المصدر: لوبونيي أفريك
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
توالت ردود الأفعال، بعد إعلان الرئيس السنغالي عدم الترشح لولاية رئاسية ثالثة، على الصعيد المحلي والدولي.
وبموجب القرار بعدم الترشيح؛ فلن يترشح رئيس السنغال، ماكي سال، في انتخابات الرئاسة المزمع عقدها في فبراير 2024م؛ وفقًا لما جاء في إعلان مساء الاثنين 3 يوليو 2023م، خلال خطاب مُتلفَز حظيّ بمتابعة كبيرة على نطاق واسع في البلاد وخارجها؛ حيث صرّح الرئيس ماكي سال قائلاً: “أيها المواطنون الأعزاء! قراري الطويل والمدروس بعناية هو عدم ترشُّحي للانتخابات المقبلة في 25 فبراير 2024م”، مُنهيًا بذلك الجدل المحتدم الذي استمر عدة أشهر.
في المقابل، كانت ردود الفعل سريعة؛ حيث كان هذا الخطاب متوقعًا منذ عدة أشهر، أو حتى عدة سنوات. جدير بالذكر أن ماكي سال انتُخِبَ في عام 2012م، ثم أُعيد انتخابه في عام 2019م، وقام بتعديل الدستور في عام 2016م؛ بهدف تعزيز وتحديث الديمقراطية السنغالية. ووفقًا لمنتقديه، فقد فتح رئيس الدولة الباب لنفسه للبقاء في السلطة بعد ولايتيه.
ارتياح وإشادة في الصحف المحلية والدولية:
فاجأ ماكي سال السنغاليين، سواء من أنصاره أو من خصومه السياسيين، بإعلانه رسميًّا عدم ترشُّحه في انتخابات العام المقبل؛ مما جعله يتَصدَّر، الصفحات الأولى لجميع الصحف تقريبًا “ماكي، يا لها من عظمة! تهتف صحيفة “لو سُولاي” واصفة القرار “بالقرار التاريخي”. فيما اختارت كبريات الصحف اليومية العبارات مثل “ماكي يغادر من الباب الكبير”… “ماكي في بانثيون مع الرجال العظماء”… عناوين رئيسة لها من بين أمور أخرى. و”بإصدار هذا الإعلان القوي، يكون رئيس الدولة قد نزع فتيل قنبلة سياسية كان من الممكن أن تقود البلاد إلى مستقبل غامض”؛ وفقًا لتحليلات صحيفة لو تيمواي.
في الواقع؛ إن المعارضة التي لم تتوقف أبدًا عن إبراز عضلاتها لمعارضة أي محاولة “لخيانة” الشعب من خلال استحضار المادة 27 من الدستور التي تمنعه عن الترشُّح، وتصريحاته التي تقول إنه كان في ولايته الأخيرة، لا يمكن أن تؤيد قرارًا آخر غير القرار الذي تم اتخاذه بالأمس… تُواصِل الصحيفة في مقال مخصص.
للتذكير، أعرب العديد من كبار المسؤولين في الائتلاف الحاكم عن رغبتهم في رؤية ماكي سال يترشح مرة أخرى للمنصب الأعلى في البلاد. وفي هذا السياق، وقَّع أكثر من 500 رئيس بلدية مذكرة تدعو رئيس الدولة الحالي إلى المشاركة.
ووفقًا لصحيفة لو كوتيدين “على الرغم من الضغط إلا أن ماكي سال لم يستسلم”، كما تلاحظ الصحيفة، قائلة: إن “تنازله عن الترشُّح لولاية ثالثة وضع الحد على جدل قضية الولاية الثالثة”، كما تُسلّط الصحيفة الضوء على إرادة رئيس الدولة الحالي في التأثير في الانتخابات المقبلة؛ من خلال الدعم الكامل للمرشح المستقبلي للائتلاف الحاكم بينو بوك ياكار الذي صرح بقوله: “إن كفاحي وفخري الأكبر هما حقًّا أن أقودك إلى النصر، وأن نتابع سياستنا الاقتصادية لصالح شعبنا. التحدي الحالي هو أولًا وقبل كل شيء أن نكون متحدين. وحال الاتحاد، لا توجد قوة سياسية يمكنها مواجهة BBY”.
ويمكن أيضًا قراءة التحليل السياسي لهذا الإعلان في الصحافة دون الإقليمية في غينيا على سبيل المثال. حيث يلاحظ ليدجيلي أن “ماكي سال يسحب البساط من تحت سونكو”. وفقًا للصحيفة “صحيح أن عثمان سونكو كان حتى الآن يتابع بذكاء، إلى حدٍّ ما، رفض الولاية الثالثة للرئيس المنتهية ولايته. الآن بعد أن لم يعد هذا الاحتمال جزءًا من المعادلة، سيتعين على الخصم إثبات نفسه بطريقة أخرى”.
