بقلم: سايكفريد ماوولي جينوكبو
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
صرّح الرئيس ماكي سال في خطابه إلى الشعب بقوله: “لديَّ ميثاق شرف وشعور بالمسؤولية التاريخية يفرض عليَّ الحفاظ على كرامتي وكلمتي”؛ على حد تعبيره. لكن تأكيده على قراره بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ يترك فراغًا سياسيًّا يثير تساؤلات بين المراقبين والمحللين السياسيين.
مخاوف من متلازمة واتارا:
يثير عدم تعيين الرئيس السنغالي، في خطابه للشعب، وريثًا له أو تأييده لمرشح ما في الانتخابات الرئاسية المقبلة في فبراير 2024م، مخاوف لدى بعض المراقبين الذين يرون أن ذلك لا يخلو من مخاطر.
“شاهدنا متلازمة واتارا في ساحل العاج. يمكن للرئيس أن يتنازل عن ترشحه، ويعود عن قراره في حالة عدم وجود وريث أو مرشح كفء بحسب تقديره”؛ هذا ما صرَّح به البروفيسور أوغو سيك، أستاذ متفرغ ومشارك في تدريس القانون والعلوم السياسية، لـ”بي بي سي”.
ويشير الخبير السياسي إلى أن تحالف “بنو بوك ياكار”(BBY) ، الذي لعب دورًا محوريًّا في وصول الرئيس ماكي سال إلى رئاسة البلاد، يفتقر إلى “مرشح قوي يخلفه” أو الشخص رقم اثنين الذي يمكنه الدفاع عن أطياف التحالف في الانتخابات الرئاسية القادمة.
في الواقع، هناك ثمة خلافات بدأت تطفو على سطح المشهد السياسي منذ بضعة أشهر داخل الأغلبية الرئاسية. ففي تحالف قوى التقدم (AFP) بقيادة مصطفى نياس، تم ترشيح الوزير السابق عليون سار مرشحًا مِن قِبَل جزء من أعضاء هذا التكتل. هذا الأمر العشوائي لم يكن مرغوبًا فيه مِن قِبَل مصطفى نياس الذي هدَّد باتخاذ إجراءات رادعة.
كما أعلن إدريسا شيخ، المرشح الذي جاء في المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية لعام 2019م، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2024م، وقرر مغادرة سفينة ائتلاف (بينو بوك ياكار).
لذلك سيتعين على الرئيس ماكي سال اختيار خَلَف له؛ إذا أراد الحفاظ على إرثه السياسي، ومنع انهيار حزبه “التجمع من أجل الجمهورية”، وتحالف “بينو بوك ياكار”. وهنا يتم ذِكْر ثلاثة أسماء في النقاشات السياسية تسعى للفوز بثقة ودعم ترشيح هذا التحالف السياسي عام 2024م، وهم:
1- أمادو باه: وفقًا لما صرح به الصحفي والمحلل السياسي السنغالي أليون ندياي لبي بي سي، تتأرجح كفّة التوقعات لصالح رئيس الوزراء الحالي، ووزير الاقتصاد والمالية الأسبق، أمادو باه، الذي تقلّد أيضًا وزارة الشؤون الخارجية والسنغاليين بالخارج، وهو أكثر الأسماء الثلاثة المذكورة شعبيةً لدى السنغاليين. وفقًا للصحافة المحلية؛ يتمتع الرجل بعلاقات جيدة مع المراكز الدينية الرئيسة. قال أليون ندياي: “إنه من داكار التي تعتبر منطقة مهمة للغاية في المعارك الانتخابية”؛ على حد تعيره.
2- عبد الله داودا ديالو: الرئيس الحالي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وكان رئيس موظفي الرئيس ماكي سال ووزير الاقتصاد والمالية. ويشير أليون ندياي إلى أن “كونه أقل شهرة لدى السنغاليين قد يُعيقه عن الوصول للمنصب”، كما يذكر المحلل السياسي السنغالي عدم قدرته على التعبير عن نفسه بشكل صحيح بلغة الولوف؛ لغة التواصل لدى غالبية السنغاليين.
3- علي نجويل ندياي: يشغل منصب وزير الزراعة حاليًّا بعد تولّيه وزارة الداخلية مسبقًا، وهو ناشط ملتزم ومعروف في الجمعيات النسائية. لكن مدينة لينغير، التي تعتبر معقله، بلدة لا تزن كثيرًا في الميزان الانتخابي.
ووفقًا للمحلل أليون ندياي، لن يتمكن أي من قيادي حزب الائتلاف من أجل الجمهورية (APR) من الفوز بالانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى دون الدعم الكبير من رئيس الدولة الحالي.
