لم يكد اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في بريتوريا في الثاني من نوفمبر 2022 بين الحكومة الأثيوبية ومقاتلي جبهة التيغراي يؤتي ثماره حتى وجدت إثيوبيا نفسها وسط صراع آخر مع منطقة أمهرة. ومن الواضح أن دافع الحكومة المركزية لتوطيد السلطة من خلال استخدام القوة لن يمر مرور الكرام ، وقد يؤدي إلى حرب أهلية طاحنة مرة أخرى. لقد حاولت حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد تحقيق الرؤية الإمبراطورية الخاصة بسيطرة المركز على الأقاليم عندما حاولت نزع سلاح الميليشيات الإقليمية في أمهرة. لطالما كان التحدي عبر العصور يتمثل في توحيد الأعراق المتنوعة في إثيوبيا، وهي مهمة معقدة بسبب الخصومات العميقة الجذور والهويات المتنافرة التي لم يجمع بينها سوى منطق التوسع الامبراطوري. وقد أثارت تبعات حرب التيغراي المخاوف من أن الصراع المستمر في أمهرة قد يزعزع استقرار إثيوبيا، التي تتبوأ ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان.
يتكون الاتحاد الإثيوبي وفقا لدستور1995 من أقاليم اتحادية، يتم تحديدها بشكل أساسي على أساس الخطوط اللغوية والعرقية. ويمتلك كل من هذه الأقاليم وحداتها العسكرية، المسماة “القوات الخاصة”، والتي تستخدم في الدفاع ضد المتمردين ومواجهة أطماع إقليمية لمناطق أخرى – ولعل ذلك يعد مؤشرا خطيرا على غياب للوحدة الوطنية. وفي خطوة مثيرة للجدل، أعلنت الحكومة الفيدرالية في أبريل 2023 عن خطط لدمج هذه القوات المحلية في الجيش الوطني أو الشرطة، أو نزع سلاحها. وعندما دخلت القوات الفيدرالية بالفعل إقليم أمهرة لتطبيق نزع السلاح ولاسيما ميليشيات فانو الأمهرية، رفض العديد من أفراد القوات الإقليمية تسليم أسلحتهم ولجأوا إلى التحصن في مناطق نائية أكثر عزلة. في الوقت نفسه، توحدت قوات من الشرطة ومتطوعين من المدنيين لمقاومة القوات الحكومية. كانت المعارضة العامة واسعة النطاق وعنيفة في مدن مثل جوندر وكوبي وولدايا، حيث قام الناس بإغلاق الطرق لتقييد حركة الجيش. علاوة على ذلك، أدت محاولة الحكومة قطع خطوط الاتصال والعنف المتقطع ضد عمال الإغاثة إلى قيام منظمات مثل برنامج الغذاء العالمي بوقف عملياتها في المنطقة. وقد اضطرت الحكومة في نهاية المطاف إلى فرض حالة الطوارئ في الإقليم بعد أن فقدت السيطرة على بعض المناطق.
وبينما كان يُنظر في البداية إلى رؤية رئيس الوزراء آبي أحمد لإثيوبيا الموحدة على أنها تحظى بتأييد واسع في صفوف الأمهرة، إلا أن المشاعر العامة يبدو أنها تغيرت بسرعة. وقد أسهمت قضايا عدم الثقة، مثل الإهمال الملحوظ للهجمات على الأمهرة في أوروميا والمواجهات السابقة بين قوات التيغراي وقوات أمهرة، بدور مهم في هذا التحول. ويحاول هذا المقال البحث في أسباب وتداعيات هذا التحول في خريطة التحالفات الداخلية في إثيوبيا.
