المسلمون في نيجيريا أصبحوا اليوم في أشدّ الحاجة من أي وقتٍ مَضى إلى تذكّر تاريخ زعمائهم وقادتهم الأوائل الذين أسّسوا دولة إسلاميّة قويَّة، قامت على أساسٍ من العدل والمساواة، إلى أن جاء الاستعمار وقضى عليها.
ثمَّ نهض واحدٌ من سُلالة سَلاطينها العِظَام، يَسعى ليُعيد شيئاً من بَريقها، فاغتالته يدُ الغَدْر في عام 1966م، فأطفأت ذلك النُّورَ الذي بَدأ يشعّ في سماء أمّته، ذلكم هو: (أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا).. رجلُ الدولة والدعوة في نيجيريا.
هذا الرّجل «كان يَرى ضرورةَ جعل نيجيريا دولةً إسلاميَّةً بنصّ الدّستور، حتى لو أدّى ذلك إلى انفصال شمال نيجيريا من الكتلة الفيدراليَّة، وهذا ما أغاظ النَّصارى والملاحدةَ والصَّهاينةَ والدُّولَ الغربيَّة عامَّةً، وقد شاهدوا ملامح النَّجاح وتباشيرَ الانتصار للرَّجل، وأيقنوا أنَّه لو عاش طويلاً لما وقف أمامه شيءٌ يمنعه من تحقيق أهدافه، لذلك تحيّنوا غَفلته، واغتالوه وأنصارَه من المدنيِّين والعسكريِّين»(1).
في هذه السُّطور سنُحاول إلقاءَ الضّوء على جانبٍ من حياته، لكي نذكّر الأمّة وقادتها بمآثر هذا الرّجل، وحبِّه لدينِه ولأمَّته، وغَيرته على شَعْبه وتُراثِ أجداده.
أولاً: محطّاتٌ في حياة الحاج أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا(2):
مولده: وُلِد سنةَ 1909م(3).
نسبه: هو: أحمد بِلُّو بن الأمير إبراهيم بن أبي بكر بن الأمير محمد بِلُّو بن الشّيخ عثمان بن فودي(4).
مرحلة الدراسة: مكث أحمد بِلُّو في الكُتّاب سَنتيْن بقريتِه (رَابَا)، ثم أخذه أخوه إلى مدينة صكُتو، لِيُلحِقه بمدرسةٍ ابتدائيّة هناك، فدرس فيها القرآن الكريم، والحساب، واللّغة الإنجليزيّة، والتَّاريخ، لكنّه أبدى أسَفَه حين رَأى أنّ التَّاريخ الذي يَدْرسه تاريخ (إنجلترا) بدلاً من تاريخ بلاده.
كان جادّاً في دراسته، غيرَ متهاونٍ بوقته، كان يَستيقظ باللّيل ليُذاكر دُروسه تحتَ ضوء الفَانوس البَاهت، ما جعَله بعد خمسِ سنين يتخرَّج بتفوُّقٍ، فجاء ترتيبُه الأوّل في فصله(5).
في عام 1926م انتقل إلى كليّة تدريب المعلِّمين في كاتسينا؛ ليتخرَّج بعد ذلك معلِّماً(6).
مرحلة العمل بالتدريس: بعد التخرّج؛ عاد إلى مدرسته الأولى في صكُتو ليدرِّس بها اللّغة الإنجليزيّة والهندسة ومبادئ اللّغة العربيّة، وقد عُيّن أيضاً مسؤولاً رياضيّاً(7).
في عام 1934م عيّنه السّلطان رئيساً لمركز (رَابَا) مسقط رأسِه بعد وفاة ابن عمّه، فكان أصغرَ رئيسٍ من بين 45 رئيساً، هم رؤساء مراكز إمارة صكُّتو، إذ كان عمره آنذاك أربعاً وعشرين سنةً، ودخل بذلك طَوراً جديداً في حياته الوظيفيّة والإداريّة(8).
كان أول عملٍ أَقدم عليه بكلِّ جديَّة هو مكافحةِ الجهل والأميّة المنتشِرة بشكلٍ فاحشٍ في قريته، حتى إنه لم يكن فيها من يَعرف القراءةَ والكتابةَ سواه، فأنشَأ مدرسةً، تولّى التَّدريس فيها بنفسه؛ إذ لا يُوجَد مَن يُدرِّس غيره، فلمّا تعلّم عددٌ من أهل القرية القراءة والكتابة فَتح فصولاً أخرى، وجعلهم مدرّسين فيها، حتى بُنيت أوّل مدرسةٍ نظاميّة في القرية(9).
التدرّج في المناصب القيادية: في عام 1938م انتقل أحمد بِلُّو إلى (غُسَوْ)، وقد عيّنه السّلطان أبوبكر، الّذي كان يشغل منصب (سَرْدَوْنَا)((10)) لإمارة صكُتو في حكم السّلطان حسن، مشرفاً على 14 مركزاً في سَلطنة صكُتو((11))، وبهذا اكتسب مهاراتٍ إداريّة.
وأُعلنت الحرب العالميّة الثانيّة بعد تعيينه بسنةٍ واحدةٍ؛ فعُيّن ضابطاً للحرب في صكُتو.
في عام 1948م سافر أحمد بِلُّو إلى لُندن لدراسة نُظُم الحكم المحلّي(12).
وفي عام 1949م ذهب إلى العاصمة آنذاك (لاجُوْسْ) لأوّل مرّة حين توفّي وزيرُ صكُتو، وأصبح العضو الثّاني الّذي يمثِّلُ صكتو، وقابلَ كبار السِّياسيِّين البارزين؛ مثل الدّكتور (إنمندي أزِيكِوِيْ)(13).
وحين بدأت إجراءات تعديل الدّستُور النّيجيريّ اجتمع الشّماليّون في (كدونا)، واختاروا مندوبَيْن منهم للاشتراك في هذا العمل المهمّ، وكان أحدهما: أحمدو بِلُّو(14).
وكان دائماً ضمن أيّ انتخابٍ لممثّلي الشّمال في مجلس النّواب الاتّحادي، أو أيِّ مجلس آخر.
في عام 1953م تقلّد وزارتَي تطويرِ المجتمع والحكومة المحليّة(15).
وفي أوّل أكتوبر عام 1954م أصبح أحمد بِلُّو رئيساً لوزراء الإقليم الشّمالي، وظلّ في هذا المنصب حتّى اغتياله – رحمه الله-.