ووفقًا له؛ يجب على الرئيس ماكي سال الإسراع في تعيين وريث له، والانخراط شخصيًّا في حملة المرشح “ومن غير المستبعد أن يتعرض الحزب للانقسام في حال مغامرة الائتلاف الحاكم بتنظيم الانتخابات التمهيدية في الوقت الراهن. والأفق الوحيد المتاح لهم قبل ثمانية أشهر من الانتخابات هو تعيين ماكي سال مرشحًا والقيام بكل أعمال الدبلوماسية السرية حتى يدعم جميع القادة والأحزاب المهمة في تحالف بينو بوك ياكار هذا المرشح”؛ على حد تعبيره.
محدودية مساحة المناورة للمعارضة:
على الرغم من مقاومة المعارضة السنغالية الطويلة ضد تولي ماكي سال لولاية ثالثة؛ إلا أن قرار رئيس الدولة بعدم الترشح لن يعزّز بنفس القدر حظوظ المعارضة. يقول أوغو سيك، أستاذ العلوم السياسية: “إن مساحة المناورة للمعارضة محدودة”.
ويرى الصحفي والمحلل السياسي، أليون ندياي، أن قرار ماكي سال يسحب البساط من تحت أقدام بعض المعارضين؛ “إذا كان ماكي سال مرشحًا، فسيسمح بجعل الانتخابات الرئاسية استفتاءً لصالح أو ضد الترشح للمرة الثالثة، وفي النهاية فإن المعارضة متأكدة من الفوز”.
في الوضع الراهن، تعتمد ترشيحات بعض المعارضين على تعديل أو عدم تعديل الدستور والقانون الانتخابي في الجمعية الوطنية.
ومن أبرز شخصيات المعارضة ما يلي:
1- كريم واد: ابن الرئيس السابق عبد الله واد، وقد حُكم عليه في عام 2015م بالسجن لمدة ست سنوات بتهمة الكسب غير المشروع قبل العفو عنه ونفيه إلى قطر. ولكن حزبه الحزب الديمقراطي السنغالي (PDS) يأمل أن تسمح نتائج الحوار الوطني، المنعقد في مايو-يونيو 2023م، بمشاركة الوزير الأسبق في السباق الرئاسي لعام 2024م.
وقد نشر حزبه “الحزب الديمقراطي السنغالي” بيانًا صحفيًّا بعد ساعات قليلة من خطاب ماكي سال؛ دعا السنغاليين إلى دعم ترشيح كريم واد، وأعلن في الوقت نفسه عن عقد مؤتمر انتخابي قادم؛ حيث سيتم الإعلان رسميًّا عن ترشيح كريم واد.
2- خليفة صال: عمدة داكار الأسبق الذي تم استبعاده من الانتخابات الرئاسية في فبراير 2019م، بعد أن حُكِمَ عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة اختلاس الأموال العامة، قبل العفو عنه لاحقًا في سبتمبر من نفس العام، ويأمل حزبه هو الآخر في أن يؤدي الحوار الوطني إلى السماح بزعيمه بالترشيح.
وأشار الرئيس ماكي سال في خطابه إلى الأمة إلى أنه سيتم اللجوء إلى الجمعية الوطنية من أجل “تعديل بعض أحكام الدستور وقانون الانتخابات”.
3- عثمان سونكو “الخاسر الأكبر”؟
إذا تم حسم الأمر لكريم واد وخليفة سال، فإن الوضع يظل ضبابيًّا فيما يتعلق بعثمان سونكو، أحد قادة تحالف المعارضة “يووي أسكان واي”، الذي جاء في المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية لعام 2019م، غير أنه حُكم عليه بالسجن لمدة عامين بتهمة “إفساد الشباب”. على عكس خليفة سال الذي لم يَقْضِ عقوبته بعدُ ولا يزال ترشيحه محل تساؤلات.
فبينما يقول المحلل أليون ندياي: إن رئيس حزب باستيف يظل “الخاسر الأكبر” بعد قرار ماكي سال بعدم الترشح مرة أخرى في عام 2024م، و”عثمان سونكو هو الخاسر الأكبر؛ فنظرًا لمقاطعته الحوار الوطني لم يعد ملزمًا بالنتائج التي توصل إليها الحوار الوطني الذي لم يأخذ قضيته بعين الاعتبار. وسيجد نفسه معزولاً في المشهد السياسي”، مضيفًا بأن عثمان سونكو يخاطر أيضًا بأن يكون “معزولًا في التسلسل الهرمي للاهتمامات السنغالية”؛ على حد تعبيره.
وأردف بالقول: “كان التظلم الرئيس الذي يمكن للسنغاليين تقديمه ضد ماكي هو الترشح لولاية ثالثة. اليوم، بصرف النظر عن أنصاره، وبالنسبة للسنغاليين العاديين، فإن مشاركة سونكو من عدمه في الانتخابات الرئاسية ليست قضية محورية”؛ على حد تعبيره.