ساهم غموض موقف الرئيس سال بشأن نواياه في انتخابات 2024م، والحكم بالسجن لمدة عامين على أحد خصومه الرئيسيين؛ عثمان سونكو، في جعل الوضع متفجرًا.
أدت إدانة الخصم في قضية أخلاقية، والتي وضعت أهليته في المنافسة على المحكّ، إلى اضطرابات خطيرة في أوائل يونيو الماضي، مما أسفر عن مقتل 16 شخصًا وفقًا للسلطات، و24 شخصًا وفقًا لمنظمة العفو الدولية، و30 شخصًا وفقًا للمعارضة. وكان الخصم قد دعا إلى الحشد الجماهيري بغض النظر عن نتيجة الخطاب لمتابعة “الإصرار النهائي” على رفض ترشح سال.
وتحظى الانتخابات المقبلة ومرشحوها المستقبليون باهتمام كبير من الصحافة الوطنية السنغالية ودول غرب إفريقيا، فضلاً عن أن إعلان الرئيس السنغالي يثير العديد من الأسئلة حول مستقبل المعسكر الرئاسي، ويبدو أن تحالف بينو بوك ياكار يجب أن يجد مرشحًا في أقل من ثمانية أشهر. ويمكننا القول: إن الرهانات مفتوحة لا سيما أنه حتى خطابه في 3 يوليو الجاري، لم نكن نعرف المرشح المفضّل لرئيس الدولة السنغالي.
ومع ذلك، “ليس هناك أدنى شك في أن انسحاب ماكي سال من السباق لخلافة نفسه لن يضع الحدّ على شحذ الطموحات داخل تحالف بينو بوك ياكار في السلطة في داكار”؛ وفقًا لتعليقات صحيفة لو بييي من بوركينافاسو.
قرار مفصلي في تاريخ السنغال:
في غضون ذلك، هناك شيء مؤكد، وهو أن تنظيم ماكي سال الانتخابات الرئاسية المقبلة بصفته رئيسًا منتهية ولايته؛ هي سابقة تُعدّ الأولى من نوعها في تاريخ البلاد؛ حيث يحرر ماكي الناس ويمنحهم حرية الاختيار-وفقًا لتحليلات صحيفة وَالف كوتيديان-. وكما لم يكن متوقعًا، وعلى الرغم من كل أنواع الضغط الداخلي والخارجي، اختار رئيس الجمهورية الخلاف في اتجاه التاريخ. كما أن التاريخ، سيذكر أنه كان أول رئيس لجمهورية السنغال المستقلة ينظم انتخابات رئاسية لن يكون عضوًا فيها. ستتذكر أنه للمرة الأولى يستنفد الرئيس فترتي ولايته في السنغال، ثم يغادر بدون الهزيمة في الانتخابات أو الإجبار على الاستقالة”؛ على حد تحليل الصحيفة.
ردود فعل متباينة بين السياسيين:
من بين الفاعلين السياسيين السنغاليين؛ أعرب الحزب الديمقراطي السنغالي للرئيس الأسبق، عبد الله واد، عقب الإعلان في بيان مفاده “نهنئ الرئيس على قراره الشجاع، الذي من شأنه السماح للشعب السنغالي بتعزيز وحدته، ومواصلة التقدم على طريق الديمقراطية. ونحن مقتنعون بأن هذا القرار الذي يأتي امتدادًا لنتائج الحوار الوطني؛ سيسهم في الحفاظ على الصفاء والسلام اللذين يحتاج إليهما بلدنا بشدة، وضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة”.
ووفقًا لأليون تاين، الشخصية البارز في المجتمع المدني والمعارض القوي ضد الولاية الرئاسية الثالثة لسال؛ فإن هذا القرار يعتبر “خلاصًا”، مضيفًا أن ماكي سال “خرج من الباب الكبير بخطاب كبير”. فيما تحدّث عبد المباي، رئيس الوزراء السابق، عن “عاطفة كبيرة”، وخطاب يسمح له “بالعثور على جزء كبير من شخصية ماكي سال في أبريل 2012م”.
لكن الائتلاف الرئاسي ينظر إلى الإعلان على أنه “خيبة أمل”، مضيفًا: “نحن، أعضاء الحراك الرئاسي، أردنا له فترة ولاية ثانية مدتها خمس سنوات؛ لأن الدستور يسمح بذلك. كان هذا خيارنا السياسي. لسوء الحظ، لم يسمع هذا الخيار. قرر رئيس الجمهورية من تلقاء نفسه أنه لن يترشح مرة أخرى”. وقال مامادو أوري ديالو عمدة فيلينجارا (الشرقية) وعضو الائتلاف الحاكم: “نحترم هذا القرار، ونرحب به، ونشيد به”.