ثانياً: نشاطه في العمل السّياسي مع وضوح الهَدف:
وجد سَرْدَوْنَا نفسه في العمل السِّياسيّ دون أن يتطلع إليه؛ لكنه وجده عملاً ضروريّاً في تلك المرحلة؛ لإعادة شيءٍ من أمجاد أمّته التي فقدتها بسبب الاستعمار، فدخل الحقل السياسيّ بهدفٍ واضحٍ ورؤية سياسيّة استراتيجيّة.
نصّ الدّستور النّيجيري على تقسيم نيجيريا إلى: ثلاث حكومات للأقاليم الثّلاثة: الشّرقيّ، والشّمالي، والغربيّ، ولكلّ حكومةٍ إقليميّة قاعدةٌ ورئاسة، وجميعُها مرتبطةٌ بالحكومة المركزيّة في العاصمة (لاجوس).
الأحزاب السياسيّة الرئيسة(16):
1- حزبُ المؤتمر القوميّ النّيجيريّ: تأسّس عام 1945م بقيادة الدّكتور إنمندي إِزِيكوي، المنحدر من قبائل إيبو، نال تعليمَه في أمريكا، كان الحزبُ في بدايته قوميّاً، قائماً على محاربة الاستعمار الأوروبي، وتفضيل السِّياسة الأمريكيّة على سياسة المستعمر الأوروبي، ويتبنّى التّسامُح الدِّيني والتّنويه بأمجاد الأسلاف المسلمين في غرب إفريقيا عموماً، ونيجيريا خصوصاً؛ ما جعل للحزب شعبية عند كثيرٍ من شباب المسلمين في الشمال، فضلاً عن أبناء القبائل الأخرى شرقاً وغرباً، استطاع الحزب أن يصل إلى حكم الإقليم الشّرقيّ برئاسة هذا الزّعيم القومي (د. أزيكوي).
2 – حزبُ جماعة العمل Congress Group: تأسّس عام 1951م بقيادة رجلٍ مسيحيّ من قبائل اليوربا يُسمّى: (أُوبَافِيمِي أُولُوُو)، وهو حزبٌ قائم على المذهب الرّأسمالي والمبادئ الماسونيّة، وتَغلب عليه – حَسْب وصف الشّيخ آدم الإلوري – النّزعةُ القبليَّةُ والعصبيّة الدينيَّة والفكرةُ النّفعيّة.
يتكوّن أعضاؤُه من: قبائل اليوربا المسيحيّين، والمسلمين المغلوبِ على أمرهم بالنّعرة القبليّة والدّعاية المغرِضة، استطاع الحزب أن يفوز بحكم الإقليم الغربيّ برئاسة هذا الرّجل الماسوني.
3 – حزب الشّعب الشّمالي: تأسّس 1949م بقيادة أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا، تنحصر شعبيَّتُه في أبناء الشّمال، بالأغلبيّة المسلمة والأقليّة المسيحيّة، وهو حزب قائمٌ على المحافظة، واحترام العادات والتّقاليد، وتوطيد الصّلة بالأمراء التّقليديِّين، والانحياز إلى الشرق العربي والإسلامي، وقد فاز الحزب بحكم الإقليم الشمالي برئاسة أحمد بِلُّو.
ثالثاً: جهوده لتوطيدُ العلاقة مع الشّرق العربيّ والبلاد الإسلاميّة
ظلّ أحمد بِلُّو – رحمه الله – يُنادي منذ الساعة الأولى بالانفصال عن الموكب الغربيّ إلى موكب الشرق العربي، غيرَ أنّ بعض أنصاره عارضوه، ورأوا أنّ في ذلك توريطاً للإقليم في أزماتٍ اقتصاديّة متضاعفة؛ لانعزاله عن شواطئ المحيط الّتي يُشرف عليها الجنوب الشّرقي والغربي.
لكن أحمد بِلُّو ظلّ محتفظاً بهذه الفكرة، وكرّس جهودَه في تقوية إقليمِه ثقافيّاً واقتصاديّاً، وتهيئة نهر النّيجر للملاحة، وإنشاءِ الميناء والمحطّة الكبرى للكهرباء على ضفّته؛ تفاديّاً لما قد يحدث من تطوّرات، لذلك كلِّه ظلّ يلتزم حدود إقليمه، ويَكتفي بما يَكتسبه من الأصوات الانتخابيّة فيه، ولا يَطلب شيئاً من إقليم آخر(17).
انتقلت همّتُه في العمل الإسلاميّ إلى سائر أرجاء العالم الإسلاميّ، وكان يُحزنه جدّاً ما يَراه من اختلاف بين بعض البلاد الإسلاميّة في الشّرق العربي، فرأى أن يقوم بعملٍ يُعيد إليها شيئاً من الوئام والمحبّة عن طريق العمل المشترك بينها، فقام بجولةٍ إلى بعض البلاد العربيّة والإسلاميّة، مثل: (النّيجر وغينيا، والسّنغال – مع أنّ رئيسها آنذاك ليس مسلماً إلاّ أنّ أغلبية الشّعب مسلمة -، وغامبيا، والمغرب، والجزائر، ولِيبيا، وتُونس، واليمن، والعراق، والكويت، والسّعودية)، وتحدّث إلى زعمائها وقادتها حول فكرته، وكان معه الشّيخ أبوبكر محمود جومي، ونتج عن هذه الجولة فكرةُ مؤتمرٍ يُعقد في الحجّ سّنة 1961م.
مؤتمر 1961م بجدّة:
انعقد المؤتمر في القصر الملكي بجدّة في 29 مايو 1961م، وترأّس الجلسةَ وزيرُ خارجيّة السّعوديّة فيصل بن عبدالعزيز، وكان (سَرْدَوْنَا) أوّلَ المتحدِّثين في هذا الاجتماع؛ فتطرّق إلى ضرورة تسوية النزاعات السياسية بين الدول الإسلامية، والتعاون في سبيل نشر الإسلام، والعمل على النهوض ببلدانهم اقتصاديّاً، وعُقدت جلسة أخرى برئاسة الملك سعود بن عبدالعزيز، وكان (سَرْدَوْنَا) فيها أيضاً أوّل المتحدّثين بعد الكلمة الافتتاحيّة من فخامة الملك، وكرّر في حديثه أهمّ الأفكار التي طرحها سابقاً، ثمّ في النّهاية قدّم دعوةً خاصَّةً للملك لزيارة نيجيريا.
