إعداد: شيماء حسن علي
باحثة تكميلي دكتوراه (سياسة)
تناول الكاتب في مقدمة الدراسة أبرز العوامل المؤثرة في تراث إفريقيا وثقافتها أو ضمير إفريقيا؛ إذ عزاها إلى صراع بين ثلاث ثقافات؛ هي: الثقافة المحلية الإفريقية وتراثها، الثقافة الإسلامية بعد دخول وانتشار الإسلام في إفريقيا بطرق عديدة، وأخيرًا الثقافة الغربية، وهي التي بدأت مع دخول الاستعمار إلى إفريقيا.
وفي رأيه الذي أورده بمقدمة ورقته العلمية أقرَّ “المزروعي” بتأثير الثقافة الغربية على إفريقيا، ومن الأدلة على هذا التأثير: تخليد ذكرى الرئيس الأمريكي “مونور”، وتسمية العاصمة ليبيريا على اسمه “مونورفيا”؛ فوفقًا للكاتب “ساعدت عقيدة مونرو في تحويل علاقات إفريقيا مع العالم الغربي بطرق أساسية ولا رجعة فيها”.
وفعليًّا، فقد صاغ الرئيس “كوامي نيكروما” مبدأه أو مصطلح “ضمير إفريقيا” ليشير إلى أبرز العوامل الجذرية والأصلية التي شكَّلت الجذور الثقافية لإفريقيا الحديثة –إفريقيا ما بعد الاستعمار-، والذي يعكس مجموعة واسعة من الأفكار والقِيَم المستمدة من الحضارات المختلفة، والتي تجذب انتباه المتعاملين مع إفريقيا.
وبرأي الكاتب؛ فإن العلاقة بين الحضارات الثلاث علاقة تنافسية، وفي بعض الأحيان تكون صراعية، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لصراعات مستمرة بين أولئك المؤيدين للثقافة الغربية والمنتمين للإسلام والداعمين لتاريخ إفريقيا القديم، وقد ضرب مثالًا حيًّا ومعاصرًا لتلك الحالة؛ حيث أشار إلى الأزمة المندلعة في نيجيريا بين مؤيدي إقامة الشريعة والحكم الإسلامي وبين غيرهم على إثر إقامة مسابقة “ملكة جمال العالم 2002م”؛ خاصة أن نيجيريا تتميز بتعددية ثقافية شديدة، ويوجد بها 250 لغة وتنوع إثني وتعدد ديني، حتى بين أبناء الدين الواحد؛ فهناك المسلمون السُّنة والصوفية والشيعة، وبين المسيحيين حيث يوجد منهم بروتستانت وكاثوليك وأرثوذوكس، فضلًا عن أصحاب الديانات المحلية أو التقليدية.
ويذهب المزروعي إلى أبعد من ذلك في وجهة نظره؛ حيث يرى أن “ضمير إفريقيا” كان منقسمًا إلى ثلاث حضارات قبل مجيء الإسلام إليها؛ حيث ذكر أنه كان يوجد “تراث ثلاثي أقدم في القارة تفاعل بين الثقافة الإفريقية والثقافة السامية([1])، وإرث اليونان وروما. يتجلى هذا التراث الثلاثي القديم بشكل أفضل في إثيوبيا؛ حيث ازدهرت المسيحية منذ القرن الرابع، وتم تسجيل تأثير اليهودية في النسخ المحلية لأسطورة سليمان، ويتجلى الإرث اليوناني الروماني في كلٍّ من التقاليد الاجتماعية. وتطوَّر هذا التراث الثلاثي القديم عندما تقلَّص العنصر السامي (الذي كان في السابق عبريًّا وعربيًّا) ليصبح إسلاميًّا بشكل أساسي. من ناحية أخرى، توسَّع الإرث اليوناني الروماني ليزداد تأثير الحضارة الغربية الحديثة ككل على الحياة والثقافة الإفريقية.