فيما يرى الخصوم السياسيون للرئيس أن ردود الإشادة نسبية؛ حيث صرّحت أميناتا توري، رئيسة الوزراء السابقة التي انضمت إلى المعارضة بالقول: “أهنئ الشباب السنغالي والشتات وجميع الديمقراطيين السنغاليين؛ لأن موافقة الرئيس ماكي على التنازل […] ترجع إلى أن السنغاليين وقفوا ضده”؛ على حد تعبيرها.
ومن جانبه أشاد المعارض خليفة سال بـ”قرار عظيم”؛ فكّر في حوالي 50 ضحية التي سقطت في المظاهرات منذ عام 2021م، هي “تضحيات لم تذهب سًدى”، ودعا إلى “انتخابات شاملة”.
من جانبه؛ قام المتحدث باسم سونكو بنشر تغريدة مختصرة نصها: “التركيز على 2024” مصحوبة بصورة زعيمه المعارض عثمان سونكو، الذي يتمتع بشعبية كبيرة بين الشباب، لم يتوقف أبدًا عن التنديد بمؤامرة السلطات التي تسعى للقضاء عليه سياسيًّا؛ حيث تم حصاره مِن قِبل قوات الأمن في منزله في داكار، والذي قال: إنه “محتجز” منذ 28 مايو 2023م.
غرب إفريقيا بالمرصاد:
تسبَّب خطاب رئيس الدولة في إحداث ردود فعل تجاوزت الحدود السنغالية، وتم فحصه أولاً وقبل كل شيء في جميع أنحاء غرب إفريقيا؛ “لقد أظهر الرئيس ماكي سال حنكة سياسية رفيعة. وهكذا، تظل السنغال واحدة من حاملات الشعلة التي تُضيء قارتنا”؛ وفقًا لتغريدة محمدو يوسفو على تويتر، الذي نقل السلطة إلى ساعده الأيمن السابق محمد بازوم بعد فترتين رئاسيتين.
وكتب محمد بازوم أنه «يعرب عن أمله في أن يؤدي هذا القرار المدروس بعناية بالتأكيد إلى تهدئة المناخ السياسي في هذا البلد الشقيق».
ورحَّب موسى فقي، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، بما وصفه “بقرار حكيم ومفيد”، مضيفًا «أعرب عن إعجابي برجل الدولة العظيم الذي أثَّر على مصالح السنغال الفضلى، محافظًا بذلك على النموذج الديمقراطي السنغالي الذي هو فخر إفريقيا».
وقال عمرو سيسوكو إمبالو، رئيس دولة غينيا بيساو، الرئيس الدوري الحالي لمنظمة دول غرب إفريقيا: “نُشيد بفخر بقرار الرئيس ماكي سال الشجاع كرجل دولة عظيم”؛ بحسب ما نشره على حساباته الاجتماعية.
ترحيب الأمم المتحدة وواشنطن وباريس بقرار ماكي سال:
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تغريدة له على تويتر إلى أن هذا القرار “يعتبر مثالًا مُهمًّا للسنغال وللمجتمع الدولي”.
ومن جانبها أكدت باريس أيضًا أن “السنغال تُثبت مرة أخرى صلابة تقاليدها الديمقراطية الطويلة”؛ وفقًا لبيان وزارة الخارجية الفرنسية.
وشأنها في ذلك شأن الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث صرّح رئيس الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكن في بيان له بأن “إعلان الرئيس سال الواضح يقدم مثالًا على ديمقراطية المنطقة، على عكس أولئك الذين يسعون إلى تقويض احترام المبادئ الديمقراطية بما في ذلك حدود المدة”؛ مضيفًا “نعتقد أن الانتخابات الحرة والنزيهة وكذلك التحولات في السلطة تجعل من الممكن إقامة مؤسسات أقوى ودول أكثر استقرارًا وازدهارًا”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة “فخورة بدعم المؤسسات الانتخابية في السنغال”، ووعد “بمواصلة التعاون مع السنغال لدعم الالتزام الراسخ للشعب السنغالي بالديمقراطية”.
جدير بالذكر أن السنغال تُعدّ شريكة رئيسة للولايات المتحدة في غرب إفريقيا، وقد أبدت واشنطن مؤخرًا استعدادها لتعزيز علاقاتها مع البلدان الإفريقية.
________
رابط المقال: