرئاسية نهاية المرحلة الانتقالية[18].
ولكن قانون الانتخابات الجديد ينص في المادة 155 على أن أيّ عنصر من قوات الأمن أراد الترشح للانتخابات الرئاسية، فعليه الاستقالة أو طلب الإحالة على التقاعد قبل موعد الانتخابات بستة أشهر على الأقل[19].
فهل قصد الرئيس نفسه أو غيره بهذه المادة أم لا؟
ستُبدي لنا الأيام الجواب عن هذا السؤال. وذلك أن العسكر عندما ينقلبون ويتسلمون السلطة، يقولون: إن جهودهم تقتصر على تنظيف البيت السياسي ثم العودة إلى قواعدهم، ولكن سرعان ما يشتهون السلطة ويغيّرون آراءهم إمَّا خوفًا أو طمعًا.
وعلى أيّ حال؛ فإن العقيد يجد نفسه أمام خيارات وأمام التاريخ، فهو إما يفعل كما فعل سلفه “توري” الذي تسلم السلطة في انقلاب عسكري عام 1991م، ثم سلَّمها لمدني، ثم عاد إليها عبر صناديق الاقتراع عام 2002م. أو أن يقلد الجنيرال “روبرت غي” في “كوت ديفوار” الذي تسلم الحكم عام 2019م ووعد بتسليمه لرئيس مدني ثم غيَّر رأيه وترشَّح وخسر ثم قضى في ظروف غامضة عام 2001م. أو أن يكون مثل الجنيرالين “أعل ولد محمد فال” من موريتانيا و”سانو جيبو” من النيجر اللذين انقلبا عام 2005م و2010م وسلما السلطة لرئيس منتخب، ثم عادا وترشحا وخسرا. أو أن يفعل ما فعله الكابتن “موسى داديس كمارا” في غينيا كوناكري الذي انقلب عام 2008م، ووعد بتسليم السلطة، ثم غيَّر رأيه وهدد الساسة بخلع البذلة العسكرية والترشح ضدهم في الانتخابات، ولكنه أصابته إعاقة عقلية في حادثة إطلاق نار على رأسه في مجمع الرئاسة من طرف حارسه الشخصي[20].
[1] wikipediaمعرب
[2] Charte de la transition:
par un Vice-président. Il est désigné suivant les
Mêmes conditions que ce dernier.
Le Vice-président est chargé des questions de défense et sécurité2
[3] Wikipedia معرب بتصرف
[4] De WD.com معرب بتصرف
[5] Wikipedia معرب بتصرف
[6] 4é sommet extraordinaire de la conférence des chefs d’Etats et des gouvernements de la CEDEAO sur la situation politique au Mali, du 9 janvier 2022
Communiqué finalمعرب بتصرف
[7] décret présidentiel N° 2022- 0335 / PT-RM Du 06 juin 2022
[8] 61éme session ordinaire de la conférence des chefs d’Etats et gouvernements de la CEDEAO du 3juillet 2022, Accra, République du Ghana
Communiqué finalمعرب بتصرف
[9] VOA Afrique،
https// www.voaafique.com. Le-mمعرب بتصرف
[10] Le mondehttps// www. Le monde.fr معرب بتصرف
https//www. La croix.com
[11] https: //www. Liberation.frمعرب بتصرف
[12] https// www. Le monde.fr معرب بتصرف
[13] Les Echos
Htt://www.lesechos.fr
[14] Jeune Afrique
https://wwwjeuneafrique.comمعرب بتصرف
[15] https: //www.lepoint.frمعرب بتصرف
[16] communiqué N° 054 du 07 aout 2022 de l’état-major général des armées
[17] jeune Afrique
https://wwwjeuneafrique.comمعرب بتصرف
[18] la charte de la transition du Mali
[19] loi électorale N° 2022- 019 du 24 juin 2022 portant loi électorale (journal officiel
[20] jeune Afrique
https://wwwjeuneafrique.comمعرب بتصرف
https: // www.saharamedias.net
wikipedia