ولقد انقسمت الورقة إلى سبعة محاور رئيسة كالتالي:
المحور الأول: “الرومانسية البدائية الأولية ورومانسية غلوريا”
وتحت هذا العنوان أكد “المزروعي” على تأثير التراث المحلي الإفريقي قبل مجيء الإسلام والاستعمار إلى أوروبا، وقد استشهد بتراث المسيحية في إثيوبيا والحضارة المصرية القديمة الفرعونية، والتي كانت في أصلها “زنجية”، وأن إفريقيا قد أنتجت ممالك وإمبراطوريات عظيمة، وهو الاتجاه “الرومانسي” أو “رومانسية غلوريا” الذي يشير إلى الإسهام المحلي الإفريقي في ضمير وتراث إفريقيا، ويفضل هذا المنظور التأكيد على اللحظات المجيدة في تاريخ إفريقيا والحضارات العظيمة التي أنتجها، وهو الذي يختلف عن “المدرسة البدائية”؛ والتي غالبًا ما تبتهج بعدم الإسهام التكنولوجي أو الحضاري؛ فقد يراه البعض ثراءً بشكل مختلف أساسه الافتخار بالحياة البدائية التقليدية.
ولقد حاول “المزروعي” إعطاء مثال لكيفية تأثير المدرستين على استجابة القارة الإفريقية لتأثير الإسلام والغرب على علاقة الإفريقي بالطبيعة وخاصة الحيوانات. فعلى سبيل المثال: تذخر الديانات المحلية الإفريقية القديمة بتقديس العلاقة بالحيوانات، وهو ما يتعارض مع الديانة الإسلامية التي تُحرِّم مثلاً الخنزير وتنجّس الكلب، أو حتى المسيحية التي تنتهج نهجًا مشابهًا؛ إذ ساهمت العقيدة الإسلامية والاعتبارات الغربية بتقليص علاقة الإنسان الإفريقي بالحيوانات والنظر إليها بدافع اقتصادي رأسمالي خالص وبعيدًا عن القدسية التي دعت إليها الديانات المحلية القديمة.
المحور الثاني: مبدأ “منرو” الأمريكي والإمبراطوريات الأخرى المتنافسة
في هذا الجزء خصص الكاتب الحديث عن السياسة الخارجية الأمريكية، وبالأخص مبدأ “منرو” 1823م؛ والذي بموجبه اعترف الرئيس الأمريكي بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقها في الاستقلال عن الاستعمار الأوروبي، وهو المبدأ الذي سارع الكثير من الباحثين لاعتباره “صفقة” بين أمريكا من جهة والأوروبيين من جهة أخرى؛ بحيث إن الولايات لن تتدخل في الشؤون الأوروبية الداخلية ولن تشترك في الحروب الأوروبية، في مقابل تقليص الوجود الأوروبي (إسبانيا/ البرتغال) في القارة الأمريكية؛ سواء شمالاً أو جنوبًا، وبالتالي فالكاتب يَعتبر أن مبدأ “منرو” قد ساهم في تقليص الوجود الأوروبي في الأمريكتين، وتعزيز الوجود الأوروبي في إفريقيا، خاصةً بعد المساهمات التي قدّمتها إسبانيا والبرتغال لاكتشاف العالم الجديد (إفريقيا)، كما تحدث الكاتب عن العِرْق الأسود الذي يربط إفريقيا السوداء بأمريكا اللاتينية، ومن هنا يتضح دور العِرْق الأسود في تحرير كوبا وأنغولا.
كما اعتبر أن إفريقيا الإسلامية ساهمت في ربط إفريقيا بآسيا، وهو الدور الذي تعزّز في السبعينيات بفضل النفط العربي. وافترض الكاتب أيضًا أن مبدأ مونرو، بعد أن حافظ على أمريكا اللاتينية من أجل النفوذ الأمريكي، ساعد في إبقاء الولايات المتحدة خارج التدافع على القارة الإفريقية أثناء انعقاد مؤتمر برلين 1884-1885م؛ إذ فضلت الولايات المتحدة القرب من مناطق نفوذ بجوار أراضيها وخارج التدافع الأوروبي على القارة.
المحور الثالث: الثقافة السياسية والاستقرار
يرى الكاتب أن المسيحية دخلت إلى إفريقيا بطريقتين؛ الأولى عن طريق التراث اليوناني والروماني الموجود بالفعل في مصر وإثيوبيا، والدخول الثاني مع تكالب الدول الأوروبية ووقوع أغلب أراضي القارة تحت سيطرة الاستعمار الأوروبي، والتي أسماها كوامي نيكروما (المسيحية الأوروبية)، أما الإسلام فقد وصل إلى القارة في القرن السابع عشر في الوقت التي كانت هناك ديانات محلية تقليدية إفريقية بالفعل، وهو ما ساهم بشكل كبير في إضعاف الديانات المحلية، وغيَّر من طبيعة الثقافة السياسية المحلية السائدة؛ إلا أن الإسلام والغرب قد ساعدوا في إدخال أدوات جديدة ساهمت في تغيير أساليب الحياة الاجتماعية والسياسية لسكان القارة؛ سواء في الزراعة، البناء وطرق التواصل، في الطب وفي العسكرية وطرق الحروب أيضًا.
