تتعرّض المجتمعات الإفريقية، منذ انطلاق حقبة الاستعمار، لمشاريع التحديث التي تتبنّى العلمانية، كما صاغتها الأدبيات الفلسفية والسياسية الغربية، بوصفها مطلباً أساسيّاً لبناء الدولة الحديثة، حيث عملت القوى الإمبريالية على تصديرها إلى المجتمعات الخاضعة لنفوذها، في زمن الاستعمار وبعده وإلى الآن.
وبرغم صعوبة طرح تعريف لمصطلح العلمانية يحظى بالإجماع؛ فإنّ هناك مقداراً من المفهوم يُمكن أن نُطلق عليه «المعنى الأدنى»، تتوافق عليه غالبية التعريفات المقترحة لتحديد المفهوم، وهو: «تحييد الدين عن السياسة»؛ أي فَصْل السلطة السياسية- بناءً وممارسةً- عن تأثير السلطة الدينية.
وقد اصطدم مسار بناء الدولة الحديثة- على أسس علمانية- بإفريقيا بمعضلةٍ أساسيةٍ، هي تحييد القبيلة والعقيدة عن العمل السياسي كما استقرّ عليها الأمر في الأدبيات الغربية المنتجة لمفهوم العلمانية، فبعد كلّ هذه السنوات الطويلة من نشأة الدولة الحديثة على الأسس العلمانية في إفريقيا؛ لم تستطع العلمانية أن تعزل القبيلة والعقيدة، فلا تزال القبيلة والعقيدة مؤسستَيْن محوريتَيْن تلعبان دَوْراً رئيساً في توجيه السلطة السياسية وتدبير الشأن العام، ما يجعل هذا النموذج العلماني للدولة موضع مساءلةٍ ونقدٍ على مستوى جدواها وملاءمتها للخصوصيات المحلّية الإفريقية. (للمزيد أنظر مجلة قراءات إفريقية العدد 29)