وبرغم أنّه كان المؤتمر الأوّل من نوعه، ولم يحظ بتحضيرٍ جيّدٍ، فإنّ المؤتمرين استطاعوا أن يخرجوا ببعض القراراتٍ المهمَّةٍ، منها: التعاون السياسيّ بين الدول الإسلامية، ونشر الإسلام على هَدْي الكتاب والسنّة، ومساعدة الشّعوب المسلمة المناضلة ضدّ المستعمرين في الجزائر وفلسطين، وتأسيس (الجامعة الإسلاميّة) بالمدينة النبويّة.
هذا النجاح الذي حقّقه أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا مهّد السبيل لدعوته إلى وحدة العالم الإسلامي، فكلّما جاءت مناسبةٌ كان (سَرْدَوْنَا) يقوم بزيارة قادة العالم الإسلاميّ، ويقدّم النّصائح الّتي يمكن أن تؤدّي إلى توحيد العالم الإسلامي، وتحقّق الأمن في ربوع العالم أجمع(18).
وقد ظل يحجّ كلّ عامٍ بعد حجَّته الأولى 1955م، وتوطّدت علاقته بالمملكة العربيّة السّعوديّة، وببعثات الحجّ من بلادٍ إسلاميّة مختلفة(19).
رابعاً: جهوده في دعم التّعليم الإسلاميّ
كان الهدفُ عند (سَرْدَوْنَا) أن تحظى المدراس القرآنيّة باهتمامٍ خاصٍّ، وأن يتمّ تنظيمُها حتّى تؤدّي دورَها في نيجيريا الحديثة؛ لذلك قرّر أن يقدّم إليها دعماً يوازي ما تقدّمه حكومة الاستعمار إلى المدارس التنصيرية، وما تجده المدارس الخاصّة من دعم؛ لذلك رأى أن يعمل بمساعدة العلماء لإيجاد حلٍّ مناسبٍ لهذه المسألة.
وقد قدّم (سَرْدَوْنَا) هذه الخطّة في أثناء دعايته الانتخابيّة، وأعلن على الملأ أنّه سوف يقوم بدعم المدارس القرآنيّة في حال فوزه بانتخابات 1959م.
علاوةً على ذلك؛ فإنّه كان يرى أن يسمو التعليم العربيّ والإسلاميّ في المدارس الحكوميّة، وقد أصدر (سَرْدَوْنَا) أوامرَه لوزارة التعليم أن تقوم بإنشاء لجنة تنظيم الدّراسات الإسلاميّة(20).
قامت الحركاتُ السِّياسيّة بدورٍ مُهمٍّ في إدخال إصلاحات كثيرةٍ في ميدان التعليم عامّة، وفي ميدان التعليم العربيّ والدّيني خاصّة، وقد ظهرت نتائجُ ذلك عندما تمّ الاستقلال؛ فقد أُنشئت مدارس كثيرة، وأقبل النّاس يستزيدون منها، وظهر اعتناءُ الحكومة بتدريب مدرّسي اللّغة العربيّة والدّين، وتوجهت طائفةٌ منهم للدراسات العُليا، واشترك بعضهم في سياسة التعليم بالوزارة، وبدأ مدرّسو العربية يتمتّعون بقسطٍ من المساواة بينهم وبين مدرسي الموادّ الأخرى في الرواتب وفُرص التّرقية وغيرها، وأقبلت الحكومة على إرسال البِعثات التعليميّة إلى البلاد العربيّة وغيرها للتخصّص في العلوم العربيّة(21).
خامساً: جهودُه في خدمة الإسلام:
دخل على أحمد بلُّو يوماً الشّيخُ أبو بكر محمود جومي رحمه الله، فاشتكى أحمد بلُّو إليه أنّه أنفق أموالاً طائلةً في سبيل النُّهوض بحزبه السِّياسيّ؛ حزب شعب الشمالNorthern Peoples’ Congress, NPC ، كما أنّ الحزب أيضاً ينفق مثل هذه الأموال إلى أن وصل إلى حَدِّ الإفلاس، لكنه يرى أنّ أعضاء الحزب بالرغم من ذلك لا يعملون بإخلاص.
أدرك الشّيخ أنّ الأمر لم يكن يتعلّق بالأموال الّتي يُنفقها أحمد بلُّو، أو ينفقها الحزب، وأنّ قصد أحمد بلُّو اختلاف الهدف بينه وبين باقي أعضاء حزبه، فعندها قال: «بدلاً من إنفاق هذه الأموال على الحزب السّياسيّ بدون طائل، فلماذا لا تَقوم بإنفاقها في عَملٍ يُرضي عنك النّاس، ويُرضي عنك خالقُك؟».
فسأله أحمد بلُّو: «ماذا تعني بذلك؟».
فأجابه الشّيخ قائلاً: «بدلاً من أن تحشر هذه الأموالَ في أمور السّياسة، فلو أنّك أنفقت عُشُرها لنشر الدّين لأكسبك ذلك أتباعاً، وفي الوقت نفسه قدّمت خدمةً مباشرةً لدين ربِّك».
فسكت أحمد بلُّو ولم يَقل شيئاً، وأدرك الشّيخ أنّ هذه الكلمات قد وجدت سبيلَها إلى قلب الرّجل، وصارت مفتاحاً له للدّخول في ميدان خدمة الدّين ونشر الإسلام.
وكان ما توقّعه، إذ بدأ أحمد بلُّو يُقدّم للعلماء والدّعاة دعماً ماديّاً كلّما خرج لجولةٍ سياسيّة، ثمّ توجّه إلى بناء المساجد في الأرياف ليتسنّى للنّاس أن يُصلّوا جماعةً، وكان النّاس يشكرونه عليها ويدعون له، ويزيده ذلك عزيمةً واستمراراً، ثمّ زادت عزيمتُه حتى بدأ يخرج لا لجولةٍ سياسيّة أو دعائيّة كما اعتاد أن يفعل سابقاً، وإنما لجولةٍ دعويّةٍ كلّما وجد فرصةً لذلك، وكان يقوم بكفالة الدّعاة لتعليم النّاس الدّين، ويدفع إليهم المكافآت من راتبه الخاصّ(22).
ويمكن أن نشير إلى معالم بارزة تظهر فيها خدمته للإسلام، وهي:
أ – تأسيس (جماعة نصر الإسلام):
لاحظ الشّيخ أبو بكر جومي – رحمه الله – أنّ عدد الدّعاة لديهم غيرُ كافٍ للقيام بالدّعوة والتعليم، فاقترح على رئيس الوزراء تأسيس منظّمة تقوم بهذه المهمَّة، فَقَبِل الاقتراح.