لكنَّ حزب باستيف، بقيادة عثمان سونكو، يرى من جهته أنه لا انتخابات رئاسية دون مشاركة زعيمهم. وكان بيرام سوليه ديوب، رئيس المجموعة البرلمانية لتحالف Yewwi Askan wi الذي يشكل باستيف عضوًا فيه، أكثر وضوحًا في موقفه حين صرّح “شهدت داكار هدوءًا عقب إعلان ماكي سال عدم ترشُّحه؛ لكنها لن تهنأ بالنوم حال تم منع عثمان سونكو من الترشيح”؛ على حد تعبيره.
4- أميناتا توري
رئيسة الوزراء السابقة هي أول امرأة تُرشِّح نفسها للانتخابات الرئاسية لعام 2024م. “ميمي” كما تسمِّي نفسها في السنغال كانت قريبة من الرئيس ماكي سال. لكنَّ “الطلاق” السياسي تم بينها وبين رئيس الدولة في اليوم التالي للانتخابات التشريعية لعام 2022م.
كانت السيدة التي أدارت حملة ائتلاف “بينو بوك ياكار” لهذه الانتخابات العامة تتطلع إلى تولّي رئاسة الجمعية الوطنية؛ لكن رئيس الدولة وضع نصب عينيه على أمادو مامي ديوب.
احتجاجًا على ذلك، انسحبت ميمي من الكتلة البرلمانية “بينو بوك ياكار” للانضمام إلى النواب المستقلين. ثم تم تجريدها أخيرًا من منصبها بصفتها نائبة بعد تصويت مكتب الجمعية الوطنية في يناير 2023م.
حاليًّا تعمل ناشطة حقوقية بمفردها في إطار حركة النزاهة والاستحقاق والاستقلال (MIMI)، التي أنشأتها على خلفية مغادرتها الائتلاف الحاكم. وستحاول أميناتا توري تركيز حملتها على النساء والشباب لتحقيق طموحها المتمثل في أن تكون أولى سيدة تتولى رئاسة البلاد في تاريخ السنغال.
الدخلاء:
سيتعين على العديد من المرشحين الآخرين مواجهة الأوزان الثقيلة في الانتخابات الرئاسية لعام 2024م، على الرغم من أنهم قد لا يلعبون الأدوار القيادية، إلا أن اختياراتهم ستكون حاسمة في حالة الجولة الثانية، ومن أبرزهم ما يلي:
1- بوبكر كامارا: المدير العام السابق للجمارك السنغالية والمحامي، وكان أمين عام الوزارة برئاسة كريم واد. شارك في المعارضة السياسية منذ مايو 2018م، وهو مستشار دولي.
2- مالك جاكو: من الحزب الكبير، الذي أسَّسه في عام 2015م مصطفى نياسي بعد استبعاده من وكالة فرانس برس، وكان الشخصية الثانية فيه، وكان وزيرًا للرياضة في عام 2012م، ثم وزيرًا التجارة والصناعة والقطاع غير الرسمي. درس في بولندا وهو مدير شركة حاليًّا.
3- ديثي فال: منسق ائتلاف المعارضة الرئيسي “يوي أسكان وي”، هو أحد المرشحين الذين سيراقبون الانتخابات عن كثب. الذراع الأيمن السابق لإدريسا سيك، الذي يترأس الآن حزبه، الحزب الجمهوري من أجل التقدم (PRP) هو اليوم أحد القادة الرئيسيين للمعارضة السنغالية.
سيحاول بوجان غوي داني، رئيس المجموعة الإعلامية (D-Média) وبوبكر كامارا، زعيم الحركة السياسية السنغالية Jenggu ، والبروفسور ماري تييو نيان، وزير التعليم العالي السابقة، إغواء الناخبين.
كما يشارك في السباق الرئاسي ثيرنو الحسن سال الوزير السابق، والعضو المؤسس لحزب أبريل الذي يتزعمه ماكي سال، والدكتور عبد الرحمن ضيوف رئيس حزب أوالي.
ستكون العقبة الأولى، لجميع هؤلاء المرشحين، التي يجب التغلب عليها هي مشكلة الدعم الانتخابي؛ حيث يتعين على كل مرشح الحصول على دعم 0,8٪ من المسجلين بالسجل الانتخابي على الأقل ليكون مؤهلاً للترشح، بالإضافة إلى معايير ومتطلبات أخرى.
إن قرار الرئيس ماكي سال يُعيد توزيع الأوراق على الساحة السياسية السنغالية. ولن يفشل انسحابه في إثارة شهية الأغلبية والمعارضة للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
_____________________
رابط المقال:
https://www.bbc.com/afrique/region-66104546