د. هند محروس محمد الجلداوي
دكتوراه كلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة – مصر
على مدى السنوات الأخيرة، توسعت الثقافة الشعبية لكوريا الجنوبية على نطاق واسع في ظل التحول الرقمي العالمي كجزء من استراتيجية “القوة الناعمة” للدولة؛ بحيث ركّزت على تعزيز قوتها الناعمة من خلال المسلسلات والموسيقى والثقافة، بما يسمى بـ”الموجة الكورية”؛ وذلك لترسيخ نفوذها في إفريقيا والذي لم يقتصر جغرافيًّا على شمال شرق آسيا، ولكن أصبح ظاهرة عالمية.
ومن خلال أنشطة المشاركة في مختلف الأجندات العالمية، ومع تطورت القدرة التنافسية لصناعة الثقافة الكورية، حظي النمط الكوري في مجالات مختلفة مثل (الأزياء، والطعام، والفن، ومستحضرات التجميل، والمسلسلات التلفزيونية) باهتمام متزايد في جميع أنحاء العالم، وخاصةً في إفريقيا، مما كان له تأثير أكبر على توجُّهات دوائر السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية، والتي تهدف لبناء شراكة متزايدة وتكثيف العلاقات المتنوعة مع الدول الإفريقية.
وتسعى هذه الدراسة إلى فَهْم كيفية تتوسع “ثقافة كوريا الجنوبية” في إفريقيا؟، وتكشف عن الطرق التي سعت بها كوريا الجنوبية لتطوير استراتيجية قوّتها الناعمة تجاه إفريقيا، وهو ما دفَع للتساؤل؛ إلى أيّ مدًى استخدمت كوريا الجنوبية قوتها الناعمة كأداة استراتيجية للسياسة الخارجية في إفريقيا؟ وكيف تأثرت إفريقيا بثقافة كوريا الجنوبية؟
وللإجابة عن هذا التساؤل؛ تأتي هذه الدارسة من خلال ما يلي: أولًا: اهتمام كوريا الجنوبية بـ”القوة الناعمة، ثانيًا: استراتيجية القوة الناعمة لكوريا الجنوبية في إفريقيا، ثالثًا: القوة الناعمة لكوريا الجنوبية وتداعياتها الجيوسياسية في إفريقيا.
أولًا: اهتمام كوريا الجنوبية بـ”القوة الناعمة“
1- تعزيز مشاركة الثقافة الشعبية كدبلوماسية عامة:
أصبح تطبيق القوة الناعمة في السياسة الخارجية وسيلة سائدة في العلاقات التعاونية بين الدول لممارسة صلاحياتها دون الاعتماد على القوة الصلبة بشكل كبير، وتظل القوة الناعمة تلعب دورًا حاسمًا في صنع القرار في بعض الدول.
وتنظر حكومة كوريا الجنوبية (المشار إليها فيما يلي باسم كوريا) إلى القوة الناعمة على أنها مصدر بديل من شأنه أن يُوسّع موقعها في المنطقة وكذلك في جميع أنحاء العالم، ويظهر مفهوم الدبلوماسية العامة تحت مظلة القوة الناعمة ويُعدّ أداة مهمة لها، ومنذ عام 1980م قامت الحكومة بدور نشط لتنفيذ استراتيجيات منهجية مباشرة بعد زوال النظام العسكري في عام 1987م، وتم إنشاء أول “مكتب للصناعة الثقافية” داخل وزارة الثقافة والرياضة في عام 1994م، لإجراء الاستراتيجيات الثقافية التي تهدف إلى نشر منتجات الثقافة الشعبية الكورية على المستوى الدولي([1]).
وتم تطوير وتعزيز مكانة الدبلوماسية العامة كركيزة للسياسة الخارجية لكوريا في العقود الأخيرة، إلى حد كبير من خلال التدابير التي اتخذتها الحكومة الحالية لإشراك كلٍّ من الجهات الفاعلة العامة والخاصة في تنويع وإضفاء الطابع المؤسسي على الدبلوماسية العامة للدولة، ويسمح بناء الدبلوماسية العامة وتنفيذها بالاستفادة الفعالة من الموارد الثقافية للدولة، وبذلت كوريا على مدى السنوات القليلة الماضية جهودًا كبيرة لبناء الشراكات وتعزيز التعاون في جميع المجالات؛ وتحقيقًا لهذه الغاية، تم اعتماد الدبلوماسية العامة كأحد الأصول الهامة لتعزيز صورة كوريا الوطنية والارتقاء بها إلى مكانة رائدة في العالم، وأصبحت هذه الإجراءات السياسية نوعًا من “الترويج الذاتي”، ولكن على مستوى أكثر عمومية، بالإضافة إلى أنها تركّز بشكل متزايد على كسب قلوب مواطنيها والمجتمع الدولي من خلال التقديم النشط لمنتجاتها الثقافية([2]).
ولقد وصفت اليونسكو الثقافة بأنها “مجموعة من السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية المميزة للمجتمع أو فئة اجتماعية، والتي لا تشمل الفن والأدب فحسب، بل أنماط الحياة وطرق العيش معًا وأنظمة القيم والتقاليد والمعتقدات”([3]).
ويُعرّف تايلور Edward Taylor الثقافة بأنّها “ذلك الكُلّ المُركّب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوًا في المجتمع([4]).
ويؤكد نموذج تايلور أحادي الخط للتنمية أن البشر يشتركون في تاريخ مشترك، ويستند منظور القرب الثقافي على فكرة رأس المال الثقافي بمعنى تلك المجموعات التي قد تتحد بسبب وجود لغة أو ثقافة مشتركة يمكن أن تكون مجزأة من قبل رأس المال الاقتصادي والثقافي؛ وبالتالي، في حين يُفترض في كثير من الأحيان أن إفريقيا لا تشترك في القرب الثقافي مع كوريا، فإن الأفلام أو الدراما أو الموسيقى الكورية لا يزال بإمكانها جذب الجماهير الإفريقية، علاوةً على ذلك، يمكن تنمية الإلمام بالثقافات الجديدة بمرور الوقت، مما يعني أن التعرض المطول للثقافة الشعبية الكورية يمكن أن يغرس شعورًا بالألفة بحيث تصبح جوانب الثقافة الكورية شكلًا من أشكال الثقافة الثانوية للأفارقة([5]).
وتؤكد نظرية المشاركة الثقافية، التي تتعارض مع نظرية القرب الثقافي، أن بعض البلدان قد تنتج برامج ثقافية تحتوي على قِيَم مشتركة وصور وأنماط ومفاهيم عبر الثقافات، وتسمح هذه السمات لمثل هذا المحتوى الثقافي بالتجاذب عبر الحدود الثقافية، وبالمثل، تزعم نظرية القرب من القيمة أن بعض المسلسلات الدرامية تحمل نماذج ثقافية وروحًا، والتي تمتد عبر العديد من الثقافات، أو القيم التي تتجاوز الخصوصيات الثقافية، ولقد وثقت الدراسات المتعلقة “بالهاليو” بنفس القدر أنها تعرض قِيَمًا متوافقة مع الثقافات الإفريقية، على سبيل المثال، استنادًا إلى تقاليد كونفوشيوس، تدعم الثقافة الكورية القيم العائلية والتماسك والوئام بين الأشخاص وطريقة الحياة غير المواجهة، والتي تتوافق جميعها مع التراث الإفريقي، والمسلسلات الدرامية والأفلام الكورية، وهي أيضًا أقل فظاظة وفُحشًا وعنفًا، بينما في نفس الوقت تكون مثيرة وجذابة عاطفيًّا.([6])
وكانت حكومة كوريا الجنوبية محددة وصريحة للغاية بشأن أهداف سياساتها الثقافية التي ترعاها الدولة والتي تبرز إلى الخارج، بالإضافة إلى ذلك، لعبت الصناعات الثقافية دورًا متزايد الأهمية في التخطيط الاقتصادي للدولة منذ عام 2001م، عندما تم إنشاء وكالة الثقافة والمحتويات الكورية (KOCCA) The Korea Creative Content Agency للإشراف على تطورها ودعمه، وكانت إدارة (روه مو هيون The Roh Moo-hyun (2003-2008م) تهدف إلى دفع كوريا إلى أن تكون من أكبر خمس دول في الصناعة الثقافية في العالم، مع الاعتراف أيضًا بدور الثقافة (الشعبية والتقليدية على حد سواء) كأداة لـ”القوة الناعمة التي يمكن من خلالها ترقية صورة كوريا دوليًّا، كما اتخذت إدارة Lee Myung -bak لي ميونغ باك (2008-2013م) هذه المبادرة بشكل أكبر من خلال تطوير مفهوم الدبلوماسية الثقافية كشكل من أشكال القوة الناعمة لتعزيز شرعيتها الدولية والمحلية، وحددت “العلامة التجارية الوطنية” كأداة لتحقيق هذه الصورة، ولذلك كان إنشاء “المجلس الرئاسي المعني بالعلامات التجارية الوطنية” في عام 2009م هو مؤشر واضح آخر على مدى جدية كوريا في التعامل مع ضرورة بناء قوتها الثقافية الناعمة، وجاء في البيان الذي نُشِرَ على موقعه على الإنترنت أن “الهدف من البرنامج هو تعزيز مكانة كوريا الوطنية ومكانتها في المجتمع الدولي من خلال تنفيذ استراتيجيات منهجية وشاملة”([7]).
واستنادًا لما سبق، في الآونة الأخيرة تمتعت الثقافة الكورية والفنون بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم، في سبيل تفعيل القوة الناعمة لاستغلال الانتشار الواسع الذي حققته منتجات الثقافة الشعبية نحو أهداف السياسة الخارجية الكورية، توجهت الحكومة باستخدام كبار نجوم ثقافة البوب لخدمة أجندة السياسة الخارجية للدولة.
2- المشاركة الدبلوماسية لكوريا الجنوبية الموجهة نحو تنوع أشكال التعبير الثقافي:
تشتهر كوريا الجنوبية بدبلوماسيتها السمعية والبصرية التي بدأت في الثمانينيات، فهي لديها عدد 20 عنصرًا مدرجًا كتراث غير ماديّ، يتضمَّن ذلك الموارد اللينة القائمة على الصوت مثل الأغاني الشعبية الغنائية Arirang، ودورات الأغاني الغنائية Gagok مصحوبة بالأوركسترا، وأنشودة Pansori الملحمية والموارد الناعمة السمعية والبصرية بما في ذلك موسيقى فرقة مجتمع Nongak والرقص والطقوس، وGanggangsullae؛ حيث تُغنّي الفتيات الصغيرات غير المتزوجات وترقصن، Yeongsanjae إعادة تمثيل بوذا الذي يقدم لوتس سوترا على سبيل المثال لا الحصر من تراثها غير المادي الذي يعرض كوريا لتكون شبه جزيرة غنية ثقافيًّا.([8])
فمنذ سَنّ قانون حماية وتعزيز التنوع الثقافي في نوفمبر 2014م، بذلت كوريا جهودًا لزيادة الوعي بقيمة التنوع الثقافي، وتوسيع فرصة التعبير الثقافي عبر المجتمع، ولتعزيز التعددية الثقافية في المجتمع الكوري، نفذت الحكومة مشاريع ثقافية للأُسَر المتعددة الثقافات واللاجئين الكوريين الشماليين، فضلًا عن تشغيل برامج فنية مختلفة للنساء والمُعاقين؛ لإتاحة الفرصة للأقليات الاجتماعية للمشاركة في الأنشطة الثقافية، كما تم تنفيذ عدد من برامج التنوع الثقافي لمعالجة التفاوتات الإقليمية والأجيال، وأنشأت أيضًا منبرًا للتبادل الثقافي والفني للبلدان النامية كجزء من مشاريعها للمساعدة الإنمائية الرسمية، وتشمل هذه المشاريع مبادرة الشراكة الثقافية، التي تُوفِّر التدريب وبرامج الإنتاج المشترك للفنانين من البلدان النامية في آسيا؛ مشروع الحلم الذي يدعو الأشخاص الموهوبين فنيًّا في تلك البلدان إلى دورات تعليمية فنية مكثَّفة في كوريا؛ ومشروع مكتبة صغيرة، وهو مشروع مصمم لإنشاء مكتبات في البلدان الإفريقية؛ ومشاريع حماية الممتلكات الثقافية لنقل تكنولوجيا الحفظ والترميم إلى البلدان النامية، كما شرعت الحكومة الكورية في مشاريع ثقافية محلية مثل برامج القسائم الثقافية وتقاسم الثقافة (cultural welfare)، المصممة لتعزيز حقوق الأشخاص المنفردين اقتصاديًّا واجتماعيًّا ومحليًّا في التمتع بالثقافة([9]).
ولتعزيز مبادرات المجتمع المدني من أجل التنوع الثقافي، تم تصميم مشروع جسر قوس قزح The Rainbow Bridge Project لزيادة الوعي بالتنوع الثقافي وتعزيز مشاريع التنوع الثقافي التي تُركّز على الفنون والثقافة، كما تسعى إلى تطوير والحفاظ على مشاريع مكتفية ذاتيًّا للتنوع الثقافي في المجتمعات المحلية، وهي تساعد الأقليات الثقافية على توسيع أدوارها كجهات فاعلة نَشِطَة في المشاهد الثقافية من خلال التبادل والتواصل والتفاعل بين الثقافات، وبموجب المادة 11 من قانون التنوع الثقافي، تم تخصيص يوم التنوع الثقافي لتعزيز فَهْم الجمهور للتنوع الثقافي، وتعزيز التمتع الثقافي ونشر قيمة التنوع الثقافي.([10])
وأضف إلى ذلك، التزمت جمهورية كوريا التزامًا قويًّا بمواصلة شراكتها النشطة مع اليونسكو لتعزيز قيمة اتفاقية عام 2005م بشأن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، ومنذ عام 2008م دعمت الصناديق الائتمانية المشتركة بين كوريا واليونسكو أكثر من 25 مشروعًا في البلدان النامية لبناء بيئة مواتية للصناعات الثقافية والإبداعية، وقد أطلقت كوريا الطبعتين السابقتين من التقرير العالمي، ونظمت المنتديات لإثراء الحوار حول السياسات ومتابعة آخر التطورات في مجال السياسات لدعم الفنون والإبداع.([11])
ثانيًا- استراتيجية القوة الناعمة لكوريا الجنوبية في إفريقيا
1- انتشار الموجة الكورية (هاليو)([12]) في إفريقيا:
تعد الموجة الكورية أو(هاليو) مصطلح يُستخدَم على نطاق واسع لوصف النجاح الدولي لعدة مجالات كالموسيقى والأفلام والتلفزيون والأزياء والطعام لكوريا الجنوبية؛ وتستخدمه حكومة كوريا الجنوبية كأداة للتعامل مع العلاقات الثنائية للبلاد، وبدعم من الدبلوماسية الثقافية، كعمل من أعمال القوة الناعمة لتحقيق المصالح الوطنية في العلاقات الثقافية بين بلدين بسياقات وطنية مختلفة([13]).
ويمكن إرجاع أصل الموجة الكورية إلى الدراما التلفزيونية الكورية في عام 1997م، والتي تم بثها تلفزيونيًّا بواسطة الدوائر التلفزيونية المغلقة (CCTV) Closed-circuit television في الصين، ومنذ ذلك الحين وحتى بداية عام 2000م اكتسبت الدراما الكورية وأغاني البوب الكورية شعبية في الصين وتايوان وفيتنام، وحققت العديد من الأعمال الدرامية التي تتعامل مع الثقافة التقليدية الكورية نجاحًا كبيرًا في عامي 2002 و2003م، ووضع نجاح تلك الجهود الثقافية الأولى للموجة الكورية الأساس لنشر الثقافة الشعبية الكورية إلى المزيد من البلدان([14]). ويظهر الجدول رقم (1) تطور الموجة الكورية:
الجدول (1) تطور الموجة الكورية حسب الفترة
الموجة الكورية 3,0 | الموجة الكورية 2,0 | الموجة الكورية 1,0 | |
• من أوائل 2010s إلى الوقت الحاضر | • من منتصف 2000s إلى أوائل 2010s | • من 1997 إلى منتصف 2000s | مرحلة زمنية |
• تنوع الموجة الكورية بما في ذلك الألعاب عبر الإنترنت والمأكولات والأزياء ومنتجات التجميل. | • انتشار الموجة الكورية.
• تركز على مجموعات K-pop. |
• ظهور الموجة الكورية.
• التركيز على المحتوى المرئي. |
الخصائص |
• K-الثقافة. | • البوب الكوري. | • الدراما التلفزيونية. | النوع الرئيسي |
• الثقافة التقليدية والفن، والثقافة الشعبية ونمط الحياة. | الثقافة العامة، وبعض أجزاء الفن والثقافة. | • الدراما والأفلام والبوب الكوري. | الأنواع |
• في جميع أنحاء العالم. | آسيا وبعض أجزاء أوروبا وإفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية والولايات المتحدة. | • آسيا | قطر |
• جميع أنواع الوسائط بما في ذلك OTT (Netflix). | • مواقع الفيديو (يوتيوب)، SNS (الفيسبوك، تويتر). | • تلفزيون الكابل وتلفزيون مع قنوات فضائية وإنترنت. | وسائل الإعلام الرئيسية |
Source: Dr. Minsung Kim,” The Growth of South Korean Soft Power and Its Geopolitical Implication”, Journal of Indo-Pacific Affairs (Maxwell AFB, Alabama: Air University Press, October 2022) p.128.
ومن ذلك يتضح لنا أن الموجة الكورية تغيرت بشكل كبير من منتصف عام 2000م إلى بداية عام 2010م عندما ارتفعت موسيقى البوب الكورية إلى شعبية عالمية، وهناك اختلافات كبيرة بين الموجة الكورية 1,0 و 2,0، وليس أقلها حقيقةً أن K-pop تميز الموجة الكورية 2,0، فقد انتشرت الأغاني الكورية خارج الصين واليابان وجنوب شرق آسيا، ووصلت إلى الدول الأخرى، ومن خصائص الموجة الكورية 2,0 أيضًا هي انتشارها من خلال مواقع الفيديو الشهيرة وخدمات الشبكات الاجتماعية Social Networking Services (SNS)، والاهتمام العالمي بالدراما التي تتعامل مع التقاليد الثقافية الكورية، وتوسيع المحتوى بشكل عام.([15])
2- السياسات الثقافية للقوة الناعمة التي تقودها حكومة كوريا الجنوبية:
إن حكومات كوريا الجنوبية قد وضعت سياسات ثقافية مختلفة كاستراتيجية اقتصادية، وقد تحولت هذه السياسات في وقت لاحق إلى أدوات دبلوماسية عامة، وبدأت في استخدام الصناعة الثقافية لتحفيز النمو الاقتصادي، وبدأت في إنشاء سياسة ثقافية نشطة في التسعينيات، وكانت هناك قصة شهيرة تتعلق بمثال عندما قدم المجلس الاستشاري الرئاسي للعلوم والتكنولوجيا عرضًا تقديميًّا إلى الرئيس كيم يونغ سام Kim Young-Samبشأن التصدير المحتمل للصناعة الثقافية؛ حيث أشار المجلس إلى حقيقة أن فيلم هوليوود ((Jurassic Park حقَّق إيرادات تعادل إيرادات تصدير 1,5 مليون سيارة هيونداي إلى الخارج، ومنذ ذلك الحين، قدمت حكومات كوريا سياسات متنوعة لدعم الصناعات الثقافية، مع التركيز بشكل أساسي على الاستراتيجيات الاقتصادية التي تركز على التصدير، وعلى سبيل المثال، أعلنت إدارة كيم داي جونغ The Kim Dae-Jung، ابتداءً من عام 1998م، عن خطة تطوير دعم صناعة (هاليو) التي تهدف إلى زيادة قيمة الصناعة الثقافية الكورية الجنوبية. وفي ذلك الوقت، وسّعت إدارة كيم ميزانيتها للصناعة الثقافية من 14 مليون دولار أمريكي في عام 1998م إلى 84 مليون دولار أمريكي في عام 2001م. وبالمثل، زادت إدارة روه مو هيون The Roh Moo-hyun من الإعانات المقدَّمة للشركات الناشئة الثقافية، واستثمرت الحكومات أيضًا في هذه المبادرات لتحسين مناخ الصناعة الثقافية، وسنَّت قوانين لحماية الأسواق الثقافية المحلية، فمثلًا، كان هناك القانون الأساسي لصناعة الثقافة في عام 1999م، وإنشاء وكالة الثقافة والمحتوى في عام 2001م، وقانون تنمية صناعة المحتويات الرقمية على الإنترنت في عام 2002م، وأضف إلى ذلك، قانون ترويج الأفلام السينمائية لعام 1995م الذي يهدف إلى حماية صناعة السينما المحلية في كوريا الجنوبية من خلال تنفيذ تأمين حصص الشاشة([16]).
وعادةً ما يصنّف العلماء ثلاث فترات من الظهور إلى الحاضر في تفسير الموجة الكورية، وبدأت الفترة الأولية بشعبية عدد قليل من الدراما التلفزيونية مثل What is Love) : و Dae-jang-guem وWinter Sonata )، والتي كانت تحظى بشعبية خاصة في الصين وتايوان واليابان، بدرجات متفاوتة من الاهتمام في أماكن أخرى من آسيا أيضًا، وعلى سبيل المثال، عندما بثّ تلفزيون الصين المركزي (CCTV) الدراما التلفزيونية: (ما هو الحبWhat Is Love ) في عام 1997م، احتل المرتبة الثانية بين المحتوى المستورد، وساعد هذا في تحريك الموجة الكورية في الصين بما في ذلك ظهور مصطلح (هاليو(، وفي حالة اليابان أصبحت Winter Sonata، التي بثَّتها هيئة الإذاعة العامة اليابانية Nippon Hōsō Kyōkai (NHK) في عام 2003م، “نجاحًا كبيرًا”، وزادت السياحة اليابانية إلى كوريا الجنوبية في أوائل عام 2000م، هذه الفترة هي الجيل الأول من الموجة الكورية (Hallyu 1.0) وفي هذه الفترة كانت شعبية الثقافة الكورية الجنوبية تقتصر جغرافيًّا على آسيا، بما في ذلك دول جنوب شرق آسيا، وخلال هذه الفترة من 1997م إلى منتصف عام 2000م، ركَّز المحتوى الرئيسي على الدراما التلفزيونية، والتي كانت شائعة خاصةً بين بعض مجموعات المعجبين([17]).
3- استراتيجية القوة الناعمة لكوريا الجنوبية للتعاون التنموي الثنائي:
المساعدة الإنمائية الرسمية هي تدفق الموارد من حكومة إلى أخرى، وبالتالي تشير إلى العلاقة بين المانحين والبلدان المتلقية، وكانت سياسة المساعدات الخارجية الكورية كفرصة لكوريا لتقديم منظور جديد لقوتها الناعمة تجاه إفريقيا، ومِن ثَم زادت المساعدة الإنمائية الرسمية لكوريا منذ أوائل عام 2000م، وبين عامي 2006 و 2010م تدفقت المساعدة الإنمائية الرسمية بزيادة معدل 29% كل عام([18])، وبلغ المبلغ الإجمالي للمساعدة الإنمائية الرسمية الكورية لإفريقيا 35,6 مليون دولار أمريكي في عام 1991م، وفي عام 2011م بلغ تدفق المساعدة الإنمائية الرسمية 1,32 مليار دولار، والذي ارتفع إلى 556,1 مليون دولار أمريكي في عام 2017م، وركزت المساعدة الإنمائية الرسمية الكورية لإفريقيا على ثلاثة قطاعات: التعليم والصحة والإدارة العامة التي شاركت بنسبة 68٪ من إجمالي المساعدة الإنمائية الرسمية لإفريقيا في عام 2017م، وتقاسم قطاع التعليم أكبر نسبة في إفريقيا بنسبة 25,6٪ من الإجمالي في عام 2017م، تليها الصحة والإدارة العامة بنسبة 22.4٪ (20 مليون دولار أمريكي) و20.6٪ (19 مليون دولار أمريكي)، على التوالي، ويُعزَى ارتفاع نسبة المساعدة الإنمائية الرسمية للتعليم إلى ارتفاع نسبة الأمية ونقص العمالة الماهرة في بعض الدول الإفريقية(([19]. ويظهر ذلك في الجدول التالي:
الجدول (2) اتجاه المساعدة الإنمائية الرسمية الكورية إلى إفريقيا 1991-2017م
(الوحدة: مليون دولار أمريكي)
سنة | 1991 | 1995 | 2000 | 2005 | 2010 | 2015 | 2017 |
مبلغ | 35.6 | 8.9 | 59.2 | 74.7 | 523.1 | 517.6 | 556.1 |
المجموع100% | 26.3 | 3.8 | 16.7 | 10.4 | 26.7 | 23.1 |
23.9 |
Source: Jin-sang Lee,” Issues Raised on Korea’s Official Development Assistance to Africa: Future Perspective”, In: Chang, Y. (eds) South Korea’s Engagement with Africa. Book: Africa’s Global Engagement: Perspectives from Emerging Countries (Singapore: Palgrave Macmillan, December 2019) P87.
وإذا كانت هذه هي الحال؛ فنستنتج من الجدول السابق، أن كوريا تواصل استخدام المساعدة الإنمائية الرسمية في إفريقيا كأداة للقوة الناعمة؛ لتأكيد تفرد تجربتها الإنمائية.
ومن ذلك؛ أن الحكومة الكورية التزمت بالمساهمة في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، وأعلنت أنها ستزيد من مساعداتها لإفريقيا لهذا الغرض، وذكرت إدارة روه مو هيون Roh Moo-hyun في أول “استراتيجية منتصف المدة للمساعدة الإنمائية الرسمية Official development assistance (ODA) (2008-2010م)”، أنه في عام 2007م “ستوسع كوريا المساعدة الإنسانية لإفريقيا كجزء من جهود المجتمع الدولي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية”، وشددت إدارة روه Roh بالفعل على أهمية تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في إعلان كوريا، الذي تم تبنّيه في الاجتماع الأول للمنتدى الكوري الإفريقي (KAF) Africa-Korea Forum في عام 2006م، وبعد ذلك، أعلنت إدارة لي ميونغ باك Lee Myung-bak أنَّ كوريا “ستُوسّع الجهود التعاونية مع المجتمع الدولي للمساعدة في تحقيق الأهداف المنصوص عليها في الأهداف الإنمائية للألفية التابعة للأمم المتحدة ودعم البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط في العالم”([20])، وكانت إفريقيا محور تركيز في السياسة الخارجية خلال فترة رئاسة Lee Myung-bak، وظهر ذلك خلال خطابه 2010م؛ حيث أكد على أن توطيد العلاقات الدبلوماسية مع القارة أولوية، وأعقب ذلك زيارته لإفريقيا في عام 2011م، حيث زار خلالها جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا([21]).