عُقد أوّل اجتماع لهذا الشّأن في منزل أبي بكر إمام، وحضره (سَرْدَوْنَا) مع مجموعةٍ من العلماء ومسؤولي الحكومة، وأسّسوا هذه المنظّمة باسم: (جماعة نصر الإسلام)، كان أوّل أمينٍ عامٍ لها هو: (أبو بكر إمام)، وعَيّنوا لها موظَّفاً يقوم بتسيير أعمالها، وهو: (مالم لَبَّيك بِلُّو) من إلورن، وتبرّع الشّيخ جومي بمنزله ليكون مكتباً خاصّاً للمنظّمة(23).
ب – دعوة غير المسلمين إلى الإسلام:
كانت سنة 1955م أوّل سنة يحجّ فيها أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا، وتأثّر كثيراً بمشاهد الحجّ والحجيج، وازداد توجُّهه الدّينيّ، وشعر بضرورة دعوة غير المسلمين في نيجيريا إلى الإسلام، لا سيّما الوثنيّون منهم(24).
ويصف هو بنفسه ثمرات الجهود التي قام بها في نشر الإسلام بين أوساط الوثنيِّين في نيجيريا فيقول: «وفي نيجيريا: أعمل وبعض الإخوة المسلمين بنشاطٍ وجدٍّ في حقل الدّعوة والهداية بين هؤلاء الوثنيِّين، وصادفنا – والحمد لله – نجاحاً كبيراً، أقبل الكثيرون منهم على الإسلام، يدخلون في دين الله أفواجاً كلَّ يوم، وفي كلِّ جزءٍ من أجزاء بلادنا، ونحن نشكر الله كثيراً، فبعونِه وتوفيقِه، ورغم المشاغل الأخرى التي أرادها لنا – سبحانه-، فقد آتت مجهوداتُنا ثمارَها، واعتنق الإسلام من هؤلاء الوثنيِّين 176930 في الفترة من ديسمبر 1963م إلى مارس 1965م.
وليس هذا كلّ شيءٍ؛ فقد اعتنق الإسلام أيضاً بعض المسيحيين، ومن بينهم شخصياتٌ لها أهميتها في المجتمع»(25).
وكان الشّيخ عطية محمّد سالم – رحمه الله- شاهدَ عَيانٍ لتلك الجهود، يومَ أن كان عضواً في بعثةٍ للجامعة الإسلاميّة إلى غرب نيجيريا، يتقدّمهم العلامة الشّهير والمفسِّر النِّحرير الشَّيخ محمّد الأمين الشَّنقيطيّ رحمه الله، فقد سجّل الشّيخ عطيَّةُ شهادتَه عن تلك الجهود، فقال رحمه الله: «وقد شهدنا مهرجاناً شعبيّاً طارت له القلوب فرحاً، واهتزّت له المشاعر إعجاباً، وكدنا نكذِّب أنفسنا فيما نرى حين تقدّم ممثّلو سبعةِ آلاف شخص قد دخلوا في الإسلام من جديد، وكدنا نخال أنفسنا في القرون الأولى»(26).
ويقول الشّيخ أبو بكر جُومي: «أعتقد أنّه في المرحلة الأخيرة من حياته أصبح لا يهتمّ بشيءٍ من هذه الحياة الدّنيا، وإنما توجّهت همّته للآخرة، وهذا قد أعطاه دفعاً قويّاً ونشاطاً زائداً عند خروجه للدّعوة إلى الله، وفي يومٍ من الأيام في إحدى جَولاته الدعويّة في قرية (قَارَيي) في كَنو، تحدَّث طويلاً أمامَ مجموعةٍ من الوثنيِّين فلم يُنهِ حديثَه حتى أسلم أكثرُ من ألف شخص.
كان (سَرْدَوْنَا) يُنفق كلّ ما في يديه للدّعوة إلى الله مع حبّه الجمّ للمتديّنين»(27).
ج – مشاركتُه في تأسيس منظَّمة (رابطة العالم الإسلاميّ):
كانت لقاءاتُ أحمدو بِلُّو سَرْدَوْنَا بزعماء وقادة العالم العربي والإسلامي قد أسفرت عن تأسيس (رابطة العالم الإسلاميّ)، فقد تجمّعوا في مكّة في موسم عام 1962م، وتأسّست هذه الرّابطة التي كان (سَرْدَوْنَا) أصلَ فكرتها، وقد اختُير نائباً لرئيسها، ثمّ عضواً في المجلس التنفيذي، وعيّن الشّيخَ أبابكر جومي ليَنوب عنه(28).
وقد قَبل أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا هذا الشَّرف شاكراً، وتعهّد بالتجاوب والتعاون مع الرّابطة على نشر الإسلام، وإن لم يكن قد أسهم بالإنفاق على مسيرة أعمال الرّابطة؛ فقد تعاهد ببذل نفسه حسبما جاء في رسالته: (إلى سيادة الأخ الأمين العام… ولستُ أملك إلاّ أن أؤكِّد لكم تأييدي الكامل الذي لا حَدَّ له، وعهدي على التعاون الوثيق في سبيل نشر رسالة الإسلام العظيم، ولن أكونَ في ذلك إلاَّ مؤدِّياً أمانةَ الله في عُنق كلِّ مسلمٍ، وماضياً على أثر آبائي وأجدادي، أعتزّ بأنّ تاريخهم في بلادي اقترن دائماً بتاريخ الدّعوة الإسلاميّة…)، الرّسالة بتاريخ 12 ذي الحجّة 1371هـ (16 مايو 1962م)(29).