ويرجع الفضل للغرب في إدخاله أدوات التدمير للقارة بدلًا من إدخاله أدوات للصناعة بعد حصول أغلب دول القارة على استقلالها؛ إذ يرى الكاتب أنه في الوقت الذي تطوَّرت فيه العسكرية الإفريقية، وانتشرت وتطورت الأسلحة فقد عانت إفريقيا فعليًّا من التخلف الصناعي. كما يوضح دور الغرب في نقل أدوات التدمير من خلال تجارة الرقيق؛ إذ قايض الغرب العبيد بالبنادق، وهو ما اعتبره الكاتب أول محاولات عولمة تجارة الأسلحة في القارة.
وعلى الرغم من إلغاء الرق، والذي كانت الإمبراطورية البريطانية قد اعترفت به؛ فقد استفادت منه أيضًا منه بوصفها إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، والتي بدورها حاولت الاستفادة من أبناء القارة ومواردها في حروبها العالمية. أما الآن فإن إفريقيا تعاني فعليًّا من حروب وصراعات داخلية وحدودية، فضلًا عن الحرب على الإرهاب، ويمكن ملاحظة -ضمير إفريقيا- أي إرث الثقافة التقليدية الإفريقية وثقافة الجهاد من الإسلام وتصميم الجيوش الإفريقية وفق تصورات الجيوش الاستعمارية وحركات التغريب الأوروبية في تعامل القارة مع سلسلة الحروب والصراعات المندلعة في القارة، والتي تؤثر بالطبع على الاستقرار السياسي.
المحور الرابع: دول جديدة ومجتمعات تقليدية
في هذا المحور يتحدث “المزروعي” عن تأثير إقامة دول جديدة بالمفهوم الغربي في مجتمعات تقليدية، وتحدَّث عن شكل الاستقرار السياسي في المجتمعات الإفريقية التقليدية، وكيف كان للإسلام والغرب تأثير في بناء الدولة الجديدة الإفريقية ما بعد الاستعمار، على الرغم من تراجع النظم العسكرية ونظم الحزب الواحد، وانتشار الانتخابات في العديد من دول القارة؛ إلا أن الدولة الإفريقية لا زالت تعاني؛ إذ تعاني من فشل وهشاشة المؤسسات السياسية الجديدة، بسبب الفجوة بين الموروث الثقافي الإفريقي القديم وتقاليد المؤسسات الجديدة، وعلى الرغم من أنه أصبح من حق المهنيين -أي أصحاب المهن، ومنهم الأشخاص والمواطنون العاديون- أن يتطلعوا لحكم بلادهم؛ فإن الفكرة نفسها تثير الإحباط بفضل الوضع الساسي المتردي والهشّ.
المحور الخامس: العِرْق والشتات
في هذا المحور خصص المزروعي لدور العرق الإفريقي -أفروأمريكي- في التأثير في القرار السياسي الأمريكي تجاه القارة الإفريقية؛ حيث عرض لنماذج الأمريكيين من أصل إفريقي الذين وصلوا بالفعل لمناصب سياسية كبيرة مثل كونداليزا رايس وكولين باول؛ سواء في المؤسسات التنفيذية والتشريعية في القوى العظمى بالعالم، وهو ما يمكن أن تعتمد عليه القارة في الاستفادة منه وإعادة صياغة علاقاتها مع القوى العظمى في العالم، ثم تعرَّض الكاتب لأشكال العنصرية التي يوجهها الأفارقة في الشتات؛ سواء كانت عنصرية ثقافية في فرنسا، أو عنصرية عرقية في المانيا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى.
المحور السادس: إسبانيا قرب جغرافي مقابل بُعد إمبراطوري
في هذا المحور يتساءل الكاتب عن سبب البعد الثقافي الإسباني عن القارة على الرغم من القرب الجغرافي بينهما؟ ويرى الكاتب أن هذا بسبب انشغال إسبانيا نفسها بناء إمبراطوريتها الاستعمارية في الأمريكتين عن الاهتمام بإفريقيا التي لم تكن أهميتها الاستراتيجية في ذلك الوقت تتعدى تجارة الرقيق، كما يرى أن هناك عاملًا آخر؛ إذ أدى وقوع إسبانيا تحت حكم المسلمين الأفارقة في شمال إفريقيا إلى انسداد شهية الإسبان أنفسهم عن التوسع في إفريقيا، ويرى الكاتب أنه ربما لو كانت نيجيريا مثلًا ناطقة باللغة الإسبانية فقد كان يمكن أن يسهم ذلك في تغيير الاقتصاد السياسي بين الشمال والجنوب؛ يقصد تطوير علاقاتها بدول المكسيك وتشيلي والأرجنتين.