وقد تم إنشاء الوكالة الكورية للتعاون الدوليThe Korea International Cooperation Agency (KOICA) لتقديم المِنَح والمتطوعين لمجموعة واسعة من المشاريع التعاونية في جميع أنحاء العالم([22])، كما أصبح منتدى التعاون الكوري الإفريقي (KOAFEC) Korea-Africa Economic Cooperation يضم لاعبين مُهتمّين بتوسيع نطاق التعاون الاستثماري الاقتصادي الكوري الإفريقي؛ وتُمثل شركات مثل (Hyundai Motors – LG Electronics – Posco Steel) أمثلة على استمرار الاستثمار الكوري في أجندة التنمية في إفريقيا، مع تحقيق السوق الاستهلاكية في الدول الإفريقية واستخدام الموارد الطبيعية، وتتلقى إفريقيا المهارات الكورية ونقل التكنولوجيا والبنية التحتية من كوريا في جدول أعمال التنمية الخاص بها، في المؤسسات الليبرالية الجديدة، ويتصرف كلّ من كوريا وإفريقيا بقدرتهما العقلانية في السعي لتحقيق المصالح المشتركة والمكاسب القصوى من خلال المشاركة النشطة في منتدى كوريا وإفريقيا أو KOAFEC))، فالمؤسسات المذكورة أعلاه تمثل جهات فاعلة دولية مهمة؛ لأنه بدونها تقل فرص التعاون بين الدول، وحتى إذا حدث ذلك، فمن غير المرجح أن تحقق أكبر قدر من المكاسب([23]).
في غضون ذلك، لا تزال كوريا أحد الشركاء الإنمائيين الأقوياء والثابتين لإفريقيا ولمصرف التنمية الإفريقي African Development Bank (AFDB)، على وجه الخصوص، وقد استند التعاون بين مجموعة البنك الدولي وكوريا إلى التقارب الأساسي بين استراتيجية مجموعة البنك الدولي والمبادئ العامة التي تقوم عليها المساعدة التي تقدمها كوريا إلى البلدان النامية، وكلاهما يدعم الحد من الفقر وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في القارة، كما أنهما يتشاطران التزامًا عميقًا بتعزيز تنمية الموارد البشرية، وتقديم المساعدة الإنمائية إلى البلدان الإفريقية، وتمشيًا مع هذه القيم المشتركة، كانت المساعدة التي تقدّمها كوريا للبنك الدولي في الماضي كبيرة ومتنوعة([24]). وتراوح ذلك بين الدعم القوي وتجديد موارد صندوق التنمية الإفريقي بمساهمة إجمالية قدرها 155 مليون دولار أمريكي في اتفاقات التعاون التقني المثمرة التي أبرمت بين عامي 1998 و2007م، وفي إطار هذه الاتفاقيات، موَّلت كوريا 17 مشروعًا بالتزامٍ إجماليّ قدره 5,19 مليون دولار أمريكي، وبموجب مذكرة التفاهم بشأن أنشطة التمويل المشترك بين حكومة كوريا ومصرف التنمية الإفريقي في أكتوبر 2008م، وخصصت كوريا 200 مليون دولار أمريكي للفترة 2009-2011م للمشاركة في تمويل مشاريع القطاع العام في إفريقيا([25]).
ثالثًا- القوة الناعمة لكوريا الجنوبية وتداعياتها الجيوسياسية في إفريقيا
1- تداعيات القوة الناعمة على السلع الثقافية في إفريقيا:
صنّف العالمي كوريا الجنوبية في المرتبة 14 في عام 2020م، واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى، بينما احتلت اليابان والصين المجاورتان المرتبة 4، 5 على التوالي، وصعدت كوريا الجنوبية في عام 2021م إلى المركز 11، وتراجعت الولايات المتحدة إلى المركز 6، وسجّلت الصين المركز8، بينما دخلت اليابان منصة التتويج في المركز(2)، وكانت ألمانيا في المرتبة (1)، وتراجعت كوريا الجنوبية في عام 2022م مركزًا واحدًا إلى المرتبة 12، واستعادت الولايات المتحدة المركز الأول (1)، واستعادت الصين المرتبة الرابعة 4، تليها اليابان (5).
عند مراقبة النتائج الفعلية عن كثبٍ، نجد أن كوريا الجنوبية ارتفعت من 48,3 في عام 2020م، إلى 51,3 في عام 2021م، و52,9 في عام 2022م. بشكل عام، وهذا يعني أن جاذبية البلاد آخِذَة في الازدياد، لكن أداء بعض البلدان الأخرى كان أفضل([26]).
ويمثل هذا المؤشر الذي نُشِرَ لأول مرة في عام 2020م، محاولة للقيام بذلك من خلال اختيار دقيق للمعايير التي تهدف إلى تقييم قوة الجذب، ويصنّف المؤشر القوة الناعمة والألفة العالمية لكل بلدٍ وسُمعته وتأثيره، مقترنًا بسبع فئات من الميزات الجذابة (الأعمال والتجارة، والحوكمة، والعلاقات الدولية، والثقافة والتراث، والإعلام والاتصال، والتعليم والعلوم، والأفراد والقيم)([27]).
وفي هذا السياق، يوضح جوزيف ناي Joseph S. Nye أن أي بلد لا يمكن أن يزدهر على القوة الناعمة وحدها، ولكنّ المستوى المتوازن من القوة الصلبة والناعمة يمكن أن يوفّر للدولة فرصًا كبيرة للنمو والازدهار، ويتطلب تطوير هذه الموارد قدرًا بارعًا من صنع السياسات، ويوضح Nye أيضًا أن القوة الناعمة لها ثلاثة مصادر: ثقافة البلاد، وقِيَمها في المجال المحلي، وسياساتها الدولية المشروعة.
ويمكن للمرء أن يجد هذه المصادر الثلاثة متوفرة في حالة كوريا الجنوبية؛ أولًا: تظهر الثقافة الكورية الجنوبية –مثل موسيقى البوب الكورية، وانتشارها في جميع أنحاء العالم– تأثير القوة الناعمة. ثانيًا: من حيث القِيَم المحلية، تقدم كوريا الجنوبية “قصة نجاح رائعة”، إلى جانب تنميتها الاقتصادية ونجاحها السياسي الكبير في التحول إلى ديمقراطية نابضة بالحياة. وباعتبارها الركيزة الثالثة للقوة الناعمة، يؤكد ناي Nye أن “كوريا يمكن أن تكون متميزة في إظهار ما يَعنيه النجاح من خلال سياساتها الدولية”، وبالمثل، يقترح أن كوريا الجنوبية قادرة على توسيع جدول أعمال سياستها الخارجية إلى ما هو أبعد من الأمن إلى تغير المناخ وحقوق الإنسان والاستجابة للجائحة؛ لذلك، يمكن لها أن تضطلع بدور دولي أكثر أهمية من حيث إنتاج المنافع العامة العالمية، وهو وضع مربح للجانبين للبلاد والمجتمع العالمي.([28])
وقد قسمت اليونسكو بيانات التصدير السلع الثقافية إلى ستة مجالات ثقافية أساسية؛ هي: التراث الثقافي والطبيعي، والأداء والاحتفال، والفنون البصرية والحِرَف اليدوية، والكتب والصحافة، ووسائط الإعلام السمعية البصرية والتفاعلية، وخدمات التصميم والإبداع، ومن بين كل مجال من هذه المجالات الستة، تختلف حصة الصادرات العالمية([29]). ويظهر ذلك في الجدول رقم (3) التالي:
الجدول (3) الصادرات العالمية من السلع الثقافية حسب البلد (أعلى 20 دولة، 2013م)
Source: Jimmyn Parc ,” Korea’s cultural exports and soft power: Understanding the true scale of this trend”, Asialink , (Victoria, Australia:The University of Melbourne ,09 Aug 2022) Available At: https://cutt.us/xr2I8
ففي عام 2013م، شكَّلت الفنون البصرية والحِرَف اليدوية حوالي 70% من إجمالي الصادرات العالمية، في حين شكَّلت “الكتب والصحافة” و”الأداء والاحتفال” حوالي 10% على التوالي، وكوريا مُدْرَجَة فقط ضمن أفضل 20 للأداء والاحتفال (المرتبة 16)، والفنون البصرية والحرف اليدوية (المرتبة 13)، وخدمات التصميم والإبداع (المرتبة 3)، وهذا يختلف كثيرًا عن التصور الشائع، بالنظر إلى أن السلع الثقافية الشعبية الكورية مثل موسيقى البوب الكوريةK-pop والدراما والأفلام تندرج تحت وسائل الإعلام السمعية البصرية والتفاعلية.
وتجدر الإشارة إلى أن مساهمة هذه الفئة في إجمالي صادرات السلع الثقافية العالمية هامشية جدًّا مقارنةً بالمجالات الأخرى؛ لذا يمكن القول: إن هذا قد يعكس ببساطة عمر البيانات، والذي يسبق العديد من النجاحات البارزة مثل BTS أوParasite .([30]) ويظهر الشكل التالي رقم (1) ازدياد تصدير السلع الثقافية الكورية:
الشكل رقم (1) معدل النمو السنوي لصادرات السلع الثقافية وجميع السلع 2004-2013م
Source: UNESCO Institute for Statistics (UIS) based on data from UN Comtrade, DESA/UNSD, 2015
UNESCO,Institute for Statistics, THE GLOBALISATION OF CULTURAL TRADE: A SHIFT IN CONSUMPTION, International flows of cultural goods and services 2004-2013,( Montreal, Canada: The UIS ,2016) P16.
يعكس الشكل السابق، توجُّه مؤشر كوريا الجنوبية إلى التهجين الثقافي؛ من خلال السلع الثقافية، كجزء من أهدفها السياسية والاقتصادية.