كان – رحمه الله – قد أدّى قبل اغتياله بأشهرٍ قليلة عام 1965م خطاباً تاريخيّاً في مؤتمر الرّابطة، يظهر فيه حماسُه لهذا الدِّين، ولقضايا الأمّة، وما يحمله بين جوانحه من همّ نشر الإسلام، والعمل على إبلاغه للبشريَّة، تحدَّث فيه عن نيجيريا، والمسلمين بها، ومشكلاتهم، وما يصبو إليه من رفع مُستواهم علميّاً وثقافيّاً، وما تواجهه أمَّتُه من خطر التنصير، وما يقوم به هو وإخوانه من مواجهة التحدّيات، ونشر الإسلام بين الوثنيِّين، وأشار في خطابه أيضاً إلى أنّ الإسلام في ذاته دائماً وأبداً قوي، وإنما الضعف فينا نحن المسلمين، ويأتي الضّعف أحياناً من عدم التعاون بيننا على البرّ والتّقوى كما دعانا إليه الإسلام، وعدم التنظيم لأعمالنا، وطَرَح بعضَ المقترحات أمام الرَّابطة؛ من ذلك مشروع جمع تبرّعات، وإقامة صندوقٍ خاصٍّ للإنفاق على تعليم المسلمين، ونشر الإسلام الحنيف، وحمل رسالته الكريمة إلى قلوبٍ لم تعرف نورَه بعد، واقترح أن يُسمّى المشروع: (شُعلة الإسلام)(30).
سادساً: صلتُه برائد الدّعوة السّلفيّة في نيجيريا: الشّيخ أبوبكر محمود جومي (ت 1412هـ)
في عام 1957م عَيَّن أحمد بِلُّو الشّيخَ أبا بكر جومي مسؤولاً عن شؤون الحجّاج، وهمَّ قبل ذلك أن يجعله سفيراً له فيها، إلاّ أنّ الشّيخ رفض قبولَ المنصِب(31).
كان الشّيخ أبو بكر محمود جومي يرى أنّ (سَرْدَوْنَا) إنسانٌ يبحث دائماً عن الحقّ والصّواب، ما جعل الشيخ يصارحه بالحقيقة، ويبادله رأيَه دون خوفٍ أو وجلٍ، فقد يَقبل منه، وربما يختلفان في الموقف، بل قد يُغضبه الشّيخ أحياناً بصراحته المتناهية، يقول الشّيخ: «فإذا رأيت الغضبَ منه في مثل هذه الحالة أتركه، لكنّه في الغالب يبحث عنّي مجدَّداً، فقد يعتذر إليّ، أو يتناسى الموضوع، ويفتح موضوعاً آخر للنِّقاش، ثم لا يعود إلى الأول نهائيّاً»(32).
وقد أصبح الشّيخ أبو بكر جومي بهذا مستشاراً خاصّاً لرئيس الوزراء، بالإضافة إلى عمله رئيساً للقضاة، وهذا ما قَوَّى العلاقةَ بينهما، وخَبِر الشَّيخ جومي هذه الشّخصية الكبيرة عن كَثَبٍ، وصار ممّن يحقّ له أن يُدلي بشهادته حولها، يقول: «كنتُ دائماً معجَباً بالطّريقة التي يسيِّر بها شؤونَه اليوميَّة، كان إنساناً سهلاً مع علوِّ مكانته الاجتماعيَّة، كان ناصحاً لكلّ مَن استنصحه، وكان مهدِّئا للنّاس كلّما شَعر أنَّ خوفاً ما ينتابهم»(33).
ويكشف الشَّيخ جومي كيف كان أحمدُ بِلُّو فخوراً بأمّته وتاريخها، وعاملاً من أجل نهضتها وَرُقُيِّها، فيقول رحمه الله: «من الصّعب جدّاً بيانُ مدى حبِّ (سَرْدَوْنا) للإقليم الشّمالي، ورغبته في قيادة أمّته إلى الرُّقي، لا سيما بالمقارنة إلى باقي أقاليم البلاد، كان دائماً فخوراً بتاريخ أمّته في هذه البلاد، وأنّ في تاريخ أمّته علماءَ ألَّفوا كتباً مُهمَّة في مجالاتٍ مختلفة من العلوم، في وقتٍ كان الناسُ في بعض بلاد العالم يعيشون جاهليّةً لا يعرفون شيئاً. ومن دواعي الفخر عنده أنّ الكشّافة الغربيِّين لم يكونوا هم الذين اكتشفوا وجود أمَّته، كما يفخر بأنّ أجداده هم الذين أسّسوا هذه البلاد من سنين طويلة. فَغَيْرتُه ورغبتُه في نهضة بلاده وأمّته ليست لأغراضٍ سياسيَّةٍ، بل كان يشعر بأنّ النّهوض بأمّته في الشّمال مسؤوليّةٌ على كاهله… وهذا الّذي جعله يعمل بجدٍّ، دون توقُّفٍ، الأمرُ الذي بزّ به سائر النّاس، ومن أجل ذلك لا ينام في اللّيل إلاّ ما لا يجاوز أربعَ ساعات أو أقلّ»(34).
سابعاً: بوادرُ التّوتّر بين سياسة الشّمال والجنوب
لقد صوّر الكاتبُ النّيجيريّ الشّيخ آدم عبد الله الإلوري – رحمه الله – ما وقع آنذاك بين الشّمال والجنوب من توتُّرٍ سياسيّ عميق؛ كان سببُه النّعرة القبليّة والدينيّة، واختلاف الاتّجاهيْن في السّياسة الدّاخليّة والخارجيّة، فقال رحمه الله:
«لكنّ السّاسة الجنوبيِّين لم يتركوا الشّمال لأهله، كما تركوا لهم الجنوب، ومع ذلك ظلّ أحمد بِلُّو هادئاً ضابطَ النّفس لم يحرّك ساكناً، ولم يغيِّر سياستَه.
وفي هذه الأثناء؛ كان التّوتُّر شديداً بين الشّرق والغرب، يعني: الزّعيم إِزيكوي والزّعيم أولوو(35)…
وقد كان التَّوتّر شديداً بين الغرب والشّمال لما كان عليه الزّعيم الغربي من التعصّب القَبَليّ والدّينيّ معاً، وإيقاظ النّعرة النائمة بين اليَرباويِّين والفُلاَّنِيِّين… وقد حمله هذا التعصّب على بُغض العرب والمسلمين جميعاً، وكان أوّلَ مَن استدعى اليهود إلى إقليمه وأَشركهم في مؤسّساته، ليوازنَ بذلك كفَّة أحمد بِلُّو الذي كان يَستميل العربَ ويواليهم، ويحضر مؤتمرهم كلَّ سنةٍ في مكّة.
وعبثاً بَذل هذا الزّعيم اليَرَبَاويّ أقصى جُهده للوصول إلى رئاسة الحكومة المركزيّة، ولمّا خاب سعيُه، ويئس من رصيد التصويت والاقتراع، صار يبيِّت السُّوء ويَحيك المؤامرةَ لِقَلْب الحكومة المركزيّة على الحاج أبي بكر تَفَاوَا بَلِيوَا، وأظهر اللهُ شرّه، وقُبض عليه، وحُوكم، وأُدين بالجريمة، وقُضي عليه بالسّجن عشر سنين، ومن هنا انقسم حزبُه (جماعة العمل) على قسمين:
قسمٍ: يتحمّس لهذا الرّئيس المعتقل في السّجن.