أولا : الأسباب المباشرة
يمكن الحديث عن ثلاثة أسباب أسهمت بشكل مباشر في تفجر الصراع العنيف في إقليم أمهرة على النحو التالي:
1- حل القوة الإقليمية الخاصة في أمهرة: أدى القرار المفاجئ الذي اتخذه حزب الازدهار الحاكم في أبريل 2023 بحل القوات الخاصة لإقليم أمهرة إلى توتر فوري. اعتُبر الهدف المزعوم المتمثل في دمج القوات الإقليمية في القوات الفيدرالية مشبوهًا، خاصة أنه بدأ التطبيق مع منطقة الأمهرة. فقد تم النظر إلى هذا الإجراء على نطاق واسع على أنه محاولة من قبل آبي أحمد لإضعاف الأمهرة، مما قد يمهد الطريق للجبهة الشعبية لتحرير التيغراي لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها الأمهرة في ولقيت ورايا. وبالفعل أثار القرار احتجاجات ومواجهات واسعة النطاق في أمهرة، حيث انضمت أجزاء كبيرة من القوات الإقليمية إلى ميليشيات فانو القومية المتطرفة أو تخلت عن مواقعها. وقد أدت الفوضى التي أعقبت ذلك إلى اغتيالات مستهدفة ومكاسب إقليمية من قبل فانو وتصاعد حدة الصراع. كما أدى الدعم المتزايد لفانو وتكتيكاتهم المتصاعدة إلى تعميق الصراع، مع عرقلة تحركات الجيش الفيدرالي وتزايد المواجهات. وعلى الرغم من دعم قوات الأمهرة للحكومة الاتحادية في حرب التيغراي، فإن عدم استعداد الحكومة لتقديم تنازلات والقرارات الأخيرة جعلهم يشعرون بالخيانة. إن تأكيد آبي أحمد على أن هذه الجيوش الإقليمية تهدد الوحدة الوطنية ويجب حلها، وعدم رغبته في إعادة النظر في هذا الموقف، يزيد من حدة التوترات.
2– غياب الثقة خلال حرب التيغراي:
قاتلت القوات الخاصة الإقليمية أمهرة وميليشيات فانو الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي إلى جانب الجيش. وعلى عكس الاعتقاد السائد بأنهم انحازوا إلى رئيس الوزراء آبي أحمد، كان هدفهم الرئيسي هو استعادة أراضي ولقيت ورايا، وهما منطقتان ضمتهما الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي في التسعينيات. بمجرد استعادتهما، لم تغامر قوات أمهرة أكثر في تيغراي. ومع ذلك، عندما سحب آبي فجأة قوة الدفاع الوطني الإثيوبية من التيغراي دون استشارة القادة الإقليميين، تُركت الأمهرة عرضة للهجمات المضادة للجبهة لشعبية لتحرير التيغراي. وقد أدى هذا الانسحاب المفاجئ والشائعات عن تراجع بعض جنرالات الأورومو وترك أسلحتهم للجبهة الشعبية لتحرير التيغراي إلى انعدام ثقة كبير بين قوات الأمهرة وحكومة آبي والجيش الأثيوبي. وعليه توجد مخاوف من أن الحكومة الفيدرالية قد تجبر أمهرة على إعادة المناطق الحدودية المتنازع عليها إلى التيغراي مرة أخرى.
3- الاستبعاد من اتفاق بريتوريا للسلام:
كان التظلم الأساسي لأمهرة فيما يتعلق بحرب التيغراي هو عدم مشاركتهم في اتفاقية بريتوريا للسلام رغم انهم كانوا أحد محاور التحالف الثلاثي أديس-أسمره- أمهرة. وعلى الرغم من تشكيل فريق للتفاوض، لم يتم الاعتراف بالأمهرة كطرف أصيل. وعلى الرغم من أن الدبلوماسيين الغربيين كانوا منفتحين في البداية على ضم الأمهرة، إلا أنهم تجاهلوا الأمر فيما بعد بسبب اعتراضات آبي أحمد نفسه. ولم يشارك ممثلو الأمهرة المعينون من حزب الازدهار بشكل كبير في مناقشات بريتوريا. وقد أدى غيابهم عن عملية السلام، إلى جانب محاولات حكومة آبي أحمد لنزع سلاح فانو والقيام باعتقالات جماعية لنشطاء وصحفيين أمهرة، إلى توتر العلاقة بين الأمهرة والحكومة المركزية.
ثانيا الأسباب غير المباشرة
يمكن الحديث عن عدد من الأسباب ترتبط بأصل الداء وإشكالية تنازع الهويات في إثيوبيا، ومن ذلك:
1– جدلية العلاقة بين المركز والأقاليم
تمثل العلاقة بين المركز في أديس أبابا والأقاليم إشكالية كبرى للنظام الحاكم منذ العهد الإمبراطوري نظرا لارتباط نشأة الدولة بعمليات الضم والتوسع على حساب الشعوب والقوميات الأخرى. وقد توصلت الجبهة الحاكمة بقيادة التيغراي إلى صيغة الفيدرالية الإثنية بما يعني التخلي عن هيمنة المركز وذلك من خلال إقرارها في دستور 1994. ومع ذلك فقد أسست لنظام استبدادي تقوده أقلية عرقية حاكمة. وعندما جاء آبي أحمد علي إلى السلطة عام 2018 على أكتاف ثورة شعبية، حظي اعترافه بارتكاب جرائم الماضي من قبل الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي بالترحيب في جميع أنحاء إثيوبيا، وخاصة في منطقة أمهرة. كما أن وعوده بالتغيير، خاصة فيما يتعلق بقضايا الهوية والحدود، عززت الآمال نحو الانتقال السلمي والديموقراطي في البلاد. وبالفعل، كانت إحدى تحركاته الأولى إطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين، في حين أن جهوده للتوصل إلى اتفاق سلام مع إريتريا دفعت به إلى عتبات المجد الدولي من خلال حصوله على جائزة نوبل للسلام في عام 2019. كما قدم نفسه كصانع سلام إقليمي، وتوسط في العديد من النزاعات العابرة للحدود في القرن الأفريقي ، بالإضافة إلى تعزيز محادثات السلام في جنوب السودان.