2- تأثير الثقافة الشعبية الكورية (“هاليو” أو الموجة الكورية) على بعض المجالات:
أ- الدراما والافلام والسينما الكورية التي نجحت في إفريقيا:
عند الحديث عن السينما الكورية، عادة ما تحسب الوقت من عام 1945م فصاعدًا؛ تأخذ الأفلام الكثير من التأثير من ماضي كوريا؛ حيث تعرض الكثير من المواد من الاحتلال الياباني، والحرب الكورية، والطريق نحو الديمقراطية والعولمة، وما إلى ذلك، فعلى الرغم من أنه لا يزال هناك بعض الخجل من وضع مواد معينة في الفيلم، إلا أن صانعي الأفلام الكوريين في الوقت نفسه جريئون في التعبير عن آرائهم في المجتمع، من خلال أفلام تلقى استحسانًا دوليًّا مثل The Handmaiden و Parasite.([31])
ففي السنوات الأخيرة، حظي عدد من الأفلام الكورية الجنوبية بقدر من الاهتمام، كما اكتسبت الدراما الكورية شعبية هائلة، وهي معروفة أيضًا بالتصوير السينمائي الجميل، والذي اشتهر بقصصه الرومانسية، والتي غالبًا ما تتميز بمزيج من الكوميديا والدراما، وتمكنت الدراما الكورية من جذب انتباه الجماهير من جميع أنحاء العالم، وقد حققت نجاحًا ليس فقط في آسيا، ولكن أيضًا في إفريقيا، وأصبحت عروض مثل “Crash Landing on You” و “Itaewon Class”ناجحة في البلدان الإفريقية مثل نيجيريا وغانا؛ حيث أشاد العديد من المعجبين بجودة سرد القصص وأداء الممثلين.
وفي هذا الصدد، تختلف الدراما الكورية عن الكثير من المحتوى التلفزيوني الغربي؛ حيث يتم تصنيعها عادًة لتستمر لموسم واحد فقط، مع حبكة شاملة واحدة تدوم من 12 إلى 16 حلقة أو نحو ذلك؛ وقد تستمر القصص والمسلسلات التاريخية لفترة أطول، حتى تصل إلى 200 حلقة، ولكن يتم إعداد غالبية التلفزيون في وقت الذروة بهذه الطريقة، وتتراوح الأعمال الدرامية حول مجموعة متنوعة من الموضوعات، من التاريخ والحركة إلى المدرسة والحياة العملية. ومع ذلك، فإن العديد من الأعمال الدرامية الأكثر شعبية كان لها قصة رومانسية كعنصرٍ رئيسٍ، وغالبًا ما تُلْعَب قصص الحب على الشاشة في كوريا بشكل مختلف تمامًا عما هو شائع في الغرب؛ حيث لا تزال مشاهد غرفة النوم نادرة نسبيًّا، وفي السنوات القليلة الماضية، أصبحت الدراما الكورية أكثر اهتمامًا بمُعالَجة القضايا المجتمعية اليوم، مثل الطبقية والصحة العقلية والبلطجة وكاميرات التجسس والفساد، وما إلى ذلك.([32])
وقد حققت الدراما الكورية نموًّا بنسبة 123,4٪ في المشاهدة على Netflix، ونمت صناعة السياحة بنسبة 34٪ في عام 2018م، وبالتالي استخدام الثقافة الشعبية كوسيلة للدبلوماسية ليس حدثًا جديدًا، ولكن النمو الهائل لشعبية الثقافة الكورية الجنوبية ظاهرة لم يسبق لها مثيل؛ وهي ظاهرة ستقود السياسة الخارجية للبلاد([33]). ووفقًا لمسحٍ أُجري في 18 دولة في أواخر عام 2021م، ذكر أكثر من 49% من المستجيبين أن الدراما الكورية كانت تحظى بشعبية كبيرة في بلدانهم في ذلك العام، وفي المجموع، شعر حوالي 77% من المستجيبين أن الدراما الكورية كانت شائعة بشكل عام حتى خارج دوائر المعجبين المخصصة(([34].
ب- شعبية موسيقى البوب الكورية الجنوبية (K-pop) في إفريقيا:
وفقًا لـ Phiona Okumuرئيسة قسم الموسيقى في Spotify لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، “من المثير للدهشة أنَّ هناك زيادة بنسبة 93٪ على أساس سنوي في تدفقات K-pop في إفريقيا عام 2022م، والتي تمثل أكثر من 3 مليارات ساعة من البث، ومن الواضح من هذه البيانات أن الكيبوب ليس مجرد مرحلة عابرة، ولكن لديه قاعدة جماهيرية إفريقية مخلصة ومتنامية”، وبعض الأسواق الرئيسية التي ساهمت في هذه الزيادة هي نيجيريا؛ حيث كانت هناك زيادة بنسبة 267٪ في تدفقات الكيبوب، وغانا بنسبة 236٪ وكينيا بزيادة 140٪([35]). ويعزو البعض الاهتمام المتزايد بالكيبوب في القارة، مثل (National Geographic ناشيونال جيوغرافيك) الصعود العالمي لموسيقى البوب الكورية إلى الوباء، الذي جذب انتباه العالم عن غير قصد إلى هذه القوة الثقافية في شرق آسيا، ففي جميع أنحاء العالم استفاد الملايين من وقتهم وشاهدوا الدراما الكورية مثل مسلسل لعبة الحبارSquid Game، والذي حقق أكثر من 2,1 مليار ساعة من البث في جميع أنحاء العالم، وفقًا لـNetflix ، وهذا يعادل حوالي 239,700 سنة([36])، وأيضًا، قدَّم أحد أعضاء BTS جونغكوك عرضًا غنائيًّا في حفل افتتاح كأس العالم FIFA في قطر في نوفمبر نهاية عام 2022م، وهذا يجعل الجماهير يسعون لاكتشاف جوانب متعددة من الثقافة الكورية.
ويكشف مسح أجري في جنوب إفريقيا في عام 2019م، أن 15,5% من المستجيبين أن الكيبوب يحظى بشعبية كبيرة داخل البلاد، ومع ذلك، ذكر 41% أنهم يعتبرونها شائعة فقط بين عدد قليل من الناس، في حين أن 22,3% لا يعتبرونها شائعة في جنوب إفريقيا(([37].
وفي الأساس، يمكن للمرء أن ينظر إلى نجاح القوة الناعمة لكوريا كنتيجة لاختراق موسيقى الكيبوب الأسواق العالمية مع موسيقى Psy’s Gangnam Style التي تصدرت قائمة الفيديو الأكثر مشاهدة على YouTube بتجاوز 1 مليار مشاهدة بحلول ديسمبر 2012م، على وجه الخصوص، كان لـ Gangnam Style تأثير كبير حول العالم. وعلى سبيل المثال، حاول كثير من الرموز السياسية الرئيسية في العالم مثل رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، ورئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، القيام بتحركات جانجنام ستايل، كما رحَّب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بأسلوب جانجنام لاستخدامه في تعزيز السلام العالمي، وذلك أثناء لقائه برئيس كوريا الجنوبية خلال اجتماع ثنائي في 1 مايو 2013م، واعتبر الرئيس باراك أوباما أسلوب جانجنام مؤشرًا رئيسيًّا على الانتشار المكثف (للهاليو) وأن الاستقبال الإيجابي لأغنية Psy’s، Gangnam Style، مِن قِبَل الرموز الرئيسية في العالم يعني أن ثقافة K-pop المنتشرة أصبحت لا يمكن إيقافها([38]).
جـ- التبادل الثقافي الكوري–الإفريقي وانتشار مراكز التكنولوجيا النشطة الموجهة لإفريقيا:
بما أن اللغة هي أحد المحددات الثقافية، تستمر كوريا في توسيع حضورها الثقافي للغة في إفريقيا؛ بحيث تم افتتاح أول مركز ثقافي لكوريا الجنوبية في إفريقيا في (نيجيريا – أبوجا) عام 2010م، وهو المركز 33 في العالم الذي يتم افتتاحه([39])، كما افتتحت أيضًا المركز الثقافي الكوري في جنوب إفريقيا في العاصمة الإدارية بريتوريا في يوم 24 نوفمبر 2021م([40]) (جنوب إفريقيا – بريتوريا).
ويأخذ التبادل الثقافي الكوري -الإفريقي اتجاهًا تفاعليًّا، وفقًا لتقرير Duolingo لعام 2020م “عام في اللغة”؛ حيث وجد التقرير أن اللغة الكورية هي سابع أكثر اللغات شعبية في العالم للدراسة على التطبيق، بزيادة مركزين عن العام السابق، ويعزو التقرير تزايد شعبية اللغة الكورية إلى الموجة الكورية، أي الاهتمام العالمي المتزايد بثقافة البوب الكورية، وخاصة موسيقى البوب الكورية والدراما الكورية والأفلام الكورية، وكمؤشر آخر على الصعود العالمي لكوريا، زاد عدد King Sejong Institutes مراكز اللغة الكورية التي تديرها حكومة كوريا الجنوبية، بشكل كبير منذ عام 2007م، فعندما تم إطلاق الشبكة مع 13 معهدًا فقط في ثلاثة بلدان، بحلول عام 2019م، كان هناك 172 لـKing Sejong Institutes في 56 دولة، وفي عام 2020م، توسعت الشبكة بشكل أكبر لتشمل 213 معهدًا تعمل في 76 دولة([41]).