وقسمٍ: يتحمّس لنائبه صمُويل أَكِنْتُولا، الّذي انحاز مع القسم الأكبر من قَبائل يُوربا إلى مُوالاة الإقليم الشّمالي، فاعتبره القَبَلِيُّون خائناً لقبيلته؛ لأنّه خضع لقبائل هوسا، كما اعتبره الصَّيلبيُّون خائناً لدينه؛ لأنّه خضع للمسلمين، فصاروا يبيّتون له السُّوء.
فغيّر الشَّرقيُّون سياستَهم فجأةً، وجعلوا يتظاهرون بالتعاطف مع قضيّة الزّعيم اليرباويّ المعتقَل، لكسب موالاة أتباعه من اليَرباوِيِّين، حتى يستطيعوا أن يُشكّلوا جبهةً واحدةً لتنفيذ قَلْب الحكومة حسب إرادة الزّعيم اليرباويّ المعتقَل…
وفي هذه الأثناء جاء دورُ الانتخاب الإقليمي، واكتسح الحزب الموالي للشّعب الشّمالي تحت رئاسة أَكِنْتولا أغلبَ الكراسي، فعاد إلى رئاسة الحكومة، فَأوعَزت قبائلُ إِيبُو إلى أنصارهم في الأقاليم أن يُعلنوا اعتراضَهم على نتيجة الانتخابات بأعمال العُنف، وإثارة القلق والاضطراب، كنَسْف المباني والسّيارات الخاصّة، والتمثيل بمؤيّدي خصومهم على مرأى القوى البُوليسيَّة التي تشكِّل الأغلبيّة من قبائل إيبو، توهيناً لقوّة الحكومة، وتمهيداً لتنفيذ الانقلاب، وتوسُّلاً لكسب تأييد الشّعب، وتبريراً لإقامة الحكم العسكريّ بعد إسقاط الحكومة الإسلاميّة كما يسمُّونها»(36).
ثامناً: الجريمةُ النَّكْراء
كان أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا يستعدّ للذّهاب إلى العمرة فيما بين 3-11 من شهر يناير 1966م، لكنّه بدأ بزيارة مَسقط رأسه (رابَا) في صكُتو لتوديعهم، وذلك في شهر ديسمبر عام 1965م، وقد حذّرته الاستخبارات من هذه الرّحلة، وطالبوه بإلغائها، وإلغاء رحلته إلى (وُرْنو)؛ لما لديهم من معلومات استخباريّة بأنّ هناك تهديداً باغتياله واغتيال عديدٍ من وزرائه، لكنّه أصرّ على الرّحلة(37)، ولما زار ضريح جَدِّه السّلطان أبي بكر عَتيق، قال لمن معه: «ادفنوني هنا…»؛ مشيراً إلى بُقعة بجوار قَبر السُّلطان(38).
ثمّ قبل أن يُسافر إلى المملكة وصلته رسالةٌ مكتوبةٌ بإنجليزيّةٍ ركيكة تُستعمل عادةً من قبيلة إيبو، ما أعطى المطّلعين عليها انطباعاً بأنّ كاتبها من قَبيلة (إيبو)، وكانت الرّسالة تحمل تهديداً بقتله وقتل رئيس الوزراء النّيجيري الحاجّ أبي بكر تفاوا بليوا… لكن بعض المرافقين لسَرْدَوْنَا قَلَّل من مِصداقيّة الرّسالة، إلا أنّ (سَرْدَوْنَا) قال: «لا، ربّما يكون هناك أحدٌ يريد أن نبقى أحياء…»، فسلّم الرّسالة إلى رجال الأمن ولكنّهم لم يفعلوا شيئاً تجاه هذا التّهديد(39).
عملية اغتياله:
بعد رحلة العمرة؛ كان قائد اللّواء الأوّل لكتائب الشّمال النيجيريّ صمويل إديمولغون على علمٍ ومعرفة تامّة بخطّة الانقلابيّين، وحاول مع (سَرْدَوْنَا) بأن يتحرّك ضدّهم، ويطلب من رئيس الوزراء النّيجيري أن يُصدر أمراً بالقبض عليهم لكن دُون جدوى، لم يفعل (سَرْدَوْنَا) شيئاً، وحاول اللِّواء مع طبيبه الخاصّ حتى يكلّمه ويُفهمه خطورةَ الوضع، لكن مع ذلك لم ينجح(40).
في أواخر شهر رمضان عام 1385هـ الموافق 15 يناير من عام 1966م في منتصف اللّيل هاجم الانقلابيّون المجرمون منزلَ أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا، وقتلوا عدداً من حُرّاسه من الشّرطة وغيرهم، وقتلوا كلَّ من صادفوه من المدنيِّين في مسرح الحدث في ذلك الوقت، حتّى نفَذُوا إلى غرفة نوم (سَرْدَوْنَا)، ووجدوه جالساً وبإزائه إحدى زوجاته (حفصة)، فأفرغوا عليه سيلاً من الرّصاص وعلى زوجته، فأَرْدوهما قَتِيلَيْن، ثم أشعلوا النِّيران في المنزل.
وفي العمليّة نفسها اغتالوا عدداً من أنصاره، وعلى رأسهم رئيس الوزراء النيجيري أبو بكر تَفاوا بَلِيوا، ورئيس وزراء الإقليم الغربي صمويل أَكِنْتولا، واللّواء زكريا مَيْمَلاري، واللّواء إديموليغون، والعقيد محمد قِرُو، ويعقوب فام، وغيرهم من الموالين لسَرْدَوْنَا من المدنيين والعسكريّين في مختلف الأقاليم.
وقد هرب رئيسُ الجمهورية (د. إزيكوي) إلى لندن، ومن هناك أملَى على نائبه أن يسلِّم الحكومة إلى الجيش رَيثما يعود الاستقرار إلى البلاد، وكان القائدُ الأعلى لقوّات نيجيريا رجلاً من قبيلة إيبو يُسمّى: (إرونسي)(41)، وهكذا تمّ لهم ما أرادوا في انقلاب دامٍ، راح ضحيّتَه رجالٌ شرفاء مخلصون لدينهم وأمّتهم.