المحور السابع: علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الإفريقي
طرح الباحث تساؤلًا حول هل أدى التراث الإفريقي الثلاثي إلى تعقيد دور المرأة في المجتمع، أم أنه أدَّى إلى تحسين آفاق الإناث من هذا النوع؟ ويرى الكاتب أن المرأة الإفريقية تُواجه توسعًا في الحقوق وتقلصًا في دورها في دولة ما بعد الاستعمار. وفي تحليله النهائي يعتقد أن التراث الإفريقي الثلاثي -السابق الإشارة له- هو مسألة اجتماعية معقدة للغاية من كونها عقيدة تاريخية.
وأخيرًا يختتم “المزروعي” مقاله ببعض النتائج التي توصَّل إليها؛ أبرزها أن الصراع الثقافي (الثقافة المحلية، الإسلام، الغرب) حاضر وبشدة في كل أزمات القارة سياسيًّا واقتصاديًّا، وعلى كل المستويات، وأن فكرة التبعية والاستقلالية عن الخارج تُشكِّل محورًا مهمًّا، ثم وضع بعض التوصيات لتحسين الواقع الإفريقي، وبالنهاية أكَّد على تحسين الواقع الإفريقي يكون من خلال بالنظر للداخل الإفريقي واستثماره والاستفادة منه، وأيضًا من خلال إقامة علاقات واسعة مع العالم الخارجي.
ومن خلال عرض هذه الورقة يتضح أن “المزروعي” قد ركَّز على فكرة رئيسة؛ وهي “الصراع بين الهويات الكامنة في الضمير الإفريقي”، وقد أرجعها بين ثلاث ثقافات -الإفريقية الإسلام الأوروبية-، وقد أكد على أن أغلب مشاكل القارة وصراعتها هي بالأصل بسبب هذا الصراع، فضلًا عن دور مبدأ “مونرو في التكالب الغربي على القارة الإفريقية مع تحييد الدور الأمريكي واكتفائه بالنفوذ والسيطرة في القارة الأمريكية، كما أشار لدور أمريكا اللاتينية في التكالب الغربي على القارة، وفسَّر دور الإفريقيين في تحرير كوبا ودور الكوبيين في تحرير أنغولا.
في الواقع يمكن أن يتفق بعض الباحثين مع وجهة نظر المزروعي، إلا أن غالبية المتخصصين يضيفون بعض الأسباب الأخرى التي أصابت وهن وهشاشة الدولة الإفريقية بعد الاستعمار، ويمكن اعتبارها أسبابًا تُفسِّر دور العامل الداخلي، أبرزها تدخُّل العسكريين في السلطة والنخبوية والمحسوبية في توزيع المكاسب المادية والمعنوية، والتعدد الإثني، والتي لم تستفد منها القارة، وأصبحت مشكلة إثنية بل صراعًا؛ إذ إن الحُكّام الأفارقة بعد الاستعمار قد استغلوا هذا العامل لتعزيز سيطرتهم وحكمهم والمضي قدمًا في سياسات لاستيعاب الإثنيات الأخرى أو حتى القضاء على هذه الإثنيات؛ إذ قد أصبحت السلطة الغاية والوسيلة في نفس الوقت.
أيضًا غياب الرؤية الاستراتيجية؛ فعلى الرغم من الوعود والآمال المرفوعة وقتها وأثناء مقاومة الاحتلال؛ فإن الواقع جاء مغايرًا في التطبيق الفعلي، فلم يكن هناك عدالة في توزيع الموارد، فيمكن أن ترى مثلاً في نيجيريا -على سبيل المثال- أن الأقاليم النفطية على الرغم من وجود أكبر حقول النفط فيها؛ إلا أنها تظل أقل حظًّا في توزيع عوائده، بل إن هذه المناطق لم تشهد تنمية حقيقية، وهو ما جعل هذا الإقليم فيما بعد يدعو إلى الانفصال عن الدولة النيجيرية، وقد تسببت هذه النزاعات في وفاة أكثر من مليون مواطن، أيضًا هناك عامل أخرى مؤثر وبشدة وتعاني منه الدول الإفريقية بعد الاستعمار هو الفساد وغياب الشفافية؛ فغالبية دول القارة تعاني من الفساد.