فكوريا تنظر لإفريقيا بمنظور جديد يركّز على الشباب والتكنولوجيا وريادة الأعمال، وقد استضافت مؤسسة كوريا وإفريقيا مؤتمر سيول الثاني حول إفريقيا، تحت شعار “تكامل إفريقيا: الموروثات والآفاق الجديدة”، وهي ذراع وزارة الخارجية الكورية، والتي تعزز التعاون بين القطاعين الخاصين الكوري والإفريقي، وقدّم المؤتمر حلقات نقاش حول الشركات الناشئة الإفريقية وفرصة لرُوّاد الأعمال الشباب من إفريقيا وكوريا للتواصل، وتفيد رابطة ” GSMA” التجارية أن هناك أكثر من 442 مركزًا تقنيًّا نشطًا في إفريقيا اعتبارًا من عام 2018م، وأن ” Amazon, Facebook, Google” تستثمر بالفعل في بعض هذه الشركات، مما يجعل دعم رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا استراتيجية شراكة مهمة محتملة، كما قدمت المؤسسة الكورية الإفريقية لطلاب الدراسات العليا الأفارقة فترة ما بعد الظهر لتقديم أبحاثهم إلى الخبراء والأقران للحصول على ردود الفعل، مما يسلط الضوء مرة أخرى على نية سيول لدعم الشباب الإفريقي وبناء علاقات مبكرة مع الأشخاص الذين يمكن أن يظهروا كصناعة إفريقية وقادة سياسيين([42]).
3- تداعيات القوة الناعمة على التعاون الاقتصادي بين كوريا الجنوبية- وإفريقيا:
انتقلت كوريا الجنوبية من مُتَلَقٍّ للمساعدات إلى مانح، وكونها لاعبًا ناشئًا في إفريقيا تأمل الاستفادة من مصالحها الوطنية من خلال الشراكات الاستراتيجية، ووفقًا لتقرير صادر عن Chatham House، فإن مشاركة كوريا الجنوبية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى مدفوعة بثلاثة عوامل مساهمة: السعي لتحقيق الأمن الغذائي وأمن الطاقة، وإنشاء أسواق جديدة للسلع المصنعة في كوريا الجنوبية، وتعزيز أوراق اعتمادها كقوة عالمية([43]).
وفي سياق تعزيز التعاون الاقتصادي، أظهرت كوريا التزامها بتقديم الدعم الأساسي للبلدان الإفريقية والمؤسسات القارية في مهمتها الرامية إلى إنشاء قارة متكاملة ومزدهرة وسلمية وقوية، مع توقع زيادة الناتج الاقتصادي الإفريقي إلى 29 تريليون دولار بحلول عام 2050م، وهناك فرصة كبيرة لأصحاب المشاريع الكوريين والأفارقة الذين يتطلعون إلى بناء أو توسيع الأعمال التجارية في إفريقيا([44]).
وبدأت العلاقات الاقتصادية بين كوريا الجنوبية وإفريقيا في التطور بشكل جدي منذ عام 2006م، وهو العام الذي شهد نقطة تحول مع إطلاق “عام الصداقة مع إفريقيا”، و”مبادرة كوريا لتنمية إفريقيا”، وفي الوقت الحاضر، على الرغم من أن تدفقات المساعدات الكورية إلى إفريقيا تتزايد باستمرار، إلا أنها لا تزال شريكًا اقتصاديًّا من الدرجة الثانية لها، ولا تتجاوز التجارة ولا الاستثمارات الأجنبية المباشرة Foreign direct investment (FDI) (1.5%) من الإجمالي الكوري، وبالإضافة إلى ذلك، تتركز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين على عدد محدود من البلدان، لكن الشركاء ذوي الأولوية للمساعدة الإنمائية الرسمية (ODA) ليسوا الشركاء التجاريين الرئيسيين لكوريا، ولا المتلقين الرئيسيين للاستثمارات الكورية؛ لذا، فإن التفسير التجاري للمساعدة الإنمائية الرسمية الكورية لا يزال قابلاً للنقاش([45]).
ففي السابق، كانت التجارة والاستثمار بين كوريا وإفريقيا محدودة بشكل عام، وكانت المبادئ التوجيهية والمعايير للعلاقات التجارية الكورية مع إفريقيا هي الوصول إلى السلع الأولية مقابل التكنولوجيا والمنتجات المصنعة، خلال عام 2000م، بينما تشمل عناصر التصدير الرئيسية لكوريا السيارات والسفن والأجزاء ذات الصلة والمعدات الإلكترونية أو الكهربائية والمنسوجات المختلفة والكيماويات البترولية، وتشمل عناصر الاستيراد الرئيسية المعادن (النحاس والذهب والفضة وخام الحديد) والنفط الخام والغاز والمواد الغذائية، وفيما يتعلق بحجم التجارة بين إفريقيا وكوريا، فقد زاد إلى حد كبير بمبلغ 13,9 بليون دولار في عام 2009م، وهو ما يمثل ارتفاعًا من 6,4 بليون دولار في عام 2000م، ومع ذلك، لا تزال إفريقيا شريكَا تجاريًّا هامشيًّا لكوريا إلى حد ما، واحتلت إفريقيا 3,3٪ فقط من إجمالي الصادرات الكورية و1٪ من الواردات، على الرغم من أن حصة إفريقيا في الواردات الكورية قد انخفضت بعد ارتفاعها إلى ما يقرب من 2٪ في عام 2006م، إلا أن حصة القارة المكونة من الصادرات الكورية قد زادت بشكل مطرد منذ عام 2003م، بشكل عام، فإن العلاقات التجارية الأخيرة لصالح كوريا، مع فائض تجاري يبلغ حوالي 7 مليارات دولار في عامي 2008 و2009م، وعلى الرغم من أن حصة إفريقيا من الصادرات الكورية قد ازدادت بشكل مطرد منذ عام 2003م، فإن الصادرات الكورية إلى إفريقيا تتركز بشكل كبير في عدد قليل من البلدان؛ بحيث إنها في عام 2009م، اقتصرت معظم الصادرات الكورية على ثماني دول في القارة([46]).
وعلي الرغم من أنه كان يُنظر إلى إفريقيا بشكل إيجابي في ضوء عوامل الفرصة مثل وفرة الموارد الطبيعية والنمو السكاني السريع… إلخ، ويشهد النمو الاقتصادي المدفوع بالموارد الطبيعية ازدهارًا في إفريقيا، وتهتم أقلية في الطبقة الوسطى الإفريقية بالعلامات التجارية الشهيرة باهظة الثمن، لكن المستهلكين العاديين يهتمون بشكل متزايد بالمنتجات الكورية عالية الجودة كمنتجات بديلة، إلى جانب انتشار الموجة الكورية في إفريقيا، ويستمر المستهلكون الأفارقة في إبداء آراء إيجابية حول المنتجات الكورية، ويقال: إن المنتجات الكورية أفضل في القدرة التنافسية للأسعار من العلامات التجارية الشهيرة وليست أقل جودة، كما يوفّر أيضًا التوريد الكوري مجموعة متنوعة من المنتجات لتلبية احتياجات المستهلكين الأفارقة، مما يزيد من عدد المستهلكين الذين يبحثون عن المنتجات الكورية، وعلى وجه الخصوص، أظهر جيل الشباب الإفريقي اهتمامًا كبيرًا بالمنتجات الكورية مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر ورعاية الأطفال ومستحضرات التجميل، لذلك، فإن السوق الإفريقية توفّر فرصًا مختلفة للشركات الكورية، وتوفر بيئة السوق الإفريقية عوامل إيجابية لتغلغل الشركات الكورية، بما في ذلك فرص استبدال المنتجات الصينية، ودخول السوق من خلال تلبية احتياجات المستهلكين الأفارقة، والاهتمام بفئة الأجيال الشابة للطبقة الوسطى الإفريقية بما يتماشى مع الموجة الكورية([47]).
4- تأثير النمط الكوري على الاقتصاد الرقمي في إفريقيا
تتمتع كوريا الجنوبية بمكانة رائدة في مجال التكنولوجيا الرقمية – وخاصة 5 Gوتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن السيبراني، والذي يرتبط ارتباطًا وثيقَا بالصناعة الثقافية في طليعة الجهود التعاونية للدولة مع البلدان الأخرى. والجدير بالذكر أن العديد من الآثار التآزرية قد تطورت في الصناعة الثقافية متقاربة مع تلك التكنولوجيات الناشئة، من خلال تطوير 5G و Internet of Things (IoT)إنترنت الأشياء، والتعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات information and communications technology (ICT)، وقد يكون التعاون مع كوريا الجنوبية مفيدًا للبلدان الإفريقية في بناء بنية تحتية موثوقة، بالإضافة إلى ذلك، ستتمكن كوريا أيضًا من نشر دعمها التكنولوجي من خلال تلك الأعمال التعاونية، على سبيل المثال، يمكن أن يساعد هذا التعاون في معالجة مخاوف الدول الشريكة بشأن الأمن السيبراني، وخاصة من هجمات كوريا الشمالية في ظل التوتر بين الدولتين في الفترات الأخيرة، بما في ذلك تهديدات المعاملات الخطيرة، والضرر في القطاعات الاقتصادية والمالية والأمنية التراكمي، وفي هذا الصدد، يمكن أن يساهم قطاع تكنولوجيا المعلومات المتقدم في كوريا الجنوبية واستعدادها لمعالجة هذه القضية بشكل كبير في التخفيف من مثل هذه الهجمات من أعدائها ومواجهتها ووضع معايير دولية لتعزيز الأمن السيبراني، وفي هذه العملية، تُعدّ المشاركة النشطة ضرورية، وسوف تكون قوتها الناعمة القائمة على القوة المبتكرة الإبداعية لكورية الجنوبية مؤثرة([48]).