الدّافع الرئيس لهذه الجريمة:
يذكر الشّيخ أبو بكر محمود جومي أنّ الجنرال (إنْزِيغُو) قائد تنفيذ عمليّة اغتيال (سَرْدَوْنَا) ذكر له مسوّغات جريمته كالآتي:
1 – أنّ (سَرْدَوْنا) يخطّط للقيام بالجهاد المسلّح ضدّ غير المسلمين في نيجيريا؛ لإكراههم على الإسلام، وأنّه استورد أسلحةً من الدّول العربيّة لهذا الغرض.
2 – أنّه وأنصارَه كانوا ظَلَمةً وسُرَّاقاً، ينهبون الأموال العامَّة، وأنّهم خَوَنة للبلاد.
3 – أنّه يُعطي الامتيازات في الوظائف الحكوميّة في الشّمال لأبناء الشّمال دون غيرهم.
4 – أنّ الشّماليين قد سيطروا على الوظائف في الحكومة الفيدراليّة.
مع أنّ الإحصائيّات الّتي أُجريت عام 1965م قبل اغتيال (سَرْدَوْنَا) بسنةٍ واحدةٍ تؤكِّد أنّ مجموع الموظِّفين الشّماليين في وظائف الحكومة الفيدراليّة لا يجاوز عددُهم 3,6%؛ مع أنّ الشّمال يشكّل نصفَ سكَّان نيجيريا(42).
هكذا سوّغ هذا المجرم الأثيم إجرامَه!
لكن من المعلوم للجميع أنّ الدّافع الرئيس لهذه الجريمة ليس سوى:
1 – تمسّك (سَرْدَوْنَا) بدينه.
2 – سعيه أن يَرى أمَّته رافعةً رأسَها، متمكِّنةً في أرضها، تحكِّم شرعَها، وهو الذي قال في خطابٍ ألقاه في 23 أغسطس/ 1963م، أمامَ جمعٍ من العلماء، في افتتاح (لجنة الشّورى الإسلاميّة) في كادونا: «أريد أن أقول لكم: إنّ الحكومة التي أنا أرأسُها ليس من نيّتها أن تقوم بفعلِ أيّ شيء مخالفٍ للإسلام، وأنا نفسي بصفتي رئيساً لا أملك صلاحيةً فوق ديننا، وكونوا على يقين بأني لن أكون أبداً شريكاً في أيّ عملٍ يُناقض الإسلام أو يخالفه…»(43).
3 – سعيِه في نشر الإسلام في بلاده، وفي ربوع إفريقيا جميعاً.
4 – موقفه الواضح من دولةِ إسرائيل الّذي لا يُخفيه في أيّ مناسبةٍ، فقد سأله أحدُ الصّحافيين عن العلاقات بين بلاده وإسرائيل، فأجاب بغضبٍ: «ما هي إسرائيل؟!»، واستطرد بقوله: «بالنّسبة لتفكيري إنّ إسرائيل غيرُ موجودة، وهي لن توجد أبداً، ولا أعرف ما هي»(44).
وقد أصدر الملكُ فيصل بن عبدالعزيز أمره بصلاة الغائب في جميع مساجد المملكة، من بينها المسجد الحرام بمكّة المكرمة والمسجد النّبويّ بالمدينة المنورة، كما صُـلّي عليه أيضاً في المسجد الأقصى بالقدس، وذلك في يوم الجمعة غُرّة شوال سنة 1385هـ(45)، كما صُـلّي عليه صلاة الغائب أيضاً في بعض العواصم العربيّة والإسلاميّة.
تاسعاً: من أقوال قادة العمل الإسلاميّ، والصحافة، عن (أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا):
سعادة الشّيخ صالح قزاز وكيل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي:
«… رحم اللهُ أحمدو بيلو، لقد كان طَوْداً شامخَ الذُّرى، وحِصناً من حصون الإسلام في تلك البلاد… عاش ومات وهو ثابتٌ على دعوة الحقّ، هدى اللهُ به من الضلالة مَن هَدى، وأسلم على يديه مئاتُ الألوف، كان مخلصاً في دعوته إلى أقصى حدود الإخلاص، ولذلك كانت دعوته تَسري في القلوب سَرَيان الكهرباء، كان رجلَ جِدٍّ وصرامةٍ في الحقّ… إنّه لا يُرسل الكلام جُزافاً؛ لأنّه يعني ما يقول، ولا ينطق بالكلمة حتى يعرف موقِعَها من نفوس سامعيه»(46).
فضيلة الشّيخ عطيّة محمّد سالم – رحمه الله-:
«… وكان هذا الزّعيم الرّاحلفي طليعة أولئك الزّعماء الذين نهضوا ببلادهم، وسلك منهجَ الدَّعوة الإسلاميّة بربط حاضرها بماضيها، في ظلّ الدّعوة بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة، فأخذ النّاس يدخلون في دين الله أفواجاً…»(47).
الشّيخ علاّل الفاسي – رحمه الله-:
«… أحمد بِلُّو الذي يقف أمام النّاس ليعرض برامجه لخدمة الإسلام، ومقاومةِ التّبشير المسيحيّ في بلاده، الرّجل الذي يصرخ ضدّ الصّهيونية والمتعاونين معها في إفريقيا، لقد سمعت أحمد بِلُّو يتكلّم في المؤتمر الإسلاميّ بمكّة المكّرّمة في العام الماضي، ولم أتمالك أن حمدتُ اللهَ على أن جعل في المسلمين من يَصدع بالحقّ مثل ذلك الرّجل…»(48).
الأستاذ فؤاد شاكر – رحمه الله-:
«… المجاهدُ المسلم الكبير.. والبطل الشّهيد الذي وقف وحده بين ملايين المسلمين والمبشِّرين ينضح عن دين العزّة والكرامة، ويذود عن شريعة محمّد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه…»(49).
مجَّلاتٌ وجرائد عربيّة وإسلاميّة:
كتبت عنه مجَّلاتٌ وجرائد عربيّة وإسلاميّة، منها: مجلّة المجتمع اللبنانيّة بعنوان: (شهيدٌ في موكب الخالدين)، وجريدة المنار الأردنيّة بعنوان: (دمعةٌ على العرب والمسلمين)، وجريدة العلم المغربيّة بعنوان: (الحاج أحمد بيلو كان داعية للإسلام وعدوّاً للصّهيونية)، وجريدة عُكاظ السُّعوديّة بعنوان: (رحمك الله يا أحمدو بيللو)، وجرية الميثاق السّودانيّة، وجريدة الشّمس السِّيلانية (السّريلانكية)، وغيرها (50).
