بسمة سعد
باحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية
في القرن الحادي والعشرين، ومع التطور المتسارع للتكنولوجيا؛ باتت الطائرات بدون طيار (الدرونز) أداة مهمة في كافة مناحي الحياة، وفي كافة المجالات، بما في ذلك المجال الأمني والعسكري؛ حيث إن مشاركة الدرونز في الحروب والصراعات يلعب دورًا كبيرًا في تغيير وجه الحرب، وربما قلب الموازين في ساحات المعارك؛ كالتي شهدتها الحرب الإثيوبية على جبهة تحرير شعب تيجراي، بعدما كان الأخير على مشارف العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ولكن لعبت الدرونز -لا سيما التركية- دورًا في قلب موازين الحرب الإثيوبية لصالح الحكومة الإثيوبية.
في هذا السياق، سجَّلت الدرونز العسكرية انتشارًا واسعًا في إفريقيا، بعدما بدأت العديد من البلدان الإفريقية الاستثمار في صناعة الدرونز لأغراض متعددة، بما في ذلك المراقبة والاستطلاع وتوجيه ضربات عسكرية، إلى أن باتت الدرونز بالفعل جزءًا من ترسانة الجيش في العديد من البلدان الإفريقية، وأداة عسكرية مهمة في بعثات حفظ السلام، وهو ما ينعكس في تقرير صادر عن منظمة السلام PAX في العام 2021م، يُشير إلى استخدام متزايد للدرونز في النزاعات المسلحة أو عمليات مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء القارة، وأنه خلال السنوات الـ14 الماضية، شاركت دول إفريقية وأجنبية في عمليات طائرات بدون طيار في 20 دولة على الأقل في شمال إفريقيا والساحل والقرن الإفريقي، من بينها مالي والنيجر ونيجيريا وتشاد والكاميرون والصومال، وهو ما يدفع للتساؤل حول؛ الأسباب الكامنة وراء الاستخدام المتزايد للدرونز العسكرية في إفريقيا؟
انطلاقًا مما سبق، تهدف المقالة لمناقشة الأسباب التي تقف وراء دفع دول القارة لزيادة استخدام ونشر الدرونز العسكرية، وما تواجهه دول القارة من تحديات ومخاطر متعلقة ذات صلة بالاستخدام المتزايد للدرونز العسكرية.
أولًا: أسباب تزايد استخدام الدرونز العسكرية في إفريقيا:
تتعدد الأسباب/ المُحفِّزات التي عززت من صعود استخدام الدرونز العسكرية في إفريقيا؛ سواء مِن قِبَل الحكومات أو الفواعل من غير الدُّوَل، ويُمكن تناولها كالتالي:
1- مزايا ذاتية متعددة في الدرونز العسكرية
تتمتع الدرونز العسكرية بالعديد من المزايا التي تجعل منها الخيار الأمثل للاستخدام مِن قِبَل الجيوش الإفريقية؛ أولها، أنها تمنح دُوَل القارة فرصة مهمة لتطوير قدراتها الجوية العسكرية بتكلفة منخفضة، وليست في حاجة لسنوات من التدريب لقواتها العسكرية لتشكيل سلاح جوي من الدرونز، ينضم إلى باقي أسلحة القوات المسلحة، وهو ما انعكس بشكل واضح في الحرب الإثيوبية مع إقليم تيجراي؛ فبعدما كانت قوات تيجراي على مشارف العاصمة الإثيوبية، وعلى بُعد خطوات من إسقاط العاصمة في أيديها، انضمَّ إلى القوات الإثيوبية سِرْب من الدرونز يُقدَّر عددها بنحو 22 طائرة بدون طيار، لا سيما الدرونز التركية من طراز Bayraktar TB2، التي على الرغم من تواضع قدراتها التكنولوجية مقارنةً بطائرات Reapers وPredators الأفضل في النطاق؛ إلا أنها تُمثِّل الخيار الأمثل للحكومات التي تمر بأزمة مالية واقتصادية([i]).
فانضمام الدرونز العسكرية إلى ساحة المعركة حتى في خضم تواضع ميزاتها التكنولوجية، يمنح القوات الإفريقية ميزةً وفرصةً لتحليق العديد من الدرونز في وقتٍ واحدٍ، مما يُتيح للقوات العسكرية القدرة على الحفاظ على وجود شبه دائم فوق ساحة المعركة، ورصد التكتيكات المفاجئة للخصم وإخفاقها، وهو ما يُفسّر أحد جوانب اتجاه دول القارة لاستخدام الدرونز بشكل متزايد. أما بالنسبة لثاني المزايا فتتمثل في أن الدرونز العسكرية أثبتت فعاليتها في عمليات مكافحة الإرهاب، ومهام حفظ وبناء السلام(([ii].