وتماشيًا مع التطور التقني، يعد المحتوى الرقمي محوريًّا للاستراتيجية الكورية، فقد تبنت كوريا نهجًا تعاونيًّا مماثلًا بين الحكومة وقطاع الأعمال للتنمية الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ثم، تهيمن ) ([49])chaebol تكتلات الشركات الكورية الجنوبية vertically and horizontally integrated conglomerates) على اقتصاد كوريا الجنوبية، وكان لها تأثير كبير على سياسة الحكومة، مما أدى إلى الاستثمار الكبير والسريع في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، إلى سرعات وموثوقية رائدة عالميًّا، إلى جانب التكاليف المنخفضة نسبيًّا، وضع الأساس لظهور كوريا الجنوبية كقوة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وهذا بدَوْره وفَّر أساسًا تقنيًّا لظهور قطاع المحتوى الرقمي، والذي جعلها ترى بصناعة المحتوى كقطاع اقتصادي مهم، ومع زيادة استثماراتها في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وإنتاج الأجهزة الرقمية، أطلقت الوكالات الحكومية جهودًا موازية لتعزيز إنتاج المحتوى كتعبير عن الثقافة الوطنية وكمجال ذي إمكانات تجارية واعدة، إلى درجة لم نشهدها في العديد من الدول الأخرى، وأدركت الحكومة أن المحتوى الرقمي يمكن أن يُنتج وظائف وإيرادات واهتمامًا عالميًّا بالثقافة الكورية([50]).
تكمن قوة قطاع المحتوى الرقمي في البلاد في الشعبية العالمية للترفيه الكوري، بدايةً من انتشار الدراما والموسيقى الكورية (K-pop) أصبحت كوريا الجنوبية مصدرًا عالميًّا للثقافة الشعبية والتقليدية؛ حيث تكون مسؤولة عن 2,8٪ من سوق المحتوى الثقافي العالمي، كانت الإيرادات من قطاع الألعاب في كوريا وحدها أقل بقليل من 2,2 مليار دولار أمريكي في عام 2017م، بمعدل نمو سنويّ قدره 6,3٪، وتطمح كوريا أن تتقدم البلاد من ترتيبها السابع لتكون من بين أفضل خمس دول للمحتوى الرقمي؛ وتحقيقًا لهذه الغاية، شجَّعت مجموعة من استراتيجيات التنفيذ بما في ذلك الجهود الرامية إلى تشجيع الشركات الناشئة والأفراد المبدعين، وجذب الاستثمار إلى القطاع، وتطوير أسواق التصدير، وتعديل وتعزيز اللوائح المتعلقة بإدارة صناعة المحتوى وحماية حقوق التأليف والنشر والتجارة العادلة، وفي عام 2017م، أنفقت الحكومة الكورية حوالي 25 مليون دولار أمريكي للترويج لمنشئي المحتوى في قطاعات الرسوم المتحركة والرسوم المتحركة والشخصيات والقصص.([51])
وتشير أرقام المستخدمين النشطين للإنترنت، إلى أنه كان هناك 50,56 مليون مستخدم في جمهورية كوريا في يناير 2023م، وكانت موطنًا لـ47,64 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي في يناير 2023م، أي ما يعادل 92,0% من إجمالي السكان، كان ما مجموعه 64,19 مليون اتصال خلوي متنقل نشطًا في جمهورية كوريا في أوائل عام 2023م، وهذا الرقم يعادل 123,9% من إجمالي السكان([52]).
بينما في إفريقيا تطور استخدام الإنترنت بسرعة، وكان لدى القارة حوالي 601 مليون مستخدم للإنترنت في إفريقيا في ديسمبر 2021م بمعدل انتشار 43,1٪، وهو رقم زاد بأكثر من الضعف مقارنة بعام 2015م، نتيجة تحسين البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية في السنوات الأخيرة، وهكذا تزايد اعتماد الأجهزة المحمولة إلى تعزيز الوصول إلى الإنترنت في إفريقيا، في المقابل، عززت إمكانية الوصول المتزايدة إلى الإنترنت الأنشطة والخدمات الرقمية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والتسوق عبر الإنترنت والمدفوعات عبر الهاتف المحمول.([53]) ويعكس لنا الشكل التالي الزيادة إلى معدل43,2% في عام 2022م.
شكل رقم (2) إظهار إحصاءات استخدام الإنترنت لإفريقيا والعالم
وفقًا لتقارير صناعة الاتصالات؛ يتضح لنا من الاحصائيات زيادة المستخدمين للإنترنت في القارة الإفريقية بتقدير يصل إلى حوالي 602 مليون مستخدم في إفريقيا في 30 يونيو 2022م.
وعلاوةً على ذلك، فقد أظهر استطلاع McKinsey للمستهلكين النيجيريين أثناء وباء كورونا أن 46٪ من المستجيبين جربوا طريقة تسوق رقمية جديدة منذ بداية الوباء، مما أدى إلى نموّ في المستهلكين الذين يتسوقون عبر الإنترنت بنسبة 30٪ إلى 65٪ اعتمادًا على فئة العناصر المشتراة، ومن حيث استهلاك المحتوى، تظل وسائل التواصل الاجتماعي إلى حد بعيد نقطة الاتصال الرئيسية لمستخدمي الإنترنت في منطقتنا. وفقًا للتقرير الرقمي السنوي لـWe Are Social وHootsuite، يقضي النيجيريون والغانيون والكينيون في المتوسط ثلاث ساعات ونصف على وسائل التواصل الاجتماعي يوميًّا، مقارنةً بساعتين ونصف في المتوسط على مستوى العالم، ففي نيجيريا وحدها انضم 6 ملايين شخص إلى شبكات التواصل الاجتماعي لأول مرة في عام 2020م.([54])
ونتيجةً لذلك، من خلال تحليل بيانات مستخدمي الإنترنت، نجد أن إفريقيا فرصة جيدة لكوريا الجنوبية؛ حيث يمكن لها أن تتوسع وتنتشر وتعزز قدراتها التصنيعية والتصديرية للمنتجات الثقافية؛ تحقيقًا لسياسة القوة الناعمة الخاصة بها، ولا يتطلب الأمر الكثير من الوقت لنشر ثقافتها الشعبية المتنوعة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتزايد كل يوم، فقد أصبحت تجتذب جمهورًا كبيرًا من المعجبين بتقاليدها ومنتجاتها الترفيهية المتفردة ومواقعها المتميزة ونجومها، فاستمرت وواصلت اتجاهها التصاعدي لتحطيم الحواجز الجغرافية، وتحولت من مستهلك للثقافة إلى مُصدِّر كبير لها.
وفي حين أن الشعبية العامة للمشاهير لها تأثير على الجماهير؛ نظرًا لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة عدد المستخدمين للإنترنت في إفريقيا، فإننا نشهد تحولاً متزايدًا نحو جيل جديد من المتأثرين والمؤثرين، وبالمثل كما هو الحال مع مناطق مختلفة في العالم، تُواجه إفريقيا بالمثل المخاطر التي تشكلها قضايا أمن وحماية الويب، لذلك يجب تحسين إمكانية الوصول إلى النطاق الترددي لعشرات الملايين من المستهلكين في إفريقيا.
وخلاصة القول:
استنادًا لما سبق، تم التحليل للقوة الناعمة وفقًا لتصنيف مُؤشر القوة الناعمة العالمي ولمقاييس مؤشرات صادرات السلع الثقافية والتعاون الاقتصادي؛ حيث إن استخدام كوريا الجنوبية للقوة الناعمة كمصدر أساسي لصادرات السلع قد أحرز تقدمًا خلال العقود القليلة الماضية على نطاق واسع، وقد كان له تأثير على التعاون الاقتصادي الكوري مع الدول الإفريقية، وإن كان لا يزال نسبته صغيرة جدًّا، ولكنها تحاول الحفاظ على تكثيف وجودها على أساس بناء استراتيجية لإحداث التغيير والتعاون بخطة طويلة الأمد.
فكوريا الجنوبية تدرك أهمية القوة الناعمة، ولذلك أصبحت أكثر فاعل مؤثر بشكل متزايد في إفريقيا بسبب إمكانات قوتها الناعمة التي امتد تأثيرها إلى دوائر السياسة الخارجية، ومن ثم، تم استخدام الحكومة للهاليو أو “الموجة الكورية” كأداة استراتيجية لتعزيز ثقافتها الشعبية، وإلى جانب ذلك، تركز على تعزيز العلاقات الاقتصادية من خلال شراكات متنوعة مع إفريقيا، ورغم أن المصالح الاقتصادية تتجاوز مصالح “التأثير الثقافي”، لكن تظل سياسة القوة الناعمة الثقافية لكوريا الجنوبية أحد جوانب النجاح والتي لها تأثير على تدفقات الاستثمار، بحيث اعتمدت على أجندة واضحة للصادرات الثقافية لتحسين التفاهم المتبادل.