من المعروف أن إثيوبيا لديها تاريخ من الأباطرة الذين سعوا بشتى الطرق لقمع الهويات العرقية المختلفة، ولكن تم التوصل لنظام الفيدرالية العرقية أخيرًا بموجب دستور عام 1995، والذي أعطى أيضًا لكل إقليمي اتحادي الحق في الانفصال عن الاتحاد. وخلال الفترة من عام 1995 حتى عام 2019، حكمت إثيوبيا الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية (EPRDF) ، وهي تحالف يضم أربعة أحزاب: حزب آبي أورومو الديمقراطي؛ والجبهة الشعبية لتحرير التيغراي؛ وحزب الأمهرة الديمقراطي؛ والحركة الديمقراطية الشعبية لجنوب إثيوبيا. وقد كان يُنظر إلى حكم الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية في ظل هذا الهيكل على أنه معيب بسبب الهيمنة الكاسحة للجبهة الشعبية لتحرير التيغراي، على الرغم من حقيقة أنها لا تمثل أيا من أكبر مجموعتين عرقيتين في البلاد.
يصل تعداد سكان إثيوبيا وفقا لبعض التقديرات إلى نحو 126 مليون نسمة، وهو رقم آخذ في النمو بسرعة عبر المجموعات العرقية المتنوعة. ومع ذلك لم يتم إجراء إحصاء سكاني منذ عام 2007 بسبب الحساسيات السياسية التي ينطوي عليها الأمر . ومن الملاحظ أن 6.1٪ فقط من السكان هم من التيغراي ، ونحو 34.5٪ من الأورومو ونحو 26.9٪ من الأمهرة. ولعل رابع أكبر مجموعة هي من الصوماليين بنسبة 6.2٪ ، كما استضافت البلاد أعدادًا كبيرة من اللاجئين من الحرب في الصومال.
من أجل دعم خطط المركزية الخاصة به وتحقيق حلمه الامبراطوري في تحقيق مركزية السلطة، قام آبي أحمد بدمج ثلاثة من الأحزاب الأربعة للجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية في حزبه الجديد الازدهار. كما سعت أديس أبابا بعد ذلك إلى تكميم الأفواه التي وجهت انتقادات لاستراتيجيتها وأرسلت القوات الحكومية إلى مناطق أوروميا وسيداما لقمع المعارضة، لكن سرعان ما انتقل تركيز النضال إلى التيغراي. وعلى أي حال كانت الأمهرة في بداية الأمر مستفيدة من هذا الطرح الذي يعيد إلى الأذهان مجدهم الامبراطوري القائم على هوية وثقافة الأمهرة . وبالفعل ركزت مطالبهم على التغيير الدستوري، والشواغل الإقليمية، والأمن، والتمثيل. ومع ذلك، بدا آبي أحمد أكثر انخراطًا مع أجندة أورومو ، ربما بحكم الانتماء العرقي من ناحية أبيه. أدى ذلك إلى هيمنة متزايدة لفرع حزب ازدهار أورومو داخل حزب الازدهار الحاكم ، مما أدى إلى تهميش حزب ازدهار أمهرة . نتيجة لذلك، شعر الكثيرون أن التحول كان سطحيًا، حيث انتقلوا من تسلطية جبهة التيغراي إلى تسلطية حزب الازدهار.
2– اتساع دائرة العنف تجاه الأمهرة: أدت أحداث يونيو 2019 في بحر دار ، بما في ذلك اغتيال الرئيس الإقليمي أمباشاو ميكونين ومسؤولين آخرين، إلى توتر علاقة آبي بأمهرة. وتحيط الشكوك بالحدث، مع تكهن البعض بتورط آبي أحمد نفسه في تلك الأحداث. كما أن الاعتقالات اللاحقة والإفراج عن بعض المتورطين تزيد من تلك الشكوك. بالإضافة إلى ذلك، أدت التغييرات المتكررة في قيادة أمهرة، التي يبدو أنها من ترتيبات آبي أحمد، إلى تآكل الثقة في إدارته بين الأمهرة. ومن جهة أخرى، تصاعد العنف ضد أمهرة في أوروميا في عهد أبي. ويمكن إرجاع الأسباب الحقيقية إلى الأزمنة السابقة، لكن الهجمات اشتدت حدتها، وهو ما يعني فشل إدارة آبي في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي. في عام 2021 ، تم الإبلاغ عن أكثر من 3300 حالة وفاة بين صفوف أمهرة في أوروميا. وغالبًا ما يتم إلقاء اللوم على جيش تحرير أورومو ، لكن عدم اعتراف آبي واتهاماته لقوات الأمن يفاقم الوضع. كما كثفت المذابح، مثل تلك التي وقعت في تولي بأوروميا عام 2022 ، من حدة الغضب الشعبي ضد آبي وحكومته.
3- العامل الديني
شهدت المجتمعات المسيحية الأرثوذكسية والمسلمة في إثيوبيا انقسامات داخلية. على الرغم من أن آبي حاول التوسط في البداية، فقد اعتُبرت أفعاله اللاحقة انتهازية واضحة، مما أدى إلى شكوك حول نفوذ لا داعي له، خاصة بين الأمهرة. شعروا أن القادة الجدد كانوا مناهضين لأمهرة. ومن الأحداث الملحوظة الانشقاق المهدد في الكنيسة الأرثوذكسية، حيث بدا أن آبي يفضل أساقفة أورومو على حساب مصالح أمهرة. لقد شهد الانقسام الأخير داخل الكنيسة الأرثوذكسية أن أساقفة أورومو يهددون بتشكيل مجمعهم الكنسي. في هذه الحالة ، تحالف آبي مع أساقفة الأورومو ونشر القوات الحكومية لمرافقتهم أثناء احتلالهم للكنائس بالقوة في أوروميا. لكن تخلى الأساقفة فيما بعد عن خططهم وعادوا إلى المجمع المقدس بعد تلقيهم وعودًا بمزيد من التعيينات على مستوى أساقفة الأورومو، الأمر الذي أدى في الواقع إلى تقليل عدد أساقفة الأمهرة.
ومن جهة أخرى يعد آبي أحمد ثاني رئيس وزراء إنجيليكاني لإثيوبيا حيث تحول آبي نفسه إلى الطائفة الخمسينية في العشرينات من عمره. (في إثيوبيا، تتداخل البروتستانتية والإنجيلية والخمسينية في الديانة المسيحية)[1]. وقد أشاد العديد من الإثيوبيين بآبي بنشوة – وخاصة الإنجيليين – باعتباره المسيح المنتظر، أو “موسى” أو “الملك داود” المنقذ الذي من شأنه أن ينقذ إثيوبيا من التفكك. في خطاب مبكر له، أعلن آبي عن نفسه باعتباره “الملك السابع لإثيوبيا”، في إشارة إلى نبوءة والدته الأرثوذكسية عندما كان طفلا صغيراً. ولعل ذلك يعكس بقوة استحضاره للتاريخ القديم للإمبراطورية المسيحية في إثيوبيا والوعد باستعادة عظمة إثيوبيا. (يلاحظ هنا أن رقم سبعة هو رقم الكمال الروحي في المسيحية وله دلالات كبيرة في العهد الجديد وفي الطقوس الكنسية).
ويستند مسمى “الازدهار” في الحزب الجديد الذي أنشأه آبي أحمد إلى كنيسة الازدهار المثيرة للجدل، وهي كنيسة تُساوي الثراء بالفضائل. ليس من المستغرب، بالنظر إلى قصة صعود آبي أحمد إلى السلطة، أن يتم استخدام بشارة الرخاء لتعبئة الإثيوبيين للانضمام إلى حزبه السياسي الجديد. لكن الأغرب، هو الربط بين واشنطن العاصمة وأديس أبابا، ولاسيما دعم الإنجيليين في الكونجرس الأمريكي والكنيسة الخمسينية في سيلفر سبرينج بولاية ماريلاند التي دفعت في نهاية المطاف بالرجل إلى قصر مينليك[2]. إنها قصة غريبة توضح كيفية حصول الإنجيليين على موطئ قدم لهم في إثيوبيا لإزاحة حزب التيغراي. وعموما القصة بسيطة تدور حول الربط بين انجيل الرخاء وحزب الرخاء. إنجيل الرخاء بسيط للغاية – تحتاج إلى التبرع بالمال للكنيسة لإثبات إيمانك وسيكافئك الله ماديًا مئة ضعف. بالنسبة لحزب الرخاء، عليك أن تتعهد بالولاء وأن تجعل صوتك مهمًا في الانتخابات القادمة وسيكافئك الله مئة ضعف. ولعل ذلك كله يعد عامل تقسيم في أمة تتعدد فيها الأديان والأعراق.
ثالثا: التداعيات
يثير احتمال تصاعد نزاع الأمهرة، لا سيما بالنظر إلى عدم الاستقرار الأوسع في المنطقة، مخاوف مقلقة. يبدو أن نوايا آبي أحمد، الهادفة إلى تعزيز الوحدة الوطنية والسلام، غير متوافقة مع الحقائق التاريخية والثقافية للبلاد. ويسلط موقف الحكومة التسلطي والاعتداء الممنهج على المعارضة الضوء على الانزلاق المحتمل مرة أخرى إلى الاستبداد الذي كانت إثيوبيا تأمل في تركه وراءها بعد انتفاضة عام 2018. وبالنظر إلى خبرة الصراع في التيغراي والذي تورطت فيه القوات الأريترية فإن هناك مخاوف واضحة من أن الصراع في أمهرة يمكن أن ينفجر على نفس النطاق، مما يؤدي إلى جر قوى إقليمية أخرى. ومع استمرار القتال الحالي في السودان، و عدم الاستقرار في الصومال، يبدو القرن الأفريقي بأكمله غير مستقر بشكل يثير المخاوف.
لقد قال آبي إن قرار نزع سلاح القوات الإقليمية اتخذ “من أجل الوحدة متعددة الأعراق لإثيوبيا وسلام شعبها، ودفع الثمن إذا لزم الأمر”. ومع ذلك، فإن محاولات أديس أبابا لفرض الاندماج والوحدة تحت تهديد السلاح جاءت بنتائج عكسية. في الوقت نفسه، فإن الحملات القمعية الدورية ضد المعارضين والصحفيين والأعضاء البارزين في مجتمعات عرقية معينة تعزز الرأي القائل بأن آبي يذهب بعيدًا عن كونه اصلاحيا، فهو يذكرنا بسيرة أباطرة إثيوبيا السابقين.
ولعل من أبرز التداعيات الإقليمية للصراع الداخلي في إقليم الأمهرة هو تعطيل مفاوضات سد النهضة على الرغم من الانفراجة التي تمثلت في التوافق المصري الإثيوبي على هامش مؤتمر دول جوار السودان في القاهرة الشهر الماضي. ولعل الملء الرابع الذي يبلغ نحو 25 مليار متر مكعب سوف يؤثر لا محالة على المساحة المزروعة في مصر وهو ما يعد ضررا جسيما. ولا شك أن الصراع العسكري في كل من إثيوبيا والسودان قد يعطل من جهود التسوية ويزيد من حدة التوتر في منطقة حوض النيل.
وفي الختام، يمثل الخلاف المتصاعد بين القوات الخاصة الإقليمية في أمهرة والحكومة المركزية الإثيوبية تحديًا خطيرًا للسلام الهش بالفعل في شمال إثيوبيا، ويلقي بظلاله على قيادة رئيس الوزراء آبي أحمد. ومنذ اندلاع الاحتجاجات في منطقة أمهرة ضد القوات الحكومية الفيدرالية، تتصاعد المخاوف بشأن التداعيات المحتملة، لا سيما في ظل الهدنة الدقيقة الحالية في التيغراي. ولا يخفى أن المظالم الأساسية، المتجذرة في التوترات الإقليمية والعرقية، لا سيما فيما يتعلق بالسيطرة على غرب تيغراي، تخاطر بإعادة إشعال الأعمال العدائية. وإذا لم يتم تسويته، فلن يؤدي هذا النزاع إلى تآكل اتفاق السلام مع الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي فحسب، بل قد يعرض أيضًا التفويض السياسي لأبي للخطر، مما يعيد البلاد إلى دوامة من عدم الاستقرار. إلى جانب التوترات المستمرة في منطقة أوروميا، تقف إثيوبيا عند مفترق طرق محفوف بالمخاطر، مما يسلط الضوء على النسيج المعقد والمتقلب لديناميكياتها الإقليمية والعرقية.
[1]كان رئيس الوزراء السابق هيلا مريم ديسالين عضوا في الكنيسة الرسولية البروتستانتية في إثيوبيا ، وهي طائفة تتبنى “عقيدة الوحدانية” ولا تؤمن بالثالوث.
[2] Dawit , Elias. 2020. The Prosperity Gospel Comes to Ethiopia. http://aigaforum.com/article2020/The-Prosperity-Gospel-Comes-to-Ethiopia.htm