جدير بالذكر أنه يُمكن للدرونز أداء مهام مختلفة؛ بدءًا من مراقبة الأنشطة غير القانونية؛ مثل الصيد غير المشروع والتهريب، وانتهاءً بمكافحة الإرهاب، وكذلك الوصول إلى المواقع البعيدة أو التي يتعذر الوصول إليها، بالإضافة إلى إمكانية توظيفها لجمع المعلومات الاستخبارية واللقطات والمواد الدعائية، هذا فضلًا عن دقة تصويبها، وهو ما جعل من الدرونز أداة مهمة لدى الجماعات الإرهابية والجريمة المُنظّمة لاستغلال ثغرات المراقبة، في ظل تكلفتها المنخفضة وإمكانيتها التكنولوجية العالية؛ حيث يمكن مدّ الدرونز بصواريخ أو أسلحة أخرى عن بُعْد، كما يُمكن تزويدها بأجهزة استشعار ذات فتحة اصطناعية (SAR)([iii]).
2- تنامي ظاهرة الإرهاب
في ظل تراجع الإرهاب في دول الشرق الأوسط، سجَّلت الجماعات الإرهابية صعودًا متناميًا في إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة الأفرع الإقليمية لتنظيم داعش في إفريقيا، لا سيما في منطقة الساحل الإفريقي مثل بوركينا فاسو ومالي ونيجيريا والنيجر والكاميرون؛ حيث سجلت منطقة الساحل زيادة في معدلات العنف وعدد القتلى بأكثر من 21 مرة بين عامي 2007 و2022م، بينما شكَّلت وفيات عمليات الإرهاب نحو 43% من إجمالي وفيات الإرهاب على مستوى العالم، مقارنةً بنسبة 1% فقط عام 2007م، وذلك وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي الصادر عام 2023م([iv]).
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك أدلة متزايدة على توظيف الجماعات الإرهابية للدرونز وضمّها إلى أدواتها في تنفيذ هجمات إرهابية أو القيام بعمليات استطلاع ومراقبة لتحركات القوات العسكرية والأمنية، مثلما هو الحال بالنسبة لحركة الشباب الصومالية والإرهابيين في الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، وهو ما أكد عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2617 الذي أقر بإساءة استخدام الطائرات بدون طيار على مستوى العالم من قبل الإرهابيين لشن هجمات إرهابية([v])؛ حيث إن النوع الأكثر شيوعًا من الطائرات بدون طيار التي يَستخدمها تنظيم داعش طائرة DJI الوهمية، يمكن شراؤها على موقع Amazon.com مقابل 450 دولارًا أمريكيًّا([vi])، في ظل غياب الضوابط والقيود التي تَحُول دون اتجاه الجماعات الإرهابية لضم هذا النمط من الأسلحة لترسانتها.
على نحو موازٍ، اتجهت القوات العسكرية والأمنية في عدد من دول القارة، لا سيما التي تُعاني من ويلات تمدد النشاط الإرهابي، لتوظيف الدرونز في عمليات مكافحة الإرهاب؛ حيث تتصدر نيجيريا دول القارة في سباق التسلح الجديد ذات الصلة بامتلاك سرب من الدرونز، وضمّه إلى قواتها العسكرية، لدورها في عمليات المراقبة والاستطلاع ضد جماعة بوكو حرام؛ حيث حصلت أبوجا على العديد من الدرونز الصينية والإسرائيلية والأمريكية، كما طوّرت درونز خاصة بها، بينما تأتي كينيا من أوائل دول القارة التي تستخدم الدرونز للمراقبة والاستطلاع في حملتها ضد مقاتلي حركة الشباب الصومالية([vii]).
كما حصلت النيجر على درونز متعددة الاستخدام، وبأسعار معقولة؛ لدعم جهودها في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وحول بحيرة تشاد، لا سيما في منطقة الحدود الثلاثية (ليبتاكو غورما) المعروفة باسم مثلث الموت، ومع تمدُّد النشاط الإرهابي إلى منطقة دول غرب إفريقيا مثل توجو وساحل العاج؛ حيث رصدت قوات الأمن في توجو تسلل مجموعة إرهابية منذ أواخر العام 2019م، كما تعرّضت ساحل العاج لهجوم إرهابي في العام 2016م أسفر عن مقتل 19 قتيلًا، تبعها اندلاع اشتباكات مع قوات الأمن في الشمال الشرقي عام 2020م؛ بعدها اتجهت توجو في أغسطس 2022م لشراء شحنة من طائرات Bayraktar TB2 لدعم استراتيجيتها في مكافحة الإرهاب ووقف تمدد الجماعات الإرهابية في أراضيها([viii]).
كما تعتمد دول القارة في مكافحة الإرهاب على الدرونز بشكل أساسي في عملياتها لمكافحة الإرهاب في منطقتي الساحل مثل المغرب والجزائر([ix])، بينما تمتلك فرنسا والولايات المتحدة قواعد طائرات بدون طيار في النيجر لدعم استراتيجيتها الأمنية لمكافحة الإرهاب في القارة لا سيما منطقة الساحل الإفريقي([x]).
في هذا السياق، تتَّخذ عدد من دول القارة مثل موزمبيق خطوات نحو استخدام الدرونز في سياستها لمكافحة الإرهاب بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي تقوم بعثة تابعة له بتدريب الجيش الموزمبيقي على استخدام الطائرات بدون طيار لتتبع تحركات الإرهابيين([xi]).
3- تعزيز المراقبة الجوية ومراقبة المناطق الحدودية
لعبت الدرونز العسكرية دورًا مهمًّا ولافتًا في مجال المراقبة الجوية، في خِضمّ قدرتها على الطيران على ارتفاع منخفض، والتحليق لفترات طويلة بكاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء لمنح مستخدميها رؤية واضحة لما يحدث على الأرض حتى في ظل الظلام الدامس، كما أنه غالبًا ما يتم لصق معدات جمع الاتصالات والذكاء الإلكتروني (ELINT) على الدرونز، وهو ما يعني قدرتها على مراقبة مساحات شاسعة من الأرض. يُضاف إلى ذلك، أنه يُمكن للدرونز مراقبة اتصالات العدو، وتتبُّع تحركاته، ومراقبة الإشارات المنبعثة من معداته، إلى جانب جمع المعلومات الاستخبارية، ومراقبة الحدود الإفريقية، بشكل يسمح لشرطة الحدود بالاستجابة بسرعة أكبر لعميلات التهريب والهجرة غير المشروعة([xii]).
4- تعزيز أمن البحار
في ضوء ما تتمتع به الدرونز من مزايا متعددة من انخفاض تكلفتها وقدراتها التكنولوجية العالية السالف الإشارة إليها؛ يمكن للطائرات بدون طيار مساعدة القوات البحرية وخفر السواحل على أداء مهامها الخاصة بحماية وتأمين حدودها البحرية وموانئها ومنشآت النفط والغاز البحرية؛ حيث تمتلك دول القارة الإفريقية سواحل تبلغ نحو 26000 ميل بحري ومنطقة اقتصادية خالصة مجتمعة تبلغ 13 مليون كيلومتر مربع، وهو ما يُعظّم من حجم التحديات الواقعة على دول القارة لتأمين هذا الساحل الإفريقي، ومراقبة حركة البضائع والأشخاص، في ظل افتقار العديد من بلدان القارة إلى الإمكانات اللازمة لتأمين حدودها البحرية وتعزيز أمنها البحري([xiii]).
ثانيًا: تحديات استخدام الدرونز في إفريقيا
على الرغم من الصعود المتزايد من استخدام الدرونز العسكرية في إفريقيا؛ إلا أن هناك تحديين رئيسيين ناجمين عن الاستخدام المتصاعد للدرونز في إفريقيا، هما كالتالي:
1- غياب إطار قانوني وأخلاقي منظم لاستخدام الدرونز في إفريقيا؛
حيث يُعدّ الاستخدام المتزايد للدرونز العسكرية/المسلحة في عدد من العمليات العسكرية والأمنية، أمرًا يفوق قدرات الدول والمجتمعات لتنظيمها وتحجيمها وتقييدها، بشكلٍ يكشف عن ضَعْف الاستجابة الإفريقية والدولية للمساءلة بشأن الضربات المسلحة بطائرات بدون طيار، والحاجة لاتخاذ إجراء دولي سريع لتعزيز المبادئ القانونية بشأن استخدام الدرونز، بل والتفكير في ضوابط تصدير ونشر وبيع الدرونز وتقييم المخاطر المتعلقة ببيعها([xiv]).
فقد أوضح تقرير للأمم المتحدة أن الجيش الفرنسي قتل 16 مدنيًّا وثلاثة مسلحين في حفل زفاف في مالي، بعد أن أسيء تفسير المعلومات التي جمعتها طائرة درونز فرنسية، وهو ما يكشف عن الجانب الخطر لاستخدام الدرونز، وأبعادها الانسانية والأخلاقية([xv]).
يُضاف إلى ذلك، أنه على الحكومات تعديل اللوائح القانونية لتغطية عمليات الطائرات بدون طيار، والتأكد من أن البيانات التي تم جمعها يمكن استخدامها للاعتقالات والمحاكمات([xvi]).
2- سهول اختراق المعلومات التي تجمعها الدرونز؛
حيث إن ما تجمعه الدرونز من معلومات من أجل حماية وتأمين حدود الدول من الممكن اختراقها، وهو ما يُشكِّل خطورة بالغة؛ حيث يُمكن للفواعل من غير الدول أن “تخدع” نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) عن طريق تغيير إحداثيات موقعه أو تحييده أو تعريض السفن العابرة لمخاطر قد تؤدي إلى الاصطدامات والغرق([xvii]).
نهاية القول:
تقف الدول والمجتمعات مقيَّدة إلى حدّ كبير أمام سُبُل تقييد الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا على كافة مناحي الحياة، والتي يُعدّ استخدام الدرونز أحد أبعادها. فمع تصاعد استخدام دول القارة، وكذلك الفواعل المسلحة من غير الدول للدرونز، بات المجتمع الإفريقي والدولي أمام حتمية البحث عن إطار قانوني وآخر أخلاقي منظّم لاستخداماتها للتقليل من مخاطر هذا الاستخدام، وتحجيم وصولها إلى أيدي الفواعل من غير الدول واستخدامها بشكل غير مشروع يُهدِّد من أمن واستقرار الدول والأقاليم.
[i] -James Jeffrey, Lethal drones are a new menace to Africa, New African Magazine, 3 May 2022.
https://newafricanmagazine.com/28128/
[ii] -Idem.
[iii] -Military Drones in Africa: The New Arms Race, Military Africa , 27 March 2023
https://www.military.africa/2022/12/military-drones-in-africa-the-new-arms-race/
– [iv] منى قشطة، قراءة في مؤشر الإرهاب العالمي 2023م (3): اتجاهات النشاط الإرهابي والتوزيع المناطقي للعمليات الإرهابية، المرصد المصري، 29 مارس 2023م: https://marsad.ecss.com.eg/76406/
[v] -KAREN ALLEN, Weaponised drones – the latest tech threat to reach Africa, Institute For Security Studies, 11 OCT 2022.
https://issafrica.org/iss-today/weaponised-drones-the-latest-tech-threat-to-reach-africa
[vi] –Idem.
[vii] -Military Drones in Africa: The New Arms Race, OP.Cit.
[viii] -Turkey’s Bayraktar TB2 drone: Why African states are buying them, BBC ,
25 August 2022.
https://www.bbc.com/news/world-africa-62485325
[ix] -Idem.
[x] -Turkey’s Bayraktar TB2 drone: Why African states are buying them, OP.CIT.
[xi] -Karen Allen, Drones and Violent Nonstate Actors in Africa, Africa Center ,6 August 2021
https://africacenter.org/spotlight/drones-and-violent-nonstate-actors-in-africa/
[xii] -Military Drones in Africa: The New Arms Race, OP.CIT.
[xiii] -DENYS REVA AND TSHEGOFATSO JOHANNA RAMACHELA, Can a new wave of drone tech make Africa’s seas safer?, Institute For Security Studies, 30 NOV 2022.
https://issafrica.org/iss-today/can-a-new-wave-of-drone-tech-make-africas-seas-safer
[xiv] -Military Drones in Africa: The New Arms Race, OP.CIT.
[xv] -Use of military drones in Africa sharply increases, paxforpeace, 6 May 2021.
https://paxforpeace.nl/news/overview/use-of-military-drones-in-africa-sharply-increases
[xvi] -Idem.
[xvii] -Idem