المراجع
[1] Youngmi Kim,” Mapping South Korea’s Soft Power: Sources, Actors, Tools, and Impact”, Romanian Journal of Sociological Studies(Bucharest, Romania: , Institute of Sociology, Romanian Academy ,New Series, ,January 2015) Issue No. 1 p4
[2]A.E. Matosian, The Key Components of South Korea’s Soft Power: Challenges and Trends, RUDN Journal of Political Science (Moscow: Publishing house of Peoples’ Friendship University of Russia, 2021) Vol. 23, No.2 ,p282.
[3] UNESCO-IIEP, https://2u.pw/7g6iDw
[4] Edward Burnett Tylor, Primitive Culture:Researches Into the Development of Mythology, Philosophy, Religion, Language, Art, and Custo(2 volumes; London: John Murray, 1920)p1.
[5] Haggai Kennedy Ochieng and Sungsoo Kim, Cultural Exchange and Its Externalities on Korea-Africa Relations: How Does the Korean Wave Affect the Perception and Purchasing Behavior of African Consumers?, journal East Asian Economic Review vol. 23, no. 4 ,December 2019, P388-389. https://2u.pw/NGe6CZ
[6] Ibid.
[7] Joanna Elfving-Hwang ,”South Korean Cultural Diplomacy and Brokering ‘K-Culture’ outside Asia “, Korean Histories(Australia: Curtin university, Faculty of Humanities,, January 2013) p16
[8] Kripendra Amatya, Korean Power Beyond K-Pop, modern diplomacy, November 4, 2020, https://cutt.us/nvQ
[9] UNESCO,” Republic of Korea 2018 report” ,27 August 2018, https://cutt.us/q55CP
[10] Ibid.
[11]UNESCO ,” Launch of the UNESCO’S Global Report (Re-shaping Policies for Creativity) in the Republic of Korea”,24 May 2022, https://cutt.us/0TP4t
[12] (هاليو) : يأتي من المصطلح الصيني “Hánlíu” ، عند ترجمته ، يعني حرفيًّا “الموجة الكورية”، وتشير إلى الشعبية العالمية للاقتصاد الثقافي لكوريا الجنوبية المصدرة لثقافة البوب والترفيه والموسيقى والدراما التلفزيونية والأفلام. للمزيد انظر:
Sangjoon Lee, Abé Markus Nornes , Hallyu 2.0 :The Korean Wave in the Age of Social Media(United states of America :University of Michigan Press,2015)
[13] Titing Reza Fahrisa,” Exports Driven by Hallyu Increasing South Korea’s Economic Growth– Cultural Diplomacy Approach “,International Journal of Developing and Emerging Economies(UK: the European Centre for Research Training and Development ,2022)Vol.10, No.3, p24.
[14] The Korean Wave, Available At: https://cutt.us/TciTO
[15] Ibid.
[16] Dr. Minsung Kim,” The Growth of South Korean Soft Power and Its Geopolitical Implication” ,Journal of Indo-Pacific Affairs,(Special Issue) (Maxwell AFB ,Alabama :Air University Press, October 2022)Vol. 5, NO.6 ,p126.
[17] Dr. Minsung Kim, Op. Cit .p128.
[18] Soyeun Kim,” Korea in Africa: A Missing Piece of the Puzzle?” In book: Emerging Powers in Africa (Editors) Nicholas Kitchen (London: LSE Press – London School of Economics, January 2013), P.57.
[19] Jin-sang Lee,” Issues Raised on Korea’s Official Development Assistance to Africa: Future Perspective”, In: Chang, Y. (eds) South Korea’s Engagement with Africa. Book: Africa’s Global Engagement: Perspectives from Emerging Countries (Singapore: Palgrave Macmillan, December 2019) p-86-87.
[20] Hyo-sook Kim,” South Korea’s Aid to Africa and Compliance with International Norms”, Journal of Asian and African Studies (Netherlands: Brill Academic Publishers, African and Asian Studies, 2017) Volume16,P342.
[21] R. Maxwell Bone and Matthew Minsoo Kim,”South Korea’s Africa Outreach”,The DIPLOMAT, August 02, 2019, Avilale At: https://thediplomat.com/2019/08/south-koreas-africa-outreach/.
[22]United Nations, Department of Economic and Social Affairs, 01 April 2021, Available At: https://cutt.us/uTIGS
[23]Lehlohonolo Claude Monareng ,” Korea-Africa relations: A Progressive Partnership” ,March 2016, p5, Available At: https://cutt.us/ZKEE8
[24]African Development Bank (AfDB) ,”( AfDB) and Korea Sign Supplementary Technical Cooperation Agreement”,(Dakar, Senegal: Annual Meetings, 14-May-2009) Available At: https://cutt.us/UKh2F
[25] Ibid .
[26] DANIELE CARMINATI,” Is South Korea the New Quintessential Representation of Soft Power?”, E-International Relations, , SEP 18 2022,p3-4, Available At: https://cutt.us/VBLvP
[27] Ibid.
[28] Dr. Minsung Kim. Opacity .p.132-133.
[29] Jimmyn Parc ,” Korea’s cultural exports and soft power: Understanding the true scale of this trend”, Asialink , (Victoria, Australia :The University of Melbourne ,09 Aug 2022) Available At: https://cutt.us/xr2I8
[30] J Ibid.
[31]90daykorean,” Korean Culture – Guide To History, Customs, People, And Modern Day”, June 30, 2019, https://2u.pw/7PhvLa
[32] ” Korean Culture – Guide To History, Customs, People, And Modern Day”, June 30, 2019,
[33] Michelle Liu,” Soft Power Will Define South Korea’s Modern Diplomacy”, Carolina political review ,April 6, 2022, Available At https://cutt.us/aRIrd .
[34]Statista,”Popularity of South Korean dramas worldwide as of December 2021″, Sep 9, 2022, Available At: https://cutt.us/yVluG
[35] ODIPO RIAGA , “Spotify Wrapped: The rise of K-pop in Africa” , DECEMBER 16, 2022, https://2u.pw/syMExt
[36] Joan E. Solsman, Netflix’s Squid Game was even bigger than you thought — 2.1B hours big”,CNET, Nov 17, 2021. https://2u.pw/NXF4vM
[37] Statista, “Popularity of South Korean pop music (K-pop) in South Africa in 2019”,Feb 28, 2022, https://2u.pw/Ovg0fI
[38] IvyPanda,” The Impact of Korean Popular Music “Research Paper“Jan 15, 2020, https://2u.pw/kN7Eem
[39]Yongkyu Chang, South Korea’s Engagement with Africa: A History of the Relationship in Multiple Aspects(Singapore :Springer Nature Singapore Pte L.td, 2019)p142
[40] افتتاح المركز الثقافي الكوري في جنوب إفريقيا، Yonhap News Agency، 25 نوفمبر2021م، https://2u.pw/VCL7dS
[41] Korea Herald.” Korean language learning booming on back of Hallyu: report” Korea Herald, Feb 7, 2021, https://2u.pw/J2mVWk
[42] Emilia Columbo,” South Korea’s Evolving Role in sub-Saharan Africa”, Center for Strategic & International Studies, January 2, 2020, https://2u.pw/GvFcIB
[43] Martin Seitz, “South Korea’s Saemaul Undong in Africa”, The Diplomat,October 20, 2017. https://cutt.us/Lba0j
[44] Landry Signé,” Korea-Africa relations hold enormous trade, development, and investment potential, Brookings Institution, December 14, 2018 ,Available At: https://cutt.us/7GhcK
[45] Françoise NICOLAS, ” Korea in Africa: Between Soft Power and Economic InterestsEtudes de l’Ifri, IFRI. January 2020″, Available At: https://cutt.us/9ehiM
[46] Kyu-Deug Hwang,” Korea’s Soft Power as an Alternative Approach to Africa in Development Cooperation” ,Journal of Asian and African Studies ( Netherlands: Brill Academic Publishers, African and Asian Studies,2014) Volume 13: Issue 3, P256- 257
[47] Woohyuk Kim, et.al (Eds),” The Effects of Business Strategy and Organizational Culture of Korean Companies on Market Satisfaction: The Case of the African Market“, Special Issue, Sustainability in Organizational Culture and Intercultural Management, 31 May 2022, Volume 14 Issue 11,p3. https://2u.pw/NjKmyJ
[48] Dr. Minsung Kim. Op .Cit .p134-135.
[49] Chaebol : ترجمة للكلمة الكورية ، 재벌 ، ونشأ في عام 1960م، وتعني تكتل صناعي، ويضم أكثر من عشرين تكتلاً، ويشير إلى مجموعات الشركات الكورية الكبيرة والذي يمتلكها أو تخضع لسيطرة أو إدارة نفس سلالة العائلة.
[50] Carin Holroyd,” Digital content promotion in Japan and South Korea: Government strategies for an emerging economic sector” Asia & the Pacific Policy Studies (Australia: John Wiley & Sons, Ltd , Sep 2019)Volume 6, Issue 3, P297-298.
[51] Ibid.
[52]SIMON KEMP, “DIGITAL 2023: SOUTH KOREA”, Datar Rportal, 13 FEBRUARY 2023, https://2u.pw/dT30g4
[53]” Internet World Stats , Africa Telecommunications Research Reports “, https://2u.pw/DY2UOr
[54]pulse.africa, “The Future of Marketing in Africa: Digital trends in 2021 and beyond”, https://2u.pw/EtBDTv