وعلى الرغم من تخلُّص القارة -بشكل ظاهري- من فكرة الحكم العسكري، أو حتى حكم الحزب الواحد المسيطر؛ فإن واقع القارة لا يشي أبدًا بتحقيق واقع ديمقراطي سليم على غرار النموذج الأوروبي، بل إن القارة قد أصابتها سلسلة أزمات بدءًا بالاندماج الوطني، الإرهاب العابر للحدود، والجريمة المنظمة، وأصبحت القارة مصدرًا لملايين من المهاجرين والنازحين الذين يحاولون الفرار من واقع بائس، فضلًا عن مشاكل التغييرات المناخية وتجارة البشر، وتجارة المخدرات؛ فهناك دُوَل على غرار “غينيا بيساو” nacro state معروفة بأنها مركز لتجميع المخدرات، ثم إعادة تصديرها لأوروبا والولايات المتحدة، وبالتالي في هذه الحالة يصعب الحديث عن فكرة الصراع الثقافي الثلاثي فقط التي تحدث عنها الكاتب.
كما أغفل الكاتب دور الاستعمار في تقسيم دول القارة؛ إذ تعاني بعض الدول من تقسيم هندسي معيب مثل مالي وغيرها من الدول الأخرى، ففي الواقع فإن الدولة الإفريقية قد نشأت نشأة عكسية، وليست نشأة طبيعية مثل الدولة القومية الغربية، وهي التي لم تراعِ طبيعة الوجود السكاني وتوزيع القبائل والعرقيات المختلفة، ولكن بشكل عام استطاع الكاتب أن يُعطي نظرة عامة عن تاريخ إفريقيا، وكيف ظل هذا التاريخ مؤثرًا عليها، وفي علاقاتها مع الآخر، كما قدَّم تفسيرًا عن ازدهار ثقافات غربية في مقابل اندثار ثقافات أخرى؛ كالإسبانية على الرغم من القرب الجغرافي والتاريخ المشترك في بعض الفترات.
وبالتالي فقد ركز الكاتب على الصراع بين الروافد الثلاثة للثقافة الإفريقية في مقابل عدم التركيز على العوامل الداخلية الإفريقية.
ويمكن القول: إن “المزروعي” من أبرز الشخصيات التي تأثرت بفكرة الصراع الطبقي بين الجنس الأوروبي والإفريقي؛ إذ له مقولة تفسر ذلك حيث قال: “لئن كان الناس من الأصل الأوروبي هم براهمة النظام الطبقي العالمي، فإن السود -وغيرهم في العالم الثالث- ينتمون إلى طبقة المنبوذين”. وبالتالي توضّح تلك المقولة أفكاره التي انعكست بشكل كبير على كتاباته، ومن بينها هذه الورقة؛ حيث اعتقد أن القارة الإفريقية دائمًا ما تكون بموقع المفعول به، وأن الآخر، سواء كان الإسلام أو الغرب، هو بمثابة الفاعل، وما بين الفاعل والمفعول به تقع القارة في هذا المستنقع من الصراعات التي أثَّرت على سلامة الدولة الإفريقية، وأصبحت في حقيقتها مجرد واقعة قانونية بدون تحقيق إنجازات على المستوى السياسي والاقتصادي وبنائها الاجتماعي أيضًا.
وأخيرًا قدَّم المزروعي استراتيجيتين للتعافي الإفريقي؛ سواء فيما يخصّ الاستفادة من الواقع الإفريقي في الداخل -الموارد الإفريقية والقيم– وإعادة صياغة العلاقات مع الخارج الغربي والأمريكي، والاستفادة من الأفارقة في الشتات.
[1] – يبدو أن المزروعي قد سيطرت عليه فكرة دور التاريخ والعوامل الجذرية في تشكيل الواقع الجديد، ويمكن ملاحظة هذه الفكرة أيضًا في: على الأمين مزروعي، “براهمة العالم ومنبوذوه”، أحمد حسن النعيمي (ترجمة)، (الوادي الكبير: مؤسسة عمان للصحافة والنشر، 2015م)، ص ص (61-67).