الاحالات والهوامش:
(*) أكاديمي وباحث نيجيري من كانو
(1) الإلوري، آدم عبد الله: الإسلام اليوم وغدا في نيجيريا، مكتبة وهبة، القاهرة، ط الأولى 1405هـ، ص (81 – 82).
(2) سطّر الحاج أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا كثيراً من سِيرة حَياته، منذ أيّامه الأولى في قريته (رَابَا)، مُروراً بحياته العِلميّة، إلى تولِّيه منصب رئيس وزراء الإقليم الشمالي النّيجيريّ، وذلك في كتابه: (My Life حياتي): هو كتابٌ في (264 صحفة)، مطبوعٌ باللُّغتين: (الإنجليزيّة، والهوسا)، ونحن سنعتمد عليه في سَرد أحداث هذه المرحلة لحياة سَرْدَوْنَا اعتماداً كبيراً؛ لكونه أصحَّ وثيقةٍ تتحدّث عن حياته، ولا مانع أن نُشير إلى غيره في بعض الأحداث.
(3) Paden, John N., Ahmadu Bello Sardauna of Sokoto, (1986) Zaria, Nageria, p 73
(4) والدُه: كان والدُه إبراهيم رئيسَ مركز قريته (رَابَا)، وكان متديِّنا، وكان شعراءُ هوسا يصفونه بأنّه: أمينٌ، وأنّه: (ذو القَرن المهاجم)؛ لبسالته في الدفاع عن مملكتهم أمام المستعمر. تُوفي والدُه وعُمره ستّ سنين.
جدّه الأول: السّلطان أبو بكر الّذي يلقب بـ (عَتيق)، كان سلطاناً عادلاً، يكتسب لنفسه، ولا يأكل من المال العام، وكان عالماً باللُّغة العربيّة والعلوم الإسلاميّة والتّاريخ الإسلامي.
جدّه الثاني: هو: محمّد بِلُّو بنُ الشّيخ المجدِّد عثمان بن فودي، الّذي وطَّد أساسَ الخلافة الإسلاميَّة بشمال نيجيريا، صاحبُ التّآليف الكثيرة، وكان أحمد بِلُّو يحلو له الانتسابُ إليه دائماً، ويَستلهم منه معاني العزَّة والمجد الإسلاميّ.
انظر: سَرْدَوْنَا، أحمدو بِلُّو: سيرته الذاتية: My Life، ص (2، 8، 70).
(5) انظر: المصدر السابق، ص (8 ، 21 – 25).
(6) انظر: المصدر السابق، ص 35 .
(7) انظر: المصدر السابق، ص 36.
(8) انظر: المصدر السابق، ص 39.
(9) انظر: المصدر السابق، ص (45 – 46).
(10) منصب (سَرْدَوْنَا) يعني: قائدَ حرس السّلطان، أو حاملَ السّيف الشّجاع، وهو منصبٌ لا يكون إلا لأبناء السّلاطين أو الأمراء، وحاملُ هذا اللّقب في العُرف يُعتبر قائدَ قوّات الجيش أيّام الحروب، انظر: My Life، ص 49.
(11) انظر: المصدر السابق، ص 51.
(12) انظر: المصدر السابق، ص (63 – 64).
(13) انظر: المصدر السابق، ص (64، 65).
(14) انظر: المصدر السابق، ص 68.
(15) انظر: المصدر السابق، ص 96 .
(16) انظر: الإلوري، آدم عبدالله: الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فودي الفلاني، الطبعة الثانية، 1398هـ/1978م، (بدون مكان الطبعة)، ص (157 – 158).
(17) انظر: الإلوري: الإسلام في نيجيريا، ص 160.
(18) انظر: جومي أبو بكر محمود: Manufata (سيرة ذاتية)، جمعها ونسقها د. إسماعيل أبو بكر سيغا، (2002م)، ص (122 – 123).
(19) انظر: Paden, John N. Ibid, p. 281
(20) انظر: Paden. Ibid, pp.299, 300
(21) غلادنشي، شيخو أحمد سعيد: حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا، 1414هـ/1993م، (بدون مكان الطبعة)، ص 89.
(22) انظر: جومي: المصدر السابق، ص 124.
(23) انظر: جومي: المصدر السابق، ص (125 – 126).
(24) انظر: John N. Paden: Ahmadu Bello Sardauna of Sokoto, pp. 281, 281
(25) الشهيد أحمدو بِلُّو سَرْدَوْنَا، كتيب فيه مجموعة مقالات عنه، أصدرته رابطة العالم الإسلامي عقيب اغتياله- رحمه الله-، ص 20.
(26) المصدر السابق، ص (102 – 103).
(27) جومي: Manufata,، ص 132.
(28) انظر: جومي: المصدر السابق، ص 123.
(29) الإلوري: الإسلام اليوم وغدا في نيجيريا، ص (82 – 83).
(30) انظر: الشهيد أحمدو بِلُّو، ص (15 – 26).
(31) انظر: جومي: المصدر السابق، ص 116.
(32) انظر: جومي: المصدر السابق، ص 118.
(33) جومي: المصدر السابق، ص (116 – 117).
(34) جومي: المصدر السابق، ص 120.
(35) وكلاهما مسيحيّان.
(36) الإلوري، الإسلام في نيجيريا، ص (160 – 162).
(37) Paden, ibid, p. 653.
(38) Paden, ibid, 654.
(39) انظر: paden, ibid 654.، وجومي، ص 132.
(40) انظر: Paden, Ibid, pp 657, 658
(41) انظر: Paden, Ibid, pp 658, 662 والإلوري: الإسلام في نيجيريا، ص 162.
(42) انظر: جومي: المصدر السابق، ص (144، 145، 146).
(43) Amune, Stephen A., Work and Worship, Selected Speeches Of Ahmadu Bello, Sardauna of Sokoto, (1986) Zaria, Nigeri, p.178.
(44) الشهيد الحاج أحمدو بِلُّو، ص 89.
(45) انظر: الشهيد أحمدو بلو، ص 6.
(46) المصدر السابق، ص (37 – 38).
(47) المصدر السابق، ص 102.
(48) المصدر السابق، ص 46.
(49) المصدر السابق، ص 71.
(50) انظر: المصدر السابق، ص (